بمجرد أن تطأ قدمك ميدان العتبة، أحد أكبر وأهم الميادين في العاصمة المصرية القاهرة، يقع متحف البريد المصري، الذي يحتضن سجل تطور البريد المصري منذ أمر الملك فؤاد الأول بإنشائه عام 1934.
وتعود أهمية المتحف أيضاً كونه نقطة تحديد المسافات بين العاصمة المصرية “القاهرة" وبقية المحافظات الأخرى، إذ تمثل نجمة مرسومة أسفل تمثال الخديوي إسماعيل، المعيار المكاني الذي يحدد المسافات من وإلى القاهرة.
وتم تطوير المتحف وتحديثه مؤخراً، إذ تم توسعته ليضم 15 قاعة بدلاً من قاعة واحدة، كي يتمكن القائمون على هيئة البريد من عرض أكثر من 3 آلاف قطعة أثرية، وعدد من المقتنيات التي تروي قصة البريد المصري والمراسلات البريدية بشكل عام، والتي عرفتها مصر منذ العصر الفرعوني.
تاريخ المراسلات
وتؤكد مدير عام متحف البريد المصري غادة فؤاد في تصريحات لـ"الشرق"، أنه يضم قاعات تحوي نماذج من المراسلات التي تمت في العصور المختلفة؛ بدءاً من العصر الفرعوني مروراً بالروماني والقبطي والإسلامي وحتى يومنا هذا.
وأشارت إلى أنه هناك قاعة تظهر مراحل تطوير طوابع البريد من أوروبية إلى مصرية في منتصف القرن التاسع عشر، كما تحتوي أيضاً على مكتب لأول مدير هيئة للبريد المصري.
ويمتلك المتحف بحسب فؤاد، صناديق البريد المختلفة على مدى العقود الماضية، والتي كانت تتميز جميعها بالسرية والأمان، ومدون عليها توقيتات محددة لاستقبال الرسائل، فضلاً عن احتفاظ المتحف بملابس رجال البريد، والتي اختلفت من رتبة وظيفية إلى أخرى، بجانب المشتملات التي كانت بحوزته.
كما يحوي المتحف المركبة البريدية التي كانت يستخدمها الخديوي إسماعيل من أجل المراسلات البريدية، خلال فترة حكمه مصر بين 1863 و1879، والتي استعارها المتحف من متحف المركبات.
وبينما لا تعد الرسائل البريدية جزءاً من حياة الكثيرين اليوم، إلا أن هذه الخطابات والوثائق التاريخية ووسائل النقل البريدية الموجودة في هذا المتحف؛ غيّرت مسار أحداث ومصير أشخاص عاشوا في فترات سابقة، وفقاً لفؤاد.
منافع متعددة
وأشارت إلى أن المتحف له أهمية أيضاً من الناحية الاجتماعية، إذ اعتبر المصريون البريد بمثابة فرد في كل أسرة، فهو وسيلتهم لإيصال الرسائل إلى الأقارب والأزواج البعيدين، وكذلك وسيلتهم لقضاء مصالحهم وانتظار بعض الخطابات المهمة المتعلقة بالعمل على سبيل المثال، بجانب ارتباطه بالمدخرات المالية، إذ كان مصدر أمان للكثير من المصريين الذين كانوا يفضلون وضع أموالهم في دفاتر توفير البريد.
من جانبه، أكد رئيس قطاع الجودة بمتحف البريد المصري حاتم الصولي، أنه وعلى الرغم من أن ميلاد البريد المصري قد دُوّن تاريخياً في عام 1865، تاريخ تأسيس الهيئة القومية للبريد، إلا أن هذا المتحف بما يحتويه من وثائق تاريخية ووسائل نقلٍ بريدية؛ يثبت أن المصريين عرفوا وسائل البريد المختلفة منذ عصر الفراعنة، إذ يضم المتحف برديات ووثائق ومقتنيات تؤكد معرفة المصريين بأنظمة المراسلات وتبادل الخطابات منذ القدم.
ويضم المتحف بحسب الصولي، مقتنيات مهمة وفريدة، مثل أول طابع بريد يتم إصداره في مصر، بجانب لوحة ضخمة تضم ما يزيد على 14 ألف طابع، وتعكس في النهاية صورة أبو الهول والأهرامات، وهي محل جذب الكثير من الزائرين، فضلاً عن أول خطاب يوثق دخول مصر عصر البريد الجوي عام 1918 وهو خطاب من لندن إلى مدينة الإسكندرية شمال مصر.
كما يضم المتحف مكاتب مديري البريد في القرن التاسع عشر، والماكينات والأدوات، ومجموعة نادرة من الطوابع والموازين والأختام التي كانت مستخدمة على مدار العقود الماضية، والتي شهدت مراحل من التطور.
رقمنة مقتنيات المتحف
من جهتها، أشارت رئيس قطاع نظم الرقمنة بالبريد المصري، عبير الحلو، إلى أن التطوير في المتحف لم يقتصر على زيادة عدد القاعات فحسب، وعرض المقتنيات الفريدة، بل شمل أيضاً تطويراً شاملاً للمزج بين الأصالة والمعاصرة، واستخدام التكنولوجيا الرقمية في التيسير على الزائرين لمعرفة تاريخ البريد المصري ومراحل تطوره.
وقالت الحلو التي كانت مشرفة على تطوير المتحف من الناحية التقنية، لـ"الشرق" إنه تمت رقمنة كل مقتنيات المتحف، كما تم تدشين نظام للتنقيب المعرفي باستخدام الذكاء الاصطناعي، الذي يمكنه الربط بين كافة المقتنيات الموجودة في المتحف، وقد يُمكّن الباحثين وغيرهم من الزائرين من تفسير العلاقة بين كل المقتنيات ومراحل التطور من الناحية التاريخية.
وأضافت رئيس قطاع نظم الرقمنة بالبريد المصري، أنه تم عمل نظام "QR" كود لمعظم المعروضات المهمة بلغات مختلفة، من أجل تسهيل البحث على الزائرين لمعرفة قصة هذا المعروض.
وبحسب مسؤولي هيئة البريد المصري، فإن المتحف سيكون مفتوحاً بالمجان لكافة الزائرين خلال هذا الشهر بعد إعادة تطويره، مع توفير عدد من المرشدين والباحثين لشرح مقتنيات المتحف للزائرين، على أن يتم بعد ذلك فرض قيمة مالية بسيطة سواء للزائر المصري أو الأجنبي.