تمثال الحرية.. رحلة رمز "الحلم الأميركي" في 135 عاماً

time reading iconدقائق القراءة - 7
لقطة قريبة لرأس تمثال الحرية الأميركي، نيويورك - Getty Images
لقطة قريبة لرأس تمثال الحرية الأميركي، نيويورك - Getty Images
القاهرة-آلاء عثمان

في الـ 28 من أكتوبر لعام 1886 رُفع الستار رسمياً عن أحد أبرز رموز الحُلم الأميركي البراق؛ تمثال الحرية الذي ما يزال إلى اليوم مُتصدراً المشهد في ميناء مدينة نيويورك الأميركية، يستقبل ملايين من السائحين والزوار كل العام الذين ينشدون إلقاء نظرة على جزء حي من تاريخ البلاد.

إلا أن التمثال الذي يبلغ من العمر 135عاماً ليس أميركياً بالأساس، بل إنه عبر المُحيط إلى العالم الجديد داخل سفينة مُرتحلاً من أوروبا، إذ أهدته فرنسا للولايات المُتحدة بمناسبة مرور 100 عام على إعلان استقلال الولايات المُتحدة، فضلاً عن كونه رمزاً للعلاقة الوطيدة بين البلدين، وأطلق على العمل الفني العملاق آنذاك اسم "الحرية تنير العالم".  

مقترح سياسي 

بالرغم من شهرة تمثال الحرية كعمل فني أصيل يستقر في جزيرة الحرية بخليج نيويورك ويُشرف على المحيط والميناء، لم تطرأ فكرة تشييد التمثال الجذاب في ذهن فنان ألهمه العالم الجديد، بل رجل سياسية فرنسي يُدعى، إدوارد دي لابولاي. كان ذلك بالتحديد في العام 1865، أي في العام ذاته التي وضعت فيه الحرب الأهلية الأميركية أوزارها أخيراً. 

عبر إهداء التمثال المنشود للشعب الأميركي، قرر السياسي الفرنسي الاحتفاء بمرور 100 عام كاملة على إعلان الاستقلال الأميركي، والذي كان ليوافق عام 1876، ما يوفر متسعاً من الوقت لتنفيذ العمل، من جهة أخرى، كان التمثال ليشكل رمزاً للصداقة الأميركية الفرنسية. 

 لم ينضم العنصر الفني للعمل جدياً سوى عام 1870، عندما بدأ النحات الفرنسي أوغست بارتولدي العمل على تصميم التمثال، بل وأقدم على زيارة الولايات المُتحدة بنفسه وتخير الجزيرة الملائمة لوضع النصب المميز، وكانت تُعرف آنذاك باسم جزيرة بيدلو، إلا أن الحكومة الفرنسية لم تكن العميلة الأولى التي تلقت مقترحات بارتولدي بشأن التمثال. 

نموذج مصري

في العام 1855، كان النحات في زيارة لأحد بلدان شمال إفريقيا عندما تقاطعت سُبله مع عمل فني أخّاذ يبلغ من العمر بضعة آلاف من السنين؛ معبد أبو سبل في مصر وآثاره الشاهقة، منذ ذلك الحين بدأت فكرة التمثال العملاق تراود أوغست بارتولدي حتى أنه عرضها على الحكومة المصرية. 

الفكرة الأصلية تضمنت تمثالاً لامرأة مصرية، فلاحة على وجه الدقة، يستقر في مدينة بورسعيد المصرية، ويستقبل السفن أثناء مرورها من قناة السويس حديثة التدشين آنذاك، على أن يحمل التمثال اسم "مصر تحمل النور لآسيا" إلا أن الجانب المصري رأي في طموح النحات مشروعاً مُكلفاً ومن ثم رفضه وفقاً لمجلة سميثسونيان

فنون وهندسة 

في باريس لاقت أفكار أوغست قبولاً وانتقلت لطور التنفيذ، تضمن ذلك إعادة توجيه رؤية الفنان لتحمل الغرض الجديد لتمثاله الأميركي، إذ تحول لامرأة تحمل شُعلة بيدها اليمنى وصحيفة باليد اليُسرى نُقش عليها "الرابع من يوليو وثيقة إعلان الاستقلال". 

 لاحقاً ما بين عامي 1876 و1881 اكتمل تشييد أجزاء التمثال بشكل منفصل تدريجياً، ثم تم تركيبها معاً في المرة الأولى بباريس وفقاً لموقع خدمة المتنزهات الوطني الأميركي

جهد التصميم والتشييد ما كان ليكتمل رغم ذلك لولا مُساعدة متخصصة من جانب مهندس فرنسي شهير، جوستاف إيفل الذي يُعزى إليه بناء الهيكل المعدني الداخلي لجسم النصب التذكاري، بينما شُكلت ملامح التمثال الخارجية من طبقات النحاس المطروق، ليمثل العمل النهائي بذلك تعاوناً محمود ما بين الفنون والعمارة حد تعبير الموقع الرسمي لمنظمة اليونيسكو

الولايات المتحدة

بشكل رئيسي كان العمل على جسم التمثال يجري في فرنسا التي أجرت اكتتاباً دولياً لتمول بناءه، من جهة أخرى كانت الولايات المُتحدة تستعد لاستقبال النصب على قدم وساق، إذ تطلب الأمر بناء قاعدة للتمثال والتي صممها المعماري ريتشارد موريس هانت، وتطلبت بدورها جهوداً لجمع التمويل اللازم لتشيدها الذي ما كان ليتم سوى بتدخل جوزيف بوليتزر، الذي سخر جريدته "العالم"، لجمع المبالغ المالية اللازمة وفقاً لموقع History.  

 وصل التمثال إلى نيويورك في الـ17 من يونيو لعام 1885 على متن إحدى سفن البحرية الفرنسية، إلا أنه لم يُرتب في موقعه الجديد أو يُعرض سوى بحلول عام 1886 عندما انتهت أعمال تشييد قاعدة التمثال، حينها افتُتح التمثال للمرة الأولى، واجتمع ما يقارب من مليون مواطن كي يشهدوا اللقطة التاريخية المُبهرة بالرغم من سوء الأحوال الجوية. 

شُعلة في الظلام

اليوم يبدو تمثال الحرية دائماً محاطاً بآلاف الوجوه المتحمسة بين زوار وسائحين، في نهايات القرن الـ 19 من الجهة الأخرى، عادة ما استقبل التمثال بشعلته المُضيئة سفن حملت المهاجرين إلى العالم الجديد، المتطلعين لحياة أفضل وأحلام بغير حدود، حتى أنه اعتُبر رمزاً للهجرة للولايات المُتحدة، إلا أن تلك الرؤية الوردية للشعلة التي يهتدي إليها المرتحلون عبر المُحيط لما تتوافق دائماً مع سياسات الولايات المُتحدة المعادية لهجرة بعض الجنسيات والأعراق، كأبناء بعض البلدان الآسيوية وأميركا اللاتينية.  

 لم يصنف تمثال الحرية كنصب تذكاري وطني سوى بحلول عام 1924، وانضمت له جزيرة الحرية لاحقاً في عام 1937، كما أنه يُعتبر اليوم أحد مواقع التراث العالمي التي تُصنفها منظمة اليونيسكو التابعة للأمم المتحدة.