
في طفولتها، كانت ماري تيودور محض أميرة سعيدة، تنشأ في كنف والديها وتنعم بالرفاهية والرخاء، في شبابها صارت امرأة منبوذة مُستبعدة من البلاط الإنجليزي، بعد أن تحدت إرادة الملك هنري الثامن، والدها، ورفضت الاعتراف بزواجه المثير للجدل آنذاك من والدتها.
لاحقاً بعد بضعة سنوات صار لها الأمر والحكم، بعد أن تولت العشر كأول ملكة إنجليزية على الإطلاق تتولى العرش كحاكم فعلي وليس زوجة للملك، إلا أن التاريخ لا يذكر تفردها وسبقها أولاً، بل يذكر الفصل القاتم من عهدها القصير، بما تضمن من قسوة وعنف منحاها لقب "ماري الدموية".
وفي ذكرى وفاتها الموافقة 17 من نوفمبر، نستعرض فصولاً من حياة أميرة ويلز الرقيقة التي تحولت إلى ملكة سيئة السمعة.
أميرة ويلز
ولدت أول ملكات إنجلترا في أوائل القرن الـ16 بالتحديد في عام 1516، ابنة شرعية للملك هنري الثامن وزوجته آنذاك كاثرين أميرة أراجون الإسبانية وملكة إنجلترا، لاحقاً قرر والدها اعتبار الزيجة تلك باطلة، ومن ثم زج بالأميرة الشابة آنذاك إلى قائمة أطفاله غير الشرعيين.
قبل أن تبدأ معاناة ماري تيودر، كانت الحياة هادئة وناعمة للأميرة، إذ نشأت في معية والدتها الملكة، وتتلمذت على يديها ومربية أخرى من مقام رفيع، حتى إنها أتقنت عزف الموسيقى، وأجادت عدداً من اللغات، ويقال إن والدها سماها بالفعل أميرة ويلز في عام 1525.
لكن الأميرة سرعان ما تقاطعت مع تحدٍّ جديد، متعلق بانتقالها من طور الطفولة والمراهقة ومن ثم زواجها. خُطبت الأميرة غير مرة إلا أن مشروعات الزواج لطالما انهارت تاركة الأميرة في معية أسرتها، وكانت الأسرة الملكية ذاتها على موعد مع التفكك بشكل نهائي أمام رغبات الملك الجامحة.
الوصيفة
لم يكن الملك هادئ البال أو راضياً عن علاقته بزوجته كاثرين الأميرة الإسبانية، إذ رغب في إنهاء الزواج والارتباط بامرأة أخرى تُدعى آن بولين، لذا زعم الملك أن ارتباطه بالملكة لم يكن شرعياً من الأساس، إذ إنها كانت أرملة أخيه من قبل.
وخاض الملك معركة ضارية لتحقيق رغباته، واصطدم بالكنيسة الكاثوليكية ونفذ رغبته في النهاية وتزوج بولين في عام 1533 واستقل عن الكنيسة الكاثوليكية في العام التالي مؤسساً الكنيسة الإنجليزية، وفقاً لموقع الموسوعة البريطانية.
مع تلك التطورات، سُلبت من ماري العديد من المزايا، إذ أصبحت ابنة غير شرعية للملك، غير أنها رفضت الاعتراف بما حقق من تغيرات، ما أدى إلى تدهور العلاقة في ما بين الثنائي، لاحقاً حُرمت ماري من لقب "أميرة" كما أنها حُذفت من قائمة ولاية العهد، وحلت محلها شقيقتها الرضيعة إليزابيث (لاحقاً إليزابيث الأولى)، كما أُجبرت على العمل وصيفة لشقيقتها وحُرمت أيضاً من الالتقاء بوالدتها منذ ذلك الحين.
عودة خجولة
ولأن دوام الحال من المحال، لم تكن ثلاث سنوات لتمر على زواج هنري الثامن من معشوقته آن بولين حتى دب الخلاف بين الثنائي، حتى أنه أمر بإعدام آن عام 1536 بتهمة الخيانة، وسرعان ما تزوج من أخرى تمكنت أخيراً من إنجاب ذكر لخلافة الملك، الأمير إدوارد الذي تولى الحكم لاحقاً بعد وفاة والده.
وبعد رحيل زوجة الأب الأولى عن المشهد، وميلاد الوريث الذكر، بدأت علاقة هنري وابنته الكبرى في التحسن وفقاً لموقع Biography، إلا أن الملك وضع شرطاً لعودة الأميرة لبلاطه، وهو أن تعترف به كرأس للكنيسة الإنجليزية الجديدة وتقر ببطلان وعدم شرعية زواجه من والدتها ومن ثم تقر شخصياً بكونها ابنة غير شرعية، الأمر الذي قبلته ماري أخيراً، وعادت بذلك أيضاً لترتيب ولاية العهد على أن تأتي بعد أي من أبناء الملك الشرعيين.
تمكنت ماري من تخطي العقبات، وحافظت على معتقداتها الدينية طوال حياة والدها وحتى العام 1553، عندما توفي أخيها الملك إدوارد، وآن لها أن تصعد بدلاً منه إلى العرش، بعد أن أُزيحت الليدي جاين جراي التي حاول الملك الصغير أن يضعها على العرش خلفاً له عنوة.
ماري الدموية
منذ تلك اللحظة، بدء عهد أول ملكات إنجلترا الذي استمر مدة 5 سنوات فقط، لكنه ترك في صفحات التاريخ علامات فارقة ما تزال تُذكر إلى اليوم، إذ أن ماري قررت بمجرد توليها السلطة إعادة إرساء قواعد الكاثوليكية التي انفصل عنها والدها، حتى أنها بدأت العمل بقانون الهرطقة الذي طال المئات من معارضيها من البروتستانتيين على وجه التحديد، وعُرف عهدها بالاضطهاد الديني.
300 من هؤلاء الذين تقاطعوا مع قانون الهرطقة، أعدمتهم ماري حارقاً، واكتسبت بذلك لقبها الأثير "ماري الدموية"، الذي ما يزال ملتصقاً بها إلى اليوم دوناً عن أي من أفراد عائلتها أو الحكام في الفترة الزمنية ذاتها، فوفقاً لموقع History كان والدها قد استخدم قانون الهرطقة من قبل وأعدم على إثره 81 شخصاً، كما أن شقيقتها الملكة إليزابيث الأولى أعدمت آخرين أيضاً لأسباب دينية.
البحث عن وريث
لتدعيم أركان حكمها، وبخاصة فيما يتعلق بأزمة الصراع ما بين الكنيسة القديمة والجديدة، قررت ماري أخيراً الزواج، هذه المرة لم تكن أميرة مراهقة حسناء، بل ملكة على مشارف الأربعين من العمر، لذا تخيرت ماري زوج يدعم معتقداتها الدينية، فيليب الثاني ملك إسبانيا، لكنها لم تتمكن من إنجاب وريث يحفظ عرشها من الارتداد مرة أخرى للكنيسة الإنجليزية على يد شقيقتها إليزابيث.
توفيت ماري في 17 نوفمبر من العام 1558، ويُعتقد أنها كانت مُصابة بأحد أطياف سرطان الجهاز التناسلي، ما حرمها من تحقيق حلمها بإنجاب وريث للعرش.