تحافظ تكية سيدنا إبراهيم منذ نحو ألف عام على تقديم وجبات الطعام الساخنة الطازجة لآلاف الفقراء في البلدة القديمة بمدينة الخليل، كبرى مدن الضفة الغربية المحتلة، لتُمثّل ملاذاً للجائعين، وهي تقدم الطعام للمحتاجين على مدار العام، فيما يتضاعف عملها طوال شهر رمضان لتصل خدماتها إلى عدد أكبر من الأسر المعوزة.
وقال مدير تكية سيدنا إبراهيم، حازم مجاهد، إن "الخدمات التي تقدم باستمرار على مدار العام، وتزداد في رمضان، كان لها البُعد الكبير في تحقيق معاني التكافل الإنساني، والترقي في العلاقات الإنسانية، بحيث أن الغني يأتي إلى هنا بدفع من الله -سبحانه وتعالى- فيجود بأموال مستمرة، ولا ينقطع في يوم، أو في يومين، أو في شهر، أو في سنة".
وأشار مجاهد إلى أن عدد الوجبات اليومية التي تقدم إلى الناس يتراوح بين 4 آلاف و5 آلاف خلال رمضان، وذلك ارتفاعاً من 2000 إلى 2500 وجبة قبل حلول هذا الشهر، موضحاً أن "هذه النفقات الهائلة في رمضان وحده تصل تقريباً إلى 2 مليون شيكل (نحو 55 ألف دولار أميركي)".
"مدينة لا يجوع أهلها"
واشتهرت الخليل على مر السنين بالمدينة التي لا يجوع أهلها بفضل التكية الإبراهيمية، حيث يصل عدد العائلات المستفيدة من وجبات الطعام الساخنة طوال شهر الصيام إلى الآلاف، إضافة إلى شهرتها بطهي حساء سيدنا إبراهيم "الدشيشة"، أو كما تعرف بـ"الجريشة" والمكونة من القمح المجروش واللحم الطازج.
وأكد رئيس إشراف ودعم تكية سيدنا إبراهيم وسام الكردي، أن "شهر رمضان المبارك من أوله لآخره هو كله أيام طهي في تكية سيدنا إبراهيم للوافدين إليها، عندما نرى الوافدين المحتاجين يُقبلون عليها تثلج صدورنا، ولكن أيضاً أنا أقول: أسعد الناس من يسعد الناس عندما يقدم المتبرع لتكية سيدنا إبراهيم، أو في أي مكان وأي زمان لعمل الخير".
وعلّق أحد المتبرعين في شهر رمضان لتكية سيدنا إبراهيم محسن زلوم، على خدمات التكية المتواصلة قائلاً: "لمسنا مؤخراً أن ثمة كثير من الناس تتدافع للتبرع لتكية سيدنا إبراهيم، وهذا إنما لسبب أنه يوجد نوع من النظام في إدارة التكية".
وأضاف زلوم: "توجد شفافية في التعامل مع المواد المطلوبة لطبخها، بالإضافة إلى أن عملية التوزيع واجتهاد العاملين جلية في عمل التكية، هو ما يؤكد أن ما يجري فيها ممتاز وخيارات الطعام متنوعة ومتاحة".
وتتمتع التكية الإبراهيمية، التي تشرف عليها مديرية الأوقاف الإسلامية في مدينة الخليل، بمكانة دينية واجتماعية لدى السكان، حيث أقيمت منذ قرون عدة إحياء لسنة النبي إبراهيم في إطعام الفقراء والمساكين.
وقال أحد المستفيدين من التكية خضر شبانة: "جميعنا نلجأ إليها وهذا أمر عادي، ولا حرج في هذا، كل إنسان محتاج وأي أحد وضعه صعب حتى الموظفين والعمال".
وأضاف شبانة أن "ثمة 50 إلى 60 ألف عاطل عن العمل من أين لهم أن يتدبروا أمورهم والطعام؟ لا يوجد مال، فتراهم يفدون إلى تكية سيدنا إبراهيم، لا حرج في ذلك، ليس عيباً".
زحام من المحتاجين
ويسهم أصحاب الصدقات من أهالي الخليل، وأهل الخير داخل الأراضي الفلسطينية، وخارجها بتقديم التبرعات التي تضمن تلبية احتياجات العائلات المستفيدة التي تسكن بجوار قبر النبي إبراهيم.
ويقول العاملون والمتطوعون في جمعية خيرية بمدينة الخليل بالضفة الغربية، وهم يُقلّبون الحساء في أوعية كبيرة داخل مطبخ واسع، إنهم تلقوا أعداداً هائلة من طلبات الحصول على وجبات الإفطار في أول أسبوعين من رمضان.
وبدأ شهر رمضان هذا العام في خضم حرب إسرائيل "المدمرة" على قطاع غزة، ووسط إغلاق مناطق من الضفة الغربية على نحو صارم، وتصاعد التوترات السياسية، ما ترك آلاف الفلسطينيين الذين كانوا يعملون في إسرائيل من قبل عاطلين عن العمل.
ونتيجة هذا المناخ الاقتصادي، أصبحت العديد من الأسر تجد صعوبات شديدة في تغطية نفقاتها، ما ألقى بظلال قاتمة على الشهر من بدايته.
ويقع مطبخ "تكية سيدنا إبراهيم" الخيري بجوار المسجد الإبراهيمي، وبات معلماً معروفاً لدى سكان المدينة. وقال عاملون ومتطوعون في المطبخ إنهم لم يروا قط تدفق هذا العدد الكبير من الناس لتناول وجبة الإفطار.
وأشارت المتطوعة فايزة المحتسب إلى ضغط كبير من طالبي الوجبات، قائلة: "نتيجة الأوضاع التي نعيشها، والعمال الذين فقدوا أعمالهم وأرزاقهم، نسأل الله أن يكون بعون الجميع".
شريان حياة
ويقول السكان إن نحو ألف شخص كانوا يأتون عادة يومياً، لكن هذا العدد ارتفع بشكل كبير هذا العام إلى 5 آلاف شخص يومياً خلال رمضان.
وقال الطاهي عطايا جباري: "قبل الحرب لم تكن الأعداد كذلك، لكن من بداية الحرب والأمور صعبة جداً، انقطاع العمل أمام العمال، وانقطعت رواتب الموظفين، فهذا أمان وملجأ للناس المعوزين، وإحنا إن شاء الله بجهود الخيّرين سنظل نعمل في هذا المكان بإذن الله".
وأصبحت التكية شريان حياة لكثيرين، إذ يصطف آلاف السكان المحليين، ومن بينهم رجال ونساء وأطفال، كل يوم ويتدافعون للحصول على الطعام.
وتصاعدت أعمال العنف في أرجاء الضفة الغربية بالتوازي مع الحرب الإسرائيلية على غزة، وسقط 400 فلسطيني على الأقل على يد الجنود والمستوطنين الإسرائيليين.
فيما تداهم إسرائيل بشكل دوري المناطق الفلسطينية في جميع أنحاء الأراضي التي احتلتها عام 1967.