كان جبل جارجالانت في منغوليا لفترة طويلة منطقة حصرية لنمور الثلج، لكن مع مجيء المربّين بحثاً عن مراعٍ لقطعانهم، بات التعايش مع الحيوانات البرية أمراً حساساً.
ويقول داريبازار نيرجي الذي خسر 10 من حيواناته بعدما قتلها نمر أكسبه فراؤه واختباؤه لقب "شبح الجبال"، "هناك حالياً 8 عائلات من مربي المواشي يعيشون في هذا الجبل".
وشهدت نمور الثلوج التي يصنّفها الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة ضمن الأنواع المعرضة لخطر الانقراض، انخفاضاً في أعدادها في منغوليا لتصل إلى أقل من ألف نمر.
وكانت الحيوانات البرية والماشية تتعايش منذ فترة طويلة في سهول منغوليا الشاسعة.
ولكن مع سعي الرعاة إلى رفع أعداد قطعانهم وتحسين دخلهم، باتوا يستقرون بشكل متزايد على الأراضي التي لم تكن سوى موطن للحيوانات البرية التي تتعرض للتهديد جراء الأمراض والمجاعة.
ومن الأنواع الأخرى التي تأثرت بهذه الظاهرة الغزال المنغولي، المسمّى أيضاً بالغزال ذي الذيل الأبيض.
ويمكن لهذه الغزلان التي تشكل رمزاً لطبيعة منغوليا، اجتياز آلاف الكيلومترات سنوياً، من شرق وجنوب منغوليا إلى شمال الصين، في إطار الهجرة.
وانخفضت أعدادها في السنوات الأخيرة، من عشرات الملايين إلى أقل من 3 ملايين، بحسب وزارة البيئة. ويعود السبب في هذا التراجع إلى تغيّر المناخ والتصحّر، بحسب الخبراء.
طلب على الكشمير
وفي الوقت نفسه، تشير أرقام الحكومة إلى ازدياد في أعداد الماشية 3 مرات خلال العقود الأخيرة، وباتت 60 مليوناً حالياً بعدما كانت 20 مليوناً في عام 1990.
ويقول المسؤول في الصندوق العالمي للطبيعة باتبولد دورجوركيم: "عندما تزداد أعداد الماشية، ينبغي العثور على مراعٍ جديدة تستخدمها الحيوانات البرية".
ويضيف: "في الماضي، كان في منغوليا 5 رؤوس من الماشية لكل كيلومتر مربع، أما اليوم فارتفع هذا المعدل إلى 15".
وكانت هذه الزيادة في الثروة الحيوانية مدفوعة بأهم طلب في العالم على صوف الكشمير، وتحديداً من الصين.
وفي منغوليا، إحدى الدول التي تُسجّل أقل معدل من السكان في العالم والتي يُمثّل ثلث سكانها من البدو الرحَّل، سمحت الأعداد المتزايدة من الماشية لعدد كبير من الرعاة الخروج من الفقر المدقع، لكن ظروفهم المعيشية لا تزال صعبة.
ويقول مربي الحيوانات دارخانباتار باتسوخ من مدينة إردنسانت التي تبعد 200 كيلومتر عن العاصمة أولان باتور: "إذا كان لديك عدد قليل من الحيوانات، أي نحو 200 إلى 300 حيوان، فلن تتمكن من تحسين ظروف حياتك أو شراء سيارة أو الادخار من أجل مستقبل أطفالك".
ويواجه الرعاة أيضاً ظروفاً مناخية قاسية أحياناً، أبرزها موجة برد تتميز بها منغوليا تؤدي إلى تجميد التربة، وتمنع الرعي ويُطلق عليها محلياً مصطلح "دزود".
ويؤدي تغير المناخ إلى زيادة تواتر هذه الموجة وحدّتها، بحسب الأمم المتحدة.
ويؤكد جاندولجوون سانجا، وهو قائد مجموعة مكونة من 200 أسرة في مقاطعة سخباتار (شرق) أن "مربي المواشي يتعرضون لضغوط مالية هائلة"، مضيفاً: "دائما ما يفتقرون إلى المال".
"انتقاء طبيعي"
ومع تزايد تشارك المواشي والحيوانات البرية الأراضي نفسها، بات القتال حتمياً بين الماشية التي تقتلها الحيوانات المفترسة والأمراض المنتشرة.
وظباء سايجا أبرز مثال على ذلك، فقد شهد هذا النوع الذي تعود أصوله إلى غرب منغوليا انخفاضاً في أعداده من 15 ألفاً إلى 3 آلاف بعد انتشار مرض يسمى طاعون المجترات الصغيرة في 2016-2017.
وعلى الرغم من أن أعدادها عاودت الارتفاع مذاك، إلا أنه لا يزال يعتبر "شبه مهدد".
ويقول أوتشيرخو نيامسورين، وهو نائب رئيس كلية الطب البيطري في الجامعة المنغولية لعلوم الحياة: "لا يمكننا الإمساك بالحيوانات البرية لتطعيمها".
ويضيف: "إن الانتقاء الطبيعي ومناعة القطيع هما مصيرهما الوحيد".
أما نمر الثلج، فنجح في جعل الانخفاض في أعداده ثابتاً، إذ أحصت دراسة أجريت عام 2021، 953 نمراً في منغوليا.
لكن ما لا يقل عن 220 حيواناً قتلتها الفهود في العام الماضي، بحسب مونخدافا خاساج، نائب حاكم منطقة مانخان.
ويقول: "يشكو الرعاة دائماً من نمور الثلج وخسارة حيواناتهم. لكننا نقول لهم إن عليهم مغادرة الجبل، لأنه يشكل متنزهاً طبيعياً مخصصاً لنمور الثلج، ولا يسمح لهم برعي مواشيهم فيه".
ويشير خبراء كثيرون إلى أن الحكومة عليها تحسين ظروف المربّين. ويقول باتبولد: "ينبغي إنشاء نظام صحي في منغوليا، مع إضفاء قيمة أكبر على المواد الخام والمنتجات الحيوانية".
ويضيف: "على المربّين إيجاد طرق لزيادة مردودهم غير رفع أعداد مواشيهم".