آثار غزة في سويسرا.. الحصار حماها من الحرب

time reading iconدقائق القراءة - 6
قصر الباشا التاريخي في غزة قبل تدميره بالكامل. (نوفمبر) 2021 - alray.ps
قصر الباشا التاريخي في غزة قبل تدميره بالكامل. (نوفمبر) 2021 - alray.ps
القدس المحتلة -الشرق

لم تترك الحرب الإسرائيلية شيئاً بعيداً عن مرماها في غزة؛ إذ دمّرت قصر نابوليون، وموقع الأنثيدون الأثري اليوناني، وأحرقت المتحف الخاص الوحيد في القطاع المحاصر.

ومن بين مشاهد الدخان والدمار وجدت بعض هذه الكنوز القديمة ملاذاً آمناً داخل مستودع في سويسرا. وللمفارقة يعود الفضل في ذلك، إلى الحصار الذي يضيّق الخناق على سكان القطاع منذ 16 عاماً.

وقالت أمينة متحف الفن والتاريخ في جنيف بياتريس بلاندان: "كانت هناك 106 صناديق جاهزة لنقلها، لكن الحصار على غزة حال دون ذلك". وأكدت "أن القطع في حالة جيدة، رممنا بعض القطع البرونزية التي كانت متآكلة قليلاً، وأعدنا تغليف كل شيء".

تابعت: "كان علينا التأكد من أنّ موكب (نقل القطع) لن يُعَرقَل. كنا ننتظر الضوء الأخضر". ولكن مع استحالة استعادة القطع في الوقت الحالي، لفتت بلاندان إلى أن "المناقشات جارية" لإقامة معرض جديد عن آثار غزة في سويسرا.

عام 2006، نُقلت نحو 260 قطعة من غزة إلى جنيف، وبات عدد منها لاحقاً جزءاً من معرض أقيم في معهد العالم العربي في باريس.

وفي يونيو 2007 طرأت تحوّلات سياسية على القطاع، وفرضت إسرائيل حصارها على القطاع. ونتيجة لذلك، باتت عودة القطع الأثرية إلى غزة مسألة صعبة، وبقيت عالقة في جنيف، في حين توقف الحديث عن مشروع المتحف الأثري.

وقال جامع الآثار المعروف جودت الخضري: "إن أهم مجموعة من القطع الأثرية عن تاريخ غزة موجودة في جنيف. وفي حال نُظّم معرض جديد، سيشكّل فرصة لتعريف العالم برمّته على تاريخنا". 

40 عالم آثار

بالاستناد إلى صور أقمار اصطناعية، أكدت منظمة اليونسكو، أن الحرب دمّرت نحو 41 موقعاً تاريخياً منذ السابع من أكتوبر.

ميدانياً، يتابع عالم الآثار الفلسطيني فضل العطل، الدمار الذي يلحق بهذه المواقع. وعندما تكون شبكة الإنترنت والكهرباء متوافرتين، تصله صور من خلال  مجموعة على "واتساب"، أنشأها مع أربعين عالم آثار، يستعين بخدماتهم لمراقبة الشبكة الواسعة من المواقع، والمعالم الأثرية في المنطقة.

منذ سنوات مراهقته، وخلال تسعينيات القرن العشرين، بدأت بعثات أثرية أوروبية الاستعانة به، قبل أن يسافر كي يتابع دراسته  في سويسرا، وفي متحف اللوفر في باريس.

يقول العطل لوكالة "فرانس برس" عبر الهاتف من غزة: "استُهدفت الآثار كلها في الشمال خلال الحرب التي أودت بحياة نحو 34 ألف فلسطيني، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفضلاً عن الخسائر البشرية، خلّفت الحرب أضراراً فادحة بالمواقع الأثرية والتاريخية في غزة.

أضاف: "استهدفت إسرائيل بلخيا (مدينة أنثيدون اليونانية القديمة)، ما أحدث دماراً كبيراً، ولم نكن قد بدأنا التنقيب في جزء من هذا المعلم".

وأشار إلى أن "قصر الباشا الذي يعود تاريخه إلى القرن الثالث عشر، دُمّر بالكامل. وقُصف الموقع، ثم سحقته الجرافات الإسرائيلية. لقد كان القصر يحوي مئات القطع الأثرية والنواويس المذهلة".

وقال جان باتيست أومبير، من المدرسة الفرنسية للكتاب المقدس والآثار في القدس المحتلة (إيباف): "كانت أفضل اكتشافاتنا معروضة في قصر الباشا، لكن مصيرها أصبح مجهولاً، وسأل: "هل أخرج أحدهم القطع الأثرية من المبنى قبل تدميره؟"

ازداد القلق إثر نشر مدير هيئة الآثار الإسرائيلية إيلي إسكوسيدو، مقطع فيديو لجنود محاطين بمزهريات وفخاريات قديمة داخل مستودع "إيباف" في غزة.

وكان القسم الأكبر من الآثار التي عُثر عليها خلال أعمال التنقيب في غزة، يُحفظ إما في متحف الباشا، أو في المستودع. ويتّهم الفلسطينيون الجيش الإسرائيلي بنهب هذه الآثار، لكن رينيه إلتر عالم الآثار في "إيباف"، يقول إنه لم ير أي دليل على "عملية النهب".

وقال: "تمكّن زملائي من العودة إلى الموقع، لكن الجنود كانوا قد فتحوا الصناديق، ولا نعرف ما إذا أخذوا أي قطع منها".

غزة.. مكانة تاريخية

كانت غزة لقرون عدة نقطة تلاقٍ بين الحضارات، وجسراً يصل أفريقيا وآسيا، ومركزاً لتجارة البخور، ما أثار شهية المصريين والفرس واليونانيين والرومان والعثمانيين.

وشهدت غزة، مع عقاراتها المطلة على البحر، طفرة عقارية في تسعينيات القرن الماضي، وذلك بعد اتفاقية أوسلو وإنشاء السلطة الفلسطينية. وعثر عمّال البناء في القطاع خلال تشييد المباني، على كمية كبيرة من القطع الأثرية. وجمع الخضري مجموعة منها يتيح لعلماء الآثار الأجانب معاينتها.

وانتاب أمين متحف الفن والتاريخ في جنيف مارك أندريه هالديمان الذهول، عندما دُعي لمعاينة حديقة قصر الخضري في العام 2004. وقال: "وجدنا أنفسنا أمام أربعة آلاف قطعة، بينها ممرّ من الأعمدة البيزنطية".

وسرعان ما تبلورت فكرة تنظيم معرض كبير عن ماضي غزة في متحف الفن والتاريخ في جنيف، ثم بناء متحف في غزة، حتى يتمكّن الفلسطينيون من إدارة تراثهم بأنفسهم.

إلا أن الخضري لم يفقد الأمل. وبنى على ساحل البحر الأبيض المتوسط شمال مدينة غزة موقعاً اتخذ شكل فندق، ومتحفاً سمّاه: "المتحف".

معرض جديد

وقال الخضري، الذي فرّ من غزة متوجهاً إلى مصر، إن "المتحف بقي تحت السيطرة الإسرائيلية لأشهر عدة". وتوغلت إسرائيل برياً في قطاع غزة في السابع والعشرين من أكتوبر ضمن حربها المستمرة ضد القطاع المحاصر.

أضاف: "بمجرد مغادرة الجنود الإسرائيليين، طلبت من بعض الأشخاص زيارة الموقع لمعرفة الحالة التي أصبح عليها. وقد صُدمت، إذ فُقد عدد من القطع واحترقت القاعة".

ودُمّر القصر التابع للمتحف خلال استهداف حي الشيخ رضوان في غزة. وأكد الخضري: "أن الإسرائيليين سيّروا جرافاتهم على أراضي الحديقة، ولا أعرف ما إذا كانت القطع قد دُفنت (بسبب الجرافات) أو أن الأعمدة الرخامية تحطّمت".

وفيما ضاع جزء من مجموعة الخضري، لا تزال القطع الموجودة في سويسرا سليمة، وأُنقذت بسبب الحصار الذي أخّر عودتها.

تصنيفات

قصص قد تهمك