"الرُحّل الرقميون".. عمل وسياحة في زمن كورونا

time reading iconدقائق القراءة - 6
رجل يعمل على جهاز المحمول الخاص به في أحد الفنادق - REUTERS
رجل يعمل على جهاز المحمول الخاص به في أحد الفنادق - REUTERS
باريس-أ ف ب

يغتنم الملايين حول العالم فرصة العمل عن بعد في ظل جائحة كوفيد-19 للانتقال إلى أي نقطة جغرافية تستهويهم الحياة فيها والقيام بعملهم من هناك بعيداً عن قيود المكاتب، ويسمى هؤلاء السياح الذين يعملون عن بعد بـ"الرُحّل الرقميين"، وهم يشكلون مصدر إيرادات تسعى بلدان عدة لاجتذابه.

ومعظم هؤلاء الشباب الرُحل يعملون في اختصاصات مرتبطة بالمجال الرقمي، ويصعب تحديد عددهم، لكنهم من المؤكد أنهم يقدّرون بالملايين.

شارون، فتاة أميركية تبلغ من العمر 28 عاماً، وتعمل في إدارة البيانات. تقول: "لطالما أردت العيش في بلد آخر لأرى كيف هي الحياة فيه". وهي تمكنت مؤخراً من الانتقال إلى مكسيكو طلباً لـ"الطقس الجميل" و"حرية تنظيم" أمورها، حسب ما تقول.

كما تمكن ماريوس وكلير، وهما فرنسيان ثلاثينيان يعملان في مجال التسويق، من الرحيل من بلدهم "بفضل الحجر المنزلي" بعد أن اقتنع صاحب العمل بجدوى العمل أونلاين، بعدما قاومه في البداية.

تقول كلير متحدثة من فندق في بلايا ديل كارمن في المكسيك: "أعتقد أنه سيكون من المستحيل العودة إلى المكتب، بعد اليوم".

وبحسب ستيف كينغ، المحلل في مكتب "إيمرجنت ريسيرتش" للأبحاث، فإن الرُحل الرقميين الأميركيين وحدهم بلغ عددهم 10.9 مليون شخص في 2020، ويعكس هذا العدد زيادة بنسبة 33% عن العام السابق.

ومع فرض العمل عن بعد لمكافحة تفشي كورونا، اكتشف الموظفون نمط الحياة البعيد عن مكاتبهم والذي كان حكراً على المستقلين العاملين لحسابهم الخاص، وذلك على الرغم من تحديد التنقل خلال الجائحة.

من بين هؤلاء الموظفين، جوستين روا (24 عاماً) التي انتقلت في الصيف إلى بالي في إندونيسيا، حيث بدأت العمل مستشارة مستقلة في مجال "التأثير" الرقمي، وتقول: "لولا الجائحة، لكنت بقيت على الأرجح في فرنسا".

"فرصة" العمل عن بعد

يرى دوني مونيليا، الأربعيني الموظف في شركة تأمين، في العمل عن بعد "فرصة"، وهو اعتاد تمديد عطلاته بمواصلة العمل مرة من بلغاريا والأخرى من مالطا.

ولم يغفل كثير من هذه الدول الإمكانات الاقتصادية، فعمدت 15 دولة إلى تيسير شروط استقبال هؤلاء السياح الجدد، وفق الباحث كليمان مارينوس.

وأشار ستيف كينغ إلى أن الرُحّل الرقميين "سياح جيدون لأن لديهم وظيفة، وبالتالي لا يحرمون السكان المحليين من فرص عمل، وهم يتقاضون عموماً أجوراً جيدة".

ولأولئك الموظفين معاييرهم الخاصة في اختيار البلاد التي سيعملون منها، وهي تكلفة المعيشة والطقس وسرعة الإنترنت، كذلك وضع الجائحة في البلد.

وقال أرنو ويلبرود (35 عاماً) إنهم يبحثون عن "بلدان تكون القواعد المتبعة فيها أكثر ليونة"، وهو نفسه يستفيد من المطاعم المفتوحة في تالين عاصمة إستونيا، مواصلاً في الوقت نفسه نشاطه كناشر محتويات رقمية.

تأشيرات "جديدة"

في هذا السياق، استحدثت جورجيا الصيف الماضي تأشيرة دخول تسمح للموظفين الذين يتقاضون ما لا يقل عن 2000 دولار في الشهر الإقامة فيها لمدة عام. 

كما انتقل 787 من الرحل الرقميين للإقامة في جورجيا، برغم تراجع الوضع الصحي فيها منذ ذلك الحين.

وقالت تيا شانشيبادزه، الناطقة باسم المديرية الوطنية للسياحة في جورجيا، إن هذا العدد يبقى ضئيلاً، غير أن البرنامج يهدف بصورة خاصة "إلى اجتذاب زوار ذوي دخل مرتفع".

جيني برينغل، الجنوب إفريقية الحائزة على تأشيرة الدخول الخاصة هذه، تقول إنها "بحثت على غوغل عن بلد آمن وغير باهظ" من غير أن تعرف "شيئاً عن جورجيا". ولكن معلّمة اللغة الإنجليزية البالغة 61 عاماً، فُتنت بجمال البلد ونظافته، وهي تنوي الإقامة فيه بشكل دائم.

غير أن وصول الوافدين الجدد لا يتم على الدوام بشكل سلس، ففي يناير طُردت أميركيتان، تقول إحداهما إنها من الرحل الرقميين، من بالي بعد نشرهما تغريدات اعتبرتها السلطات الإندونيسية "مسيئة".

وقال بوتو أستاوا رئيس وكالة السياحة في الجزيرة إن الرحّل الرقميين يبقون رغم كل شيء "مصدر عائدات للبلاد، ما يساعدهم على التعافي من الصدمة الناجمة عن الجائحة".

قرية خاصة بالرقميين

في ماديرا البرتغالية، تم تدشين قرية خاصة بالرحّل الرقميين، هي الأولى من نوعها في أوروبا. وتتضمن قرية "بونتا دو سول" مساحة عمل مشتركة، ويقيم فيها 100 شخص يعملون عن بُعد ويسكنون في نحو 40 منزلاً، كما تلقت البلدة الساحلية 3800 طلب آخر للانضمام إليها.

وتعتزم السلطات المحلية أن تجعل من ماديرا "أحد أفضل الأماكن في العالم للعمل عن بُعد"، كما قالت الناطقة باسم دائرة الاقتصاد المحلية مارغاريدا لويس.

ويبدي غونسالو هول، رجل الأعمال الذي بادر إلى تنفيذ المشروع، ثقته في تحقيق هذا الهدف.