
بعد 12 عاماً من التواجد على الشبكة العنكبوتية، فوجئت عضوات منتدى "فتكات" الإلكتروني، وهو أحد أشهر المنتديات النسائية المصرية والعربية، الخميس، برسالة وداع مؤثرة من المنتدى، مفادها أن رحلة الموقع وصلت إلى نهايتها.
وجاء إغلاق الموقع ليمثل مظهراً جديداً لسطوة مواقع التواصل الاجتماعي على الفضاء الإلكتروني بعد أن بات أغلب المستخدمين يقضون أوقاتهم عليها، وهجروا منصات أخرى أبرزها المنتديات التي كانت أهم ساحات النقاش السياسي والاجتماعي العربي على الإنترنت في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
تقول رسالة الإغلاق: "حبيباتي الفتوكات.. عدى 12 سنة على صحبتنا الجميلة أحلى صحبة وأحلى لمة، ودلوقتي مضطرين آسفين إننا نقفل (فتكات) نهائيًا.. متمنين لكم دوام الصحة والعافية".
وعلى الرغم من أن عضوية "فتكات" كانت مقصورة على السيدات دون الرجال، إلا أن المنتدى حظي على مدار رحلته بزيارات متنوعة من الجنسين لتصفح أقسامه وموضوعاته بحثًا عن ترشيح طبيب، أو وصفة طعام، أو حيلة منزلية، أو حتى فتوى دينية منقولة من مصدرها.
وكان المنتدى، مرآة دقيقة لاهتمامات النساء المصريّات، خصوصًا ربّات المنازل منهن واتجاهاتهن المعيشية والشرائية، ودليلاً جيداً لبنات الطبقة المتوسطة من العزباوات والمتزوّجات.
مساحة للسيدات
في عام 2007، كان مؤسس الموقع، محمد حسام خضر، المبرمج واستشاري ريادة الأعمال، في جلسة عائلية مع أخواته الستة، وزوجته وزوجة أخيه، كان بطل الجلسة هو الإنترنت، بوصفه "ضرة الزوجة المصرية"، وشريكها الذي يتقاسمها اهتمام الرجُل، حينما اقترح خضر تأسيس منتدى نسائي بحت، تكون المرأة هي جمهوره المستهدف، ويكون هو مساحتها الخاصة جدًا على الإنترنت، وسرعان ما تحمست نساء عائلته للفكرة.
يقول خضر: "بدأت العمل مباشرة على تدشين منتدى فتكات، إذ إن لدى خبرة تكنولوجية، فقد تخرجت في كلية الهندسة عام 1997، وعملت من حينها على تطوير موقعين نابعين من احتياجات واهتمامات المجتمع، أولهما بنت الحلال، وكان مخصصاً للزواج، والثاني للألعاب، وحرصت عند اختيار اسم فتكات على أن يكون معبرًا للوهلة الأولى عن منتدى مخصص للمرأة عموماً، والمصرية على وجه الخصوص".
وأضاف خضر، في حديثه لـ"الشرق": "الألوان والأقسام جاءت جميعها وفقًا لبحث مكثف أجريته وقتها ليلائم احتياجات النساء، واخترت الأخضر والبنفسجي لأنهما من الألوان المفضلة للنساء، وعلى الرغم من ذلك، كان المنتدى في الشهر الأول لتدشينه، أشبه بصحراء، ولم يشجع حتى نساء عائلتي على المشاركة والتواجد، وللتحايل على هذه العقبة، عملت في البداية على ضخ محتوى بشكل مكثف على مدار شهرين، حتى أصبح فتكات مرئياً لمحرك البحث غوغل، والذي بدأ يرسل له الزائرات واحدة تلو الأخرى، وانضمت نساء عائلتي أخيراً للمنتدى الوليد، وبدأ استقبال محتواه الحصري من المشاركات".
مليون عضوية
حتى عام 2015، واصل "فتكات"، وفقًا لـ"خضر"، استقبال الزيارات والعضويات، حتى وصل لنقطة أصبح فيها مؤثراً على المسار المهني له، فقرر بيعه لإحدى شركات المحتوى، وبالفعل باع 70% منه، واحتفظت العائلة بنسبة 30% جنباً إلى جنب مع الإدارة والإشراف على المحتوى، للحفاظ على روح المنتدى التي اعتادت عليها العضوات، مشيراً إلى حدوث سوء تفاهم أدى لانسحاب العائلة من الإدارة، وهى النقطة التي يعتبرها خضر بداية العد التنازُلي لتراجع مكانة المنتدى، وصولاً للإغلاق أخيراً.
وتابع خضر: "لاحقاً تم بيع "فتكات" لشركة محتوى أخرى، ضمن حزمة من المواقع، فشهد تغييرات عدة، غيرّت شخصية المنتدى الأساسية، وتسببت في رحيل الزيارات بسبب انعدام رضا العضوات".
إبان البيع الأول، كان منتدى "فتكات" "حصاناً رابحاً" وفقاً لـ"خضر"، فعدد المشرفات اللاتي تترأسهن إحدى شقيقاته، وصل إلى 260 مشرفة، والعضويات إلى أكثر من مليون عضو.
ويوضح خضر: "كان فتكات يحل خامساً في ترتيب الزيارات الذي يصدره موقع "أليكسا" بعد "فيسبوك" و"جوجل" و"يوتيوب"، وكان ترتيبه قبل عدد من المواقع الإخبارية المصرية المهمة، كما أن فيسبوك في أوج انتشاره لم يسرق جمهور فتكات كُلياً".
وتابع مؤسس الموقع، أن "فتكات" حتى اليوم الأخير من وجوده على شبكة الإنترنت، كان يحمل ميزة تقنية تجعله يتفوق على "مجموعات فيسبوك" المتخصصة، كونه مفهرساً، وأقسامه منوعة، ما يسهل عملية البحث عن المعلومة، خلاف "فيسبوك" الذي يتيح المنشورات على نحو متتالٍ يصعب عملية البحث".
البدائل.. نجاح غير مضمون
أخبار جيدة، يحملها "خضر" لعُشاق وعاشقات "فتكات"، من شأنها أن تحفظ القيمة العاطفية والمعرفية للمنتدى: "عرضت على الشركة المالكة الأخيرة أن تتيح لي الوصول للمحتوى، بهدف أرشفته وإتاحته في شكل مدونة، حفاظاً على المحتوى الأصيل والحصري، خصوصاً في ظل حالة فقر المحتوى العربي على الإنترنت".
لكن، وفقًا لخضر، فإن التصور البديل للمنتدى، سيحرم العضوات من المشاركة، نظرًا لأنها ستكون أكثر كُلفة، بينما في حالة تجريده من ميزة التفاعُل، سيكون بوسعه تحمل تكاليف وجوده على الفضاء الإلكتروني ولو بشكل شخصي، وبعد أن تتم مهمة إنقاذ المحتوى، بوسعه التفاوض والتواصل مع المشرفات لإطلاق المنتدى في شكل تطبيق إلكتروني، أو أي قالب آخر أكثر مناسبة.
وبسؤال خضر، عما إذا كان يرى أن نموذج المنتدى بوسعه أن يصمد وسط خريطة الإنترنت الحالية، أعرب عن اعتقاده أنه بوسعه أن يصمد، غير أنه لن يستطيع الاستمرار، لأن "الأجيال الجديدة تفضيلاتها للتواصل الاجتماعي معتمدة على مواقع الصورة مثل منصات انستغرام وتيك توك وسناب شات، حتى فيسبوك بالنسبة لهم أصبح قديماً، وقد يستمر فتكات بجمهوره الحالي ويحقق تفاعلًا وقتيًا، لكن لن يستطيع أن يجتذب أجيالاً جديدة".
عالم "الفتوكات"
صفيّة النجار، محاسبة في سن العشرين، ارتبطت بمحتوى منتدى "فتكات" منذ مرحلة الدراسة الإعدادية، مرورًا بالثانوية والالتحاق بالجامعة، لكن قبل سنوات قليلة، بدأ "فيسبوك" يجتاح حياة صفية الافتراضية، وأزاح "فتكات" شيئًا فشيئًا، حتى أصبحت زياراتها له معدودة في السنوات الماضية رغم كونها "فتوكة" قديمة وهي الصفة التي يطلقها المنتدى على عضواته.
"كنت مقيمة فيه بشكل يومي"، هكذا تروي صفية لـ"الشرق" عن متانة علاقتها بـ"فتكات"، والذي كان مصدرًا لها للتعرف إلى ترشيحات مساحيق التجميل، ووصفات العناية بالبشرة، وتنسيق الملابس، أو على حد تعبيرها، بوابتها لعالم النساء، في رحلة عنوانها "اسأل مجرّبة"، حتى أنها كانت تقوم بالتسوق الإلكتروني عبره في أقسام كانت مخصصة لذلك لبعض الوقت، وهو أشبه اليوم كثيرًا بـ"مجموعات" التسوق عبر "فيسبوك".
حتى باب "محتارة"، المختص بالمشكلات المجهّلة، فطالما اجتذب "صفية" لمتابعته، بهدف الحصول على تراكم من المعرفة الاجتماعية وخبرات العضوات، فيما لم تكُن في فترة نشاطها عليه مؤهلة تمامًا لإعطاء النصح للعضوات والسائلات إلا في بعض الأمور المحدودة بالنظر لحداثة سنها وقتها.
عند المفاضلة حالياً بين "فتكات"، و"مجموعات فيسبوك" المخصصة للنساء، ترجح كفة "فتكات" لدى صفية، لأنها تجد فيه كل ما يهم النساء في مكان واحد، بينما على "فيسبوك" يوجد "جروب" للشعر، وآخر للبشرة، وثالث للملابس، إضافة لذلك، فإن ميزة "فتكات" الأساسية أنه كان بقعة نسائية حصرية، خلاف "فيسبوك" الذي لا يعصمها من التعرض للتحرش والمضايقات الإلكترونية حتى وهى تتصفح المجموعات النسائية.
وداع إلكتروني
حالة من الحزن أصابت العديد من متابعي فتكات، بمجرد مطالعة إعلان الإغلاق، وحرص مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي، على تشييع المنتدى على نحو يليق بالألفة التي نشأت بينهم وبينه، ما بين من يستعرضون ذكرياتهم مع الموقع ومن يقدمون نصائح لإنقاذه.