للإفلات من عقوبات الغرب.. روسيا تنشئ مسارات تجارية جديدة نحو آسيا

time reading iconدقائق القراءة - 8
عمال ينقلون حاوية شحن في ميناء فلاديفوستوك في روسيا. 6 أبريل 2023 - REUTERS
عمال ينقلون حاوية شحن في ميناء فلاديفوستوك في روسيا. 6 أبريل 2023 - REUTERS
دبي-الشرق

شرعت روسيا في بناء مسارين تجاريين جديدين للنقل يربطان آسيا وأوروبا، وذلك سعياً منها لإضعاف العقوبات المفروضة عليها جراء غزوها أوكرانيا، في وقت تُعطل فيه اضطرابات الشرق الأوسط التجارة العالمية، حسب ما ذكرت "بلومبرغ".

ويمكن أن تعزز شبكات الشحن البحري والسكك الحديدية عبر إيران وممر بحري في القطب الشمالي محور موسكو نحو القوتين الآسيويتين،  الصين والهند، بعيداً عن أوروبا، كما أن لتلك الشبكات القدرة على جعل روسيا محوراً في قلب العديد من عمليات التجارة الدولية، حتى وسط محاولات الولايات المتحدة وحلفائها زيادة عزلة الرئيس فلاديمير بوتين بسبب الحرب، وفق "بلومبرغ".

ويمكن أن تقلل هذه المسارات من زمن النقل بنسبة تتراوح بين 30 إلى 50%، مقارنة بقناة السويس، وتجنب المشاكل الأمنية التي يعانيها البحر الأحمر، جراء هجمات جماعة الحوثي على سفن الشحن في الممر المائي، بسبب حرب إسرائيل على غزة، وفق "بلومبرغ".

وأشارت الوكالة إلى أن الهجوم الإيراني على إسرائيل السبت الماضي، زاد من الاضطرابات الإقليمية، وذكرت أنه في حين أن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين يتجنبون طرق النقل التي تدعمها روسيا، رغم الوفورات المحتملة في التكاليف، أبدت الاقتصادات الآسيوية والخليجية الكبرى اهتماماً. 

استثمارات روسية

ومع ذلك، لا تزال هناك عقبات كبيرة، إذ تعيق البنية التحتية الإيرانية القديمة تطوير الممر الدولي للنقل بين الشمال والجنوب الذي يربط الهند بالجزء الأوروبي من روسيا، وحتى مع تسارع التغيرات المناخية، التي تذيب جليد القطب الشمالي، لجعل طريق بحر الشمال خياراً أكثر قابلية للتطبيق، لا تزال هناك تحديات لوجستية هائلة على طول الساحل الروسي النائي. 

وفي هذا السياق، نقلت صحيفة "إزفستيا" الروسية عن مسؤول في وزارة الدفاع الروسي، قوله إن روسيا تستعد لاستثمار أكثر من 25 مليار دولار، لتحديث الطرق عبر إيران وتحسين المرافق على طول الشاطئ الروسي في القطب الشمالي، بما في ذلك أسطول من كاسحات الجليد المصنعة محلياً، كما تخطط لفرض دوريات على طريق بحر الشمال بشبكة من قواعد الطائرات المسيرة.

ومنحت روسيا قرضاً بقيمة 1.3 مليار يورو (1.4 مليار دولار) لإيران مايو الماضي، لبناء وصلة سكك حديدية حيوية تمتد على 162 كيلومتراً، وذلك لربط مدينة رشت على ساحل بحر قزوين بمدينة أستارا على الحدود مع أذربيجان. 

وبمجرد اكتماله، سيسمح بنقل البضائع من سانت بطرسبرغ إلى بندر عباس، الميناء الرئيسي للتصدير الإيراني.

وفي الإطار، قال بوتين، خلال مؤتمر عبر الفيديو مع نظيره الإيراني إبراهيم رئيسي: "سيسمح لنا بناء هذا المشروع بإنشاء وصلة نقل مباشر وغير منقطع بالسكك الحديد على طول الطريق بين الشمال والجنوب، ما سيساعد هذا بشكل كبير على تنويع تدفقات النقل العالمية". 

ووفقاً لبنك التنمية الأوراسي، فإن قدرة النقل على طول الطريق بين الشمال والجنوب، والتي تشمل خط سكك حديدية أطول عبر آسيا الوسطى، وشبكة عبر بحر قزوين، يمكن أن تزيد بنسبة 85% إلى 35 مليون طن سنوياً بحلول عام 2030.  

وسيربط ذلك روسيا مع إيران والهند، وربما بقية جنوب آسيا والخليج وإفريقيا. وفي أغسطس الماضي، أرسلت روسيا أول قطار شحن مباشر إلى السعودية.  

الصين وتركيا.. ازدهار أم تعثر؟

وسجلت التجارة مع الصين، رقماً قياسياً بلغ 240 مليار دولار في عام 2023، أي أكثر من ضعف 108 مليارات دولار، التي تم الوصول إليها في عام 2020، مدفوعة بمبيعات النفط الروسية ومشتريات الإلكترونيات والمعدات الصناعية والسيارات. 

كما نمت التجارة مع الهند إلى ما يقرب من 64 مليار دولار العام الماضي، مقابل حوالي 10 مليارات دولار قبل 3 سنوات، حيث ارتفعت مشتريات نيودلهي من النفط الروسي منذ بدء الحرب في أوكرانيا.  

وتحفز تجارة روسيا المتنامية مع الصين الكرملين بالفعل على إنفاق المليارات، لتحديث خطوط السكك الحديد الشرقية الشاسعة لتوسيع القدرة على خط السكة الحديد الرئيسي العابر لسيبيريا وخط "بايكال أمور" بحلول عام 2030. 

ومع ذلك، فإن الازدهار التجاري لتركيا المجاورة مع روسيا يتعثر مع قيام الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي باتخاذ إجراءات صارمة ضد ما يسمى بـ"السلع ذات الاستخدام المزدوج"، التي يمكن أن توفر للكرملين شريان حياة حيوي لهجومه العسكري في أوكرانيا. 

وأظهرت بيانات أولية نشرت في وقت سابق من هذا الشهر من وزارة التجارة التركية، انخفاض الصادرات إلى روسيا بمقدار الثلث في الربع الأول مقارنة بالعام السابق. 

عوائق في بحر الشمال

وتباطأ تطوير ممر بحر الشمال، بسبب الإجراءات العقابية الغربية جراء غزو أوكرانيا التي أوقفت خطة روسية لتصدير الغاز الطبيعي المسال من محطة Arctic LNG 2 إلى آسيا حيث جمد المستثمرون الأجانب الرئيسيون مشاركتهم، كما عطلت العقوبات عقوداً للمحطة للحصول على سفن متخصصة لكسر الجليد اللازمة للتنقل في المياه المتجمدة. 

وتوقفت شركة الشحن الصينية Cosco عن استخدام المسار اعتباراً من عام 2022، على الرغم من أن الرحلة من داليان في الصين إلى روتردام في هولندا عبر الممر البحري الشمالي تستغرق حوالي 33 يوماً، مقارنة بـ 48 يوما عبر قناة السويس. وتوقفت جميع عمليات العبور بين آسيا وأميركا الشمالية وأوروبا عبر القطب الشمالي، الذي كان يمثل 40% من حجم الشحن في عام 2021، بسبب المخاوف من خرق العقوبات. 

يأتي ذلك على الرغم من استمرار الهجمات منذ نهاية العام الماضي من قبل الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن على السفن في وحول البحر الأحمر، مما يجبر شركات الشحن الغربية على تجنب قناة السويس واتخاذ مسار أطول حول رأس الرجاء الصالح. 

وقال ميخائيل جريجوريف، خبير القطب الشمالي والشريك المؤسس والمدير التنفيذي لشركة الاستشارات (جيكون): "كان المرور الدولي عبر الممر البحري الشمالي يعتبر محفوفاً بالمخاطر بسبب التغيرات في الوضع الجيوسياسي". 

استثمارات في الشمال

رغم ذلك، وقعت شركة موانئ دبي العالمية في الإمارات العربية المتحدة خلال أكتوبر الماضي، اتفاقية مع شركة "روساتوم" النووية الروسية التي تديرها الدولة لتطوير شحن الحاويات على امتداد الطريق بين فلاديفوستوك ومورمانسك.

وحضر بوتين في يناير، مراسم وضع العارضة الأساسية للسفينة النووية الخامسة من سبع سفن تقوم روسيا ببنائها للخدمة على الممر البحري الشمالي، ووصف الأسطول بأنه "ميزة تنافسية هائلة" للبلاد. 

 وعند إطلاق سفينتين سابقتين في نوفمبر 2022، قال بوتين إن تلك السفن "ستساعد روسيا على إطلاق العنان لإمكاناتها التصديرية بشكل كامل وإنشاء مسارات لوجستية فعالة، بما في ذلك إلى جنوب شرق آسيا". 

وفي الوقت نفسه، تستثمر الهند في تشابهار، الميناء الإيراني الوحيد الذي يتمتع بمنفذ مباشر إلى المحيط الهندي، بعد الحصول على إعفاء من العقوبات الأميركية. 

ويفتح خط السكك الحديدية المدعوم من روسيا عبر إيران الطريق إلى آسيا الوسطى، بما في ذلك أفغانستان بشكل حاسم، و"يوفر طريقاً أقصر إلى أوروبا"، حسبما قالت فيشالي باسو شارما، المستشارة السابقة في أمانة مجلس الأمن القومي الهندي. 

وقالت: "الأسواق الناشئة تتحرر أخيراً من الهيمنة التي أحدثتها الدول المتقدمة".

تصنيفات

قصص قد تهمك