
في صباح الـ23 من ديسمبر عام 1986، هبطت طائرة عُرفت باسم VOYAGER على مدرج قاعدة سلاح الجو الأميركي، إدواردز في ولاية كاليفورنيا. لم تكن طائرة اعتيادية، حتى أن أحداً لم يشهد لها مثيلاً من قبل، إذ صُممت تلك الطائرة خصيصاً من أجل هدف واحد ومهمة محددة، الدوران حول الأرض في رحلة متصلة بلا توقف أو إمداد بالوقود جوياً.
وفي صباح اليوم المذكور، كان الآلاف في انتظار الطائرة التي عادت ظافرة، بعد قرابة 10 أيام من التحليق حول العالم، الأمر الذي لم يتوقعه قائدها، وأحد أقطاب المشروع الأميركي الطموح، الذي خرق الأرقام القياسية.
حلم عائلي
وكالأخوين رايت، اللذين تمكنا من جعل الطيران جزءاً من أبجديات عالمنا المعاصر، افتُتن شقيقان آخران، ديك وبيرت روتان، بفكرة التحليق حول العالم في رحلة واحدة متصلة، دون التزود بالوقود في الجو أو عبر الهبوط، كان ذلك في مطلع ثمانينيات القرن الماضي. ولتحقيق حلمهما، كان عليهما أن يطوّعا عناصر المهمة بأنفسهم، حتى تصميم الطائرة ذاته.
وعكف على المشروع الأخوان روتان، والضلع الثالث للمثلث، جينا ييجر، صديقة ديك في ذلك الوقت، ولحسن الحظ لم يكن بيرت رجلاً عادياً، بل مُصمم طائرات، تمكن من أن يخطّ ورفيقاه تصميماً مبدئياً للطائرة فويجر على منديل ورقي أثناء تناولهم الغذاء عام 1981.
وتوقع الفريق أن ينتهي من التصميم الفعلي للطائرة وتنفيذها واختبارها واستخراج التصاريح المطلوبة خلال عام ونصف على الأكثر، إلا أن المشروع تطلب ما يقارب الـ6 سنوات.
ولما كان المشروع عائلي الطابع، عكف الثلاثي معاً على تنفيذ الطائرة كذلك بالاستعانة بمواد خفيفة الوزن، ووفقاً للموقع الرسمي لـ"ديك روتان"، بلغ وزن الطائرة فارغة آنذاك حوالي 939 باوند، فيما قفز هذا الرقم إلى حوالي 9.7 آلاف باوند، أي ما يفوق 4 أطنان، بعد تحميلها في القاعدة الجوية بالوقود والمؤن وأخيراً صعود الطيارين، ديك وصديقته جينا.
بداية مضطربة
وفي صباح 14 ديسمبر عام 1986، كان على الطائرة فويجر أن تنطلق في رحلتها التاريخية، لكنها كادت ألا تفعل، بعد أن استهلكت أغلب مسافة المدرج قبل أن تُحلق، وهي المسافة المُقدرة بحوالي 4 كيلومترات، كما أن أحد أطراف جناحي الطائرة تضرر خلال لحظة الإقلاع وكُسر، لكن فويجر أكملت رحلتها، وفقاً لموقع وكالة ناسا الأميركية.
وبقدر الألق التاريخي الذي أحاط بتجربة الطيران غير الاعتيادية، صرح الطيار ديك روتان لاحقاً بأن تجربة البقاء في تلك المركبة مدة زادت على 9 أيام لم تكن مثالية.
إذ كان يكره ديك الطائرة المُخصصة لرحلته، بل كان يخشى أن يُتوفى داخلها أثناء الرحلة الطويلة، إذ كانت المقصورة بالكاد تصل لحجم حوض استحمام منزلي، وكان عليه أن يتحمل وطأتها رفقة صديقته طوال تلك المدة.
من جهة أخرى يرى ديك أن الطائرة لم تكن ذات جودة كبيرة أو تتمتع بقدرات طيران عالية، إذ كان على أخيه المصمم أن يقوم بالكثير من المواءمات لضمان تحقيق الهدف الرئيسي، وهو إكمال الرحلة حول العالم.
ولدى هبوط الطائرة في صباح 23 ديسمبر، بعد رحلة مدتها 9 أيام و3 دقائق و44 ثانية، كان الآلاف ينتظرون الطاقم الظافر مُحقق الرقم القياسي، الذي لا يزال يهيمن عليه إلى اليوم.
ووفقاً لموقع ديك روتان، حصل الثلاثي، طاقم الطائرة ومصممها، على وسام المواطنين من قبل الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريجان بعد أيام من عودتهم. وتستقر الطائرة الشهيرة اليوم في المتحف الوطني للطيران والفضاء بعد أن أُهديت له.