تحارب عازفة التشيلو أوليفيا جاي بطريقة مختلفة للحفاظ على البيئة، إذ تحيي حفلات موسيقية في عدد من غابات فرنسا للتوعية بالخطر الذي يشكّله التغيّر المناخي على الأشجار، خصوصاً أشجار التنوب التي يشكّل خشبها عنصراً أساسياً في تصنيع هذه الآلة الوترية.
وخشب التنوب يعتبر أساسياً في صناعة لوحة موجه الصوت في الأدوات الوترية، وهذا الخشب يتيح للآلة أن تصدر اهتزازات وتقاوم ضغط المسند الذي يحمل الأوتار.
وتتوالى حفلات جاي اعتباراً من 6 مايو المقبل في غابات بمختلف أنحاء فرنسا، في الشمال والجنوب، وفي المنطقة الباريسية، أما الأبرز فتلك التي تقام في غابة تيست دو بوش في مقاطعة جيروند (جنوب غرب) التي اجتاحتها الحرائق الصيف الماضي.
وقالت جاي، التي تعلّمت الموسيقى في كونسرفاتوار باريس وفي ألمانيا: "في 12 يوليو، سأعزف في هذه الغابة، بعد عام بالضبط على الحريق، لكي أجعل الناس يعودون إلى الموقع".
وأضافت: "لقد نشأت في الطبيعة (...) وما دفعني للالتزام من أجل الغابات هو الجفاف وهذه الحرائق الضخمة، وهي نتيجة مذهلة للاحترار المناخي"، إذ تأمل العازفة من استقطاب الجمهور إلى الغابة "نشوء رابط" مباشر مع الموقع المنكوب.
وبعدما أصبحت سفيرة صندوق "أجير بور لا فوريه"، الذي يتولى جمع التبرعات للهيئة الوطنية للغابات، وقعت جاي اتفاق شراكة في العام 2022 تتبرع بموجبه بجزء من أرباح حفلاتها الموسيقية وبيع اسطواناتها للحفاظ على غابات متضررة.
وساهمت دورة تبرعات أولى العام الماضي في تمويل إعادة تشجير غابة إشاركون في منطقة باريس، بعدما قضى مرض حبر الكستناء على أكثر من نصفها.
"صحوة ضمير"
وستتولى جاي في حفلاتها العزف تحت الأشجار برفقة عازفَي البيانو سيليا أونيتو بن سعيد وأوريليان بونتي مقطوعات متعلقة بالطبيعة على غرار "لو سيلانس دو لا فوريه" لدفوراك أو "دان لا فوريه" لديفيد بوبر.
وتأمل جاي في أن تقدم "رسالة من خلال فرنسا بفضل هذا المزيج بين موسيقى الطبيعة والموسيقى المعزوفة".
وتأسف عازفة التشيلو، التي تعيش على تخوم غابة فونتينبلو بالقرب من باريس، لما وصفته بأنه "موت صامت ناجم عن أمراض تصيب الأشجار التي أضعفها الجفاف".
وتابعت: "بصفتي عازفة موسيقى كلاسيكية شغوفة بالغابات، تساءلت باستمرار عن الطريقة التي يمكنني بها أن أكون مفيدة في الحفاظ على الطبيعة من خلال استخدام آلتي كوسيلة لنقل المشاعر".
ومن شغفها بالغابة، استلهمت أوليفيا ألبوماتها الأولى، لا سيما الثالث الذي حمل عنوان "ويسبر مي إيه تري" الذي صدر في سبتمبر الماضي.
لكنّ المبادرة لا تنطلق فقط من ارتباط صناعة الآلات الوترية بهذه الأخشاب، إذ أن أوليفيا جاي التي تعزف على آلة تشيلو تعود إلى العام 1733 أعارتها إياها جمعية "بيرز إنترناشونال فايولين سوسايتي" اللندنية، تأمل في أن تؤدي هذه التجربة الانغماسية إلى صحوة ضمير.
ويؤدي التغير المناخي مثلاً إلى انتشار حشرة صغيرة هي خنفساء اللحاء، تقضي على أشجار التنوب عن طريق التسلل تحت قشرتها، ومنذ العام 2018 ، تسارعت أزمة خنفساء اللحاء، لا سيما في الشمال الشرقي، ما أدى أيضاً إلى تسارع اضمحلال الغابات.