لبنان.. كوميديا ساخرة في مواجهة الأزمات وفشل السياسة

time reading iconدقائق القراءة - 6
الكوميديون الارتجاليون في صورة جماعية بالعاصمة اللبنانية بيروت. - AFP
الكوميديون الارتجاليون في صورة جماعية بالعاصمة اللبنانية بيروت. - AFP
بيروت-أ ف ب

بعد سنة مأساوية في لبنان الغارق في أزمة مالية غير مسبوقة، يحاول شباب لبنانيون تقديم علاج جماعي بالضحك من خلال عروض كوميدية يتحدون فيها المحظورات، مستخدمين السخرية سلاحاً في وجه الوضع المتردي في البلاد.

في قاعة للعروض الفنية في العاصمة بيروت، داخل أحد الأحياء الأكثر تضرراً جراء انفجار المرفأ في 4  أغسطس، تتعالى ضحكات الحاضرين الذين أتوا للترويح عن أنفسهم وتناسي الضغوط المستمرة التي يعيشونها في ظل الانهيار الاقتصادي والمواجهة الصعبة مع جائحة كورونا.

يتناوب 12 كوميديّاً شاباً على خشبة المسرح لتقديم عروض من نوع "ستاند أب كوميدي"، في حدث من تنظيم نادٍ للكوميديا يحمل اسم "أوك وورد" أسهم في الترويج لهذا النوع من الحفلات الترفيهية في لبنان خلال السنوات الـ3 الأخيرة.

المغازلة في زمن كورونا

بكلمات محوّرة لأغنية شعبية لبنانية حققت نجاحاً كبيراً في ثمانينيات القرن الماضي، يصوّر شابان بنبرة ساخرة على نغمات الغيتار، طريقة المغازلة في زمن الجائحة التي باتت خلالها دعوة الشاب لفتاة إلى الرقص، تستدعي أولاً تعقيم اليدين ووضع كمامة للوقاية من الفيروس.

ويحقق هذا النوع من العروض، بنصوصه اللاذعة والمقاربة الكوميدية المباشرة لمواضيع حساسة وإشكالية أحياناً، انتشاراً متزايداً في لبنان، وفق ما أوردته وكالة "فرانس برس".

ويُسلط الفنانون اللبنانيون، بأسلوبهم النقدي الساخر، الضوء على تناقضات المجتمع، كما يصوّبون على انتهاكات الطبقة السياسية التي لم تتبدّل منذ عقود ويتهمها كثيرون في لبنان والعالم بـ"الفساد والفشل في إدارة شؤون البلاد".

"متنفس" 

ويؤكد نور حجار، أحد أبرز الكوميديين في هذا الحفل، أنه على الرغم من كون هذه العروض "متنفساً" للجمهور، فإنها "تذكّر بالمواضيع التي تلحق الأذى بنا"، وفق "فرانس برس".

وينقل حجار (28 عاماً)، لجمهور العرض قصة ساخرة قال إنها لـ "حوار دار مع تاجر مخدرات تبلّغ خلاله من هذا الأخير رغبته في الهجرة إلى كندا"، ويقول ضاحكاً إن "الوضع سيئ لدرجة أن بائع المخدرات لم يعد يستطيع تصريف بضاعته".

وكان العام المنصرم كارثياً على لبنان، إذ بدأ مع خيبة أمل لدى فئة واسعة من الشعب إزاء عدم تحقيق تغيير يُذكر بعد موجة الاحتجاجات العارمة في البلاد منذ أكتوبر 2019. 

وتوالت بعدها الأزمات مع الانهيار التاريخي في سعر صرف الليرة اللبنانية، فضلاً عن الارتفاع الكبير في نسب الفقر والبطالة إثر عمليات صرف واسعة، والقيود المشددة على السحوبات المصرفية، وصولاً إلى الانفجار الهائل في المرفأ وتبعاته المأساوية.

ومن بين هؤلاء الكوميديين الشباب أيضاً، يستقي ماريو مبارك من تجربته كموظف مستقيل من أحد المصارف، لإثراء عروضه بنكات ودعابات عن القطاع المصرفي الذي يواجه اتهامات شتى بـ "التفريط بأموال المودعين".

وأوضح أن الجمهور "يريد أن يضحك. ثمة حاجة في النهاية إلى متنفس في مكان ما. صحيح أننا عانينا من أوجاع ومآس وسنواجه المزيد منها".

"حبوب مهدئة للأعصاب" 

وتشبّه الكوميدية الشابة شادن، التي تحقق انتشاراً كبيراً عبر شبكات التواصل الاجتماعي، هذه العروض بأنها "أقراص مهدئة للأعصاب"، مشددة على ضرورة الالتزام في القضايا السياسية والخوض في بعض النقاشات الشائكة.

ولا تتوانى شادن عن الاستهزاء بعجز السياسيين اللبنانيين عن تقديم أي حلول لأزمات البلاد، بأسلوب مباشر لا يخلو من الألفاظ الجريئة، وتابعت: "خلال انتفاضة 17 أكتوبر، كانت ثمة حاجة بأن نكسر الصورة الإلهية للمنظومة الحاكمة".

وتصوّب شادن، الناشطة في سبيل حقوق النساء والمثليين، سهام النقد إلى المفاهيم الذكورية السائدة في المجتمع، مشيرة إلى أن "المجتمع وضع حواجز كثيرة على حساب المرأة ويجب علينا تحطيمها".

ويقرّ الكوميديون بأنه من المبكر التطرق في عروضهم إلى موضوع انفجار مرفأ بيروت الذي أوقع أكثر من 200 قتيل وآلاف الجرحى وأدى لتدمير أنحاء واسعة من العاصمة، مع ذلك، يلمّح البعض إلى المعاناة النفسية التي أججها هذا الحدث الكبير لدى اللبنانيين، بأسلوب لا يخلو من الفكاهة.

ومن جهتها، قالت جويل جبور، وهي مهندسة داخلية كانت من بين الحاضرين في الحفلة، إن هذه العروض تمثل "مجالاً للتنفيس، إذ إن الكوميديين يقولون الأمور التي لا تقال في العادة".

وأضافت: "هذا مضحك ويطيب سماعه. لكنه صعب في الوقت عينه، لأنه يعرض حقائق مرّة عن لبنان، الضحك على الأمور المحزنة يخفف وقعها بعض الشيء".