وقائع ما قبل "ساعة الصفر".. كيف نفذت "حماس" هجوم 7 أكتوبر؟

الأوامر الشفهية ساعدت "حماس" في خداع إسرائيل.. وانتقلت تدريجياً عبر تراتبية الحركة

time reading iconدقائق القراءة - 11
مقاتلو حركة "حماس" يسيطرون على دبابة إسرائيلية عقب العبور الجدار الفاصل بين قطاع غزة وإسرائيل. 7 أكتوبر 2023 - AFP
مقاتلو حركة "حماس" يسيطرون على دبابة إسرائيلية عقب العبور الجدار الفاصل بين قطاع غزة وإسرائيل. 7 أكتوبر 2023 - AFP
دبي-الشرق

عند الساعة الرابعة من فجر 7 أكتوبر الماضي، صدرت الأوامر الأولى من قادة حركة "حماس" في قطاع غزة، بأن "أي شخص كان حاضراً في الدورات التدريبية، ولم ينو الذهاب إلى صلاة الفجر في المسجد الذي اعتاد الذهاب إليه.. يجب أن يذهب للصلاة"، هكذا كانت أولى رسائل انطلاق "ساعة الصفر" لعملية "طوفان الأقصى"، حسب ما ذكرت صحيفة "جارديان" البريطانية.

وبعد ساعة، مع بزوغ الفجر في غزة، بدأت مجموعات من مقاتلي "حماس" بالتفرق، وصدرت تعليمات "جديدة واضحة"، ولكن هذه المرة نُقلت شفهياً: "أحضروا أسلحتكم وأي ذخائر لديكم، وتجمعوا في الأماكن المحددة".

وحتى هذه اللحظة كانت عملية "طوفان الأقصى"، والتي تعتبر الأكثر طموحاً لـ"حماس" منذ السيطرة على القطاع في 2007، "لا تزال سراً.. ولم يُخبر أحد بما كان على وشك أن يحدث"، وفقاً لـ"جارديان".

وأضافت الصحيفة أن مقاتلي "حماس" تم تزويدهم بذخائر إضافية وأكثر قوة عقب تلقي الرسالة، وسرعان ما تمكنوا من حمل القنابل اليدوية والصاروخية، والرشاشات الثقيلة، وبنادق القنص، والمتفجرات.

كما أشارت إلى أن العديد من مقاتلي "حماس" تعاملوا مع أسلحة مماثلة خلال الأشهر الماضية، وكانوا يعيدونها إلى مخازن الحركة بعد كل تدريب.

وفي السادسة صباحاً، صدرت الأوامر النهائية، ولكنها كانت مكتوبة في هذه المرة، بحسب "جارديان"، ونصت على أن "يتحرك الرجال بسرعة عبر الفتحات التي ستُحْدَث في السياج المحيط بغزة، عن طريق التفجير أو التحطيم، ثم الهجوم على الإسرائيليين في الجانب الآخر".

وذكرت "جارديان" أنها حصلت على روايات بشأن هذا الهجوم، من مصادر عدة، بينها مسؤولون في الاستخبارات الإسرائيلية، وأشخاص اطلعوا على محاضر استجواب مقاتلي "حماس" الذين تم أسرهم، والبيانات الصادرة عن "حماس" والجيش الإسرائيلي، إضافة إلى خُبراء.

وشنت "حماس" هجوماً مباغتاً على مدن وبلدات إسرائيلية في محيط غزة، أودى بحياة أكثر من 1400 شخص، ووقوع أكثر من 240 إسرائيلياً كرهائن، وفقاً للسلطات الإسرائيلية، فيما ردت تل أبيب بغارات جوية ومدفعية، إضافة إلى توغل بري جزئي، خلف أكثر من 10 آلاف ضحية، بينهم أكثر من 4 آلاف طفل، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية.

تعليمات شفهية

ووفقاً لمصادر "جارديان"، فإن عدداً قليلاً من قادة "حماس" المخضرمين، هم من وضعوا الخطة، مشيرةً إلى أنها ظلت "سراً.. وغير معروفة" لدى مقاتلي الحركة، فيما لم تكن الخطة معروفة أيضاً، لدى الجيش والأجهزة الاستخباراتية التي كثيراً ما تتباهى بها إسرائيل. 

وكان قرار نقل التعليمات شفهياً إلى الآلاف من مقاتلي "حماس" المنتشرين في غزة التي يقطنها 2.3 مليون نسمة، هو الأحدث في سلسلة من التدابير التي تهدف إلى خداع أحد أقوى أنظمة المراقبة في العالم، وإخفاء أي كلمة عما قد يحدث عن شبكة من الجواسيس، بحسب الصحيفة.
 
وقالت الصحيفة البريطانية إن التعليمات انتشرت في جميع أنحاء غزة بشكل تدريجي، إذ نُقلت أولاً إلى قادة "الكتائب" المكونة من 100 مقاتل أو أكثر، ثم إلى زعماء "الفصائل"، المكونة من 20 أو 30 مقاتلاً، ثم إلى قادة الفرق المكونة من 10 مقاتلين.

ومن ثم انتقلت التعليمات إلى الأصدقاء، والجيران، والأقارب الذين انضموا إليهم في التدريبات التي كانت تجرى مرتين أسبوعياً في عشرات المواقع في القطاع، وفقاً لمصادر الصحيفة.

"رواية منطقية"

وقالت "جارديان" إنه على الرغم من صعوبة التحقق من العديد من الروايات، إلا أن هناك خبراء مرموقين ومستقلين في شؤون "حماس"، وصفوا الرواية التي تحصلت عليها الصحيفة بأنها "منطقية"، خاصة أنها تسلط الضوء على حجم التخطيط لعملية 7 أكتوبر، وتفسر الإخفاقات العديدة لقوات الأمن الإسرائيلية بشكل جزئي.

وذكرت المصادر أن أحد عوامل نجاح الهجوم تتمثل في العدد الهائل للمقاتلين الذين عبروا السياج، والذي وصل إلى 3 آلاف عنصر، من بينهم أعضاء في حركة "الجهاد" الفلسطينية، وهي فصيل مستقل لا يتبع لحركة "حماس"، لم يُبْلَغ مسبقاً بالهجمات، لكنه انضم إليها بمجرد علمه باختراق السياج. 

وأضافت الصحيفة نقلاً عن المصادر أن المدنيين أيضاً تدفقوا من غزة وسط حالة الفوضى العامة، وأن الاستجابة البطيئة لقوات الأمن الإسرائيلية شجعتهم على ذلك.

كما أوضحت "جارديان" أن الأوامر المكتوبة لوحدات "حماس" كانت عبارة عن خطة دقيقة وضعها رجلان تعتقد إسرائيل أنهما المخططان الرئيسيان للهجوم، وهما يحيى السنوار، قائد حركة "حماس" في قطاع غزة، ومحمد الضيف، قائد "كتائب القسام" ووحدة "النخبة" التابعة للحركة. 

وأشارت إلى أنه تم تكليف كل وحدة بهدف مختلف، وشملت الأهداف قواعد عسكرية، أو بلدات ومدن (محيط غزة). مشيرة إلى أن الأوامر كانت على الأغلب، مرفقة بخرائط توضح تفاصيل الدفاعات والمواقع الرئيسية في الأهداف المنشودة.

وأفادت المصادر بأنه تم إعداد هذه الخرائط استناداً إلى معلومات قدمها أشخاص يعملون داخل إسرائيل، لافتةً إلى أن "الحفل الذي راح ضحيته 260 شخصاً، يُعتقد أنه لم يكن ضمن الأهداف الأولى".

وألقت "حماس" باللّوم على "مجرمين" تبعوا مقاتليها في أعمال العنف والفظائع، التي ارتُكبت ضد المدنيين الإسرائيليين، بحسب "جارديان". 

3 مهام

وكُلِّفَت وحدات مختلفة بـ3 مهام، إذ تلقت مجموعة أوامر بمهاجمة القواعد العسكرية الإسرائيلية غير المجهزة، والتي لا يوجد بها عدد كاف من القوات، أو مهاجمة منازل بعينها، وفقاً للصحيفة.

وتلقت وحدات أخرى أوامر بالدفاع عن مواقعها ضد القوات العسكرية الإسرائيلية عندما تأتي، وغالباً ما يتم ذلك بنصب كمائن على الطرق الرئيسية، بحسب المصادر التي أشارت إلى أن "حماس" لم تكن تصنف هذه المهمة بـ"الانتحارية"، لأن سقوط منفذي الهجوم لم يكن جزءاً أساسياً من العملية.

وكُلِّفَت مجموعة ثالثة من الوحدات بأسر أكبر عدد ممكن من الرهائن، ونقلهم إلى الفتحات التي أُحدثت في السياج، حيث كانت هناك فرق تنتظر أخذهم إلى شبكة الأنفاق الضخمة الموجودة أسفل غزة، وفقاً لـ"جارديان".

التخطيط بدأ قبل عامين

ويعتقد مسؤولون أمنيون إسرائيليون أن القيادة السياسية لـ"حماس" وداعميها في إيران لم يُبلغوا بتفاصيل العملية، لكن على الأرجح، كانوا على علم بأن شيئاً ما يُخطط له. وقال مصدر مقرب من "حماس" لوكالة "رويترز" الشهر الماضي: "كانت دائرة ضيقة للغاية".

وقال مسؤولون في "حماس"، إن التخطيط للهجوم بدأ قبل عامين، بعد مداهمة الشرطة الإسرائيلية للمسجد الأقصى في القدس، بحسب "جارديان".

وفي المقابل، قالت مصادر إسرائيلية للصحيفة، إن الإطار الزمني للتخطيط كان أقصر من ذلك، ربما سنة أو 18 شهراً، مشيرة إلى أن "حماس" بذلت جهداً خلال هذه الفترة لترسيخ اعتقاد إسرائيل بأن الحركة حولت تركيزها إلى التنمية الاقتصادية في غزة. 

وقالت "جارديان" إن الأدوار المحددة لمختلف قادة "حماس" في الهجوم لم يتم التعرف عليها بعد، ولكن من الواضح أن يحي السنوار، زعيم الحركة في غزة ومحمد الضيف قائد جناحها العسكري "كتائب القسام" لعبا دوراً رئيسياً في التخطيط له.

وأضافت الصحيفة أن لقب "الضيف" (58 عاماً) يشير إلى التنقل المستمر لقائد كتائب "القسام"، لتجنب رصده من قبل إسرائيل، وهو طالب علوم سابق انضم إلى الحركة منذ أوائل العشرينات من عمره.

ضربة استباقية

وقال أحد قادة "حماس" بعد 5 أيام من الهجوم إنه كان بمثابة ضربة استباقية شنتها الحركة بعد علمها بأن القوات الإسرائيلية كانت تستعد لهجوم كبير على غزة بعد عطلة عيد العرش اليهودي، وفقاً لـ"جارديان".
 
وأوضح العديد من الخبراء والمصادر الأمنية الإسرائيلية للصحيفة أن "حماس" فوجئت بنجاحها، فيما قال مسؤولون إسرائيليون إن بطء استجابة القوات الإسرائيلية مكّن بعض الوحدات من الذهاب إلى إسرائيل مرات عدة من غزة لأخذ المزيد من الرهائن.

وأشارت مصادر من "حماس" وإسرائيل إلى قيام بعض المدنيين الذين عبروا الحدود إلى إسرائيل باحتجاز أسرى، الأمر الذي أدى إلى تعقيد جهود الإنقاذ والمفاوضات الحالية.

ولفتت "جارديان" إلى أن "حماس" زودت منفذي الهجوم بكاميرات "جو برو" لتصوير الهجوم.

ويُظهر مقطع فيديو نشرته "حماس" أشخاصاً مذعورين يتوسلون من أجل إنقاذ حياتهم، وإطلاق النار على كلب أليف. ويرى خبراء في شؤون الإرهاب أن نشر هذه الصور على القنوات الرسمية لـ "حماس"، يشير إلى أن هجوم 7 أكتوبر، على الأقل في جزء منه، كان "دعاية بالأفعال"، بحسب الصحيفة البريطانية. 
 
ولا يوجد دليل على أن "حماس" كانت تأمل السيطرة على الأراضي، أو إثارة تمرد أوسع نطاقاً، على الرغم من أن بعض منفذي الهجوم طُلب منهم القتال حتى النهاية، لكن عدداً كبيراً استسلم وفقاً لـ"جارديان"، التي أشارت إلى أن المسؤولين الإسرائيليين لم يذكروا عدد الأسرى، الذين كانوا مصدراً مفيداً للمعلومات. 
 
وأضافت الصحيفة أن "حماس" أمرت بعض منفذي الهجوم بالانسحاب مع بدء القوات الإسرائيلية في الاحتشاد، وأن العديد من كبار القادة عادوا إلى غزة، ما يعني أنه على الرغم من قتل العديد من مقاتلي "كتائب القسام" ووحدات "النخبة"، لا يزال معظم القادة على قيد الحياة.

تصنيفات

قصص قد تهمك