حرب أوكرانيا تفاقم صراعاً على النفوذ في آسيا الوسطى

time reading iconدقائق القراءة - 8
تظاهرة مناهضة لغزو أوكرانيا أمام نصب تذكاري لفلاديمير لينين في ألما آتا عاصمة كازاخستان - 6 مارس 2022 - REUTERS
تظاهرة مناهضة لغزو أوكرانيا أمام نصب تذكاري لفلاديمير لينين في ألما آتا عاصمة كازاخستان - 6 مارس 2022 - REUTERS
دبي- الشرق

عندما سافر الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى كازاخستان هذا الأسبوع، كتب في صحيفة محلية أن العلاقات بين الجانبين "متينة جداً". لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة إلى علاقات كازاخستان مع حليفتها التقليدية روسيا، كما أفادت "بلومبرغ".

ورفضت كازاخستان التي تضمّ عدداً ضخماً من السكان الناطقين بالروسية، تأييد غزو موسكو لأوكرانيا، وأقامت علاقات اقتصادية بديلة، إذ أن الاتحاد الأوروبي تجاوز روسيا ليصبح أبرز شريك تجاري لألما آتا.

واعتبرت "بلومبرغ" الأمر مثالاً على ولاءات متبدّلة في الفناء الخلفي لروسيا، في آسيا الوسطى والقوقاز، إذ تتطلّع دول كانت جمهوريات سوفيتية، إلى تقليص اعتمادها على موسكو.

وتسارعت عملية التنويع الاقتصادي والسياسي هذه بعد غزو أوكرانيا والعقوبات الدولية المفروضة على روسيا.

واعتبر إدوارد كينسبرينر، المدير الإقليمي لآسيا الوسطى في "جمعية الأعمال الشرقية الألمانية"، والذي قاد وفداً تجارياً إلى أوزبكستان في يوليو الماضي، أن حكومات تجهد لتجنّب التعرّض لعقوبات ثانوية، تتواصل مع ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، للحصول على مشورة، لا سيّما في القطاع المالي.

وقال إن الحكومات في المنطقة لطالما كانت مهتمة بالتجارة مع أوروبا وآسيا، مستدركاً أنها "الآن تستغلّ فرصها لجذب مزيد من الأعمال". ورأى أن "ثمة إمكانات هائلة" في هذا الصدد.

تعزيز التجارة مع ألمانيا

شي جين بينغ أعلن في كازاخستان عام 2013، مبادرة "الحزام والطريق" للبنية التحتية والاستثمارات. والتقى شي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوزبكستان المجاورة الخميس، على هامش قمة "منظمة شنجهاي للتعاون".

ومع ذلك، ثمة أدلة على إعادة توجيه الاقتصاد، من خلال إحصاءات التجارة مع ألمانيا، أضخم اقتصاد في أوروبا. فمع انهيار الأعمال التجارية مع روسيا، ارتفع التبادل التجاري لألمانيا مع كازاخستان بنسبة 80% في النصف الأول من عام 2022 مقارنة بالعام الماضي.

فيما سجّلت أوزبكستان ارتفاعاً بنسبة 111%. هذه الزيادة لا تعوّض حجم الأعمال التجارية المفقودة مع موسكو، لكنها كافية لكي تلاحظ برلين الأهمية المتزايدة للمنطقة، بوصفها جزءاً من إعادة تشكيل مستمرة لطرق التجارة العالمية، بحسب "بلومبرغ".

وتُعتبر كازاخستان أضخم اقتصاد في آسيا والبلد المهيمن فيها، ويتمحور تصديرها غالباً على الطاقة، لكن منتجات زراعية وسلعاً ذات تكنولوجيا عالية تكتسب أهمية متزايدة.

وقال كينسبرينر إن أوزبكستان "تفتح أبوابها بالكامل"، علماً أنها تطبّق برنامجاً للإصلاحات الاقتصادية وعملية خصخصة.

خطر عدم الاستقرار ربما لا يزال يلقي بثقله على الإمكانات الاقتصادية في المنطقة. وطلب الرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف من بوتين إرسال قوات إلى بلاده، في يناير الماضي، للمساعدة في قمع احتجاجات عنيفة أسفرت عن مصرع 230 شخصاً على الأقلّ.

كذلك سقط 18 شخصاً على الأقلّ في أوزبكستان، خلال احتجاجات عامة نادرة في يوليو مناهضة لإصلاح دستوري مقترح. كما أن النزاع مفتوح في القوقاز بين أرمينيا وأذربيجان.

الغاز الطبيعي من أذربيجان

ومع ذلك يضفي النفط والغاز أهمية استراتيجية على المنطقة، فيما تمثل إبدال إمدادات الطاقة الروسية التحدي الأول بالنسبة إلى أوروبا.

وفي يوليو الماضي، توصّل الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق لمضاعفة واردات الغاز الطبيعي من أذربيجان، عبر "ممرّ الغاز الجنوبي"، وهو شبكة من خطوط أنابيب تربط بحر قزوين بأوروبا.

وزارت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين باكو، لتوقيع الاتفاق مع الرئيس إلهام علييف، قائلة إن الاتحاد الأوروبي ينأى عن روسيا نحو "مورّدين أكثر موثوقية وجدارة بالثقة، ويسعدني أن أعتبر أذربيجان من بينهم".

قد يكمن جزء من دافع دول آسيا الوسطى والقوقاز للتطلّع إلى ما هو أبعد من موسكو، في تجنّب الوقوع في فخّ بوتين ومواجهة مصير أوكرانيا.

وقال وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا لصحافيين أوزبكيين، في 7 سبتمبر: "إذا خسرنا، فستكونون (الضحية) التالية".

وسعى الرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف، إلى نسج علاقات أكثر قوة مع أنقرة، فيما كان ينأى عن غزو أوكرانيا.

وفي مايو، قام بأول زيارة دولة لتركيا منذ أن أصبح رئيساً في عام 2019، ووقّع اتفاق "شراكة استراتيجية معززة" مع الرئيس رجب طيب أردوغان.

كذلك أبرم الجانبان اتفاقات لإنتاج طائرات استطلاع عسكرية تركية ومسيّرات هجومية في كازاخستان، ولتعزيز التعاون بين أجهزتهما الاستخباراتية، إضافة إلى تبسيط الضوابط الجمركية.

وسعى توكاييف أيضاً إلى تنشيط علاقات بلاده مع المملكة العربية السعودية وقطر. وفي اتصال هاتفي مع رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي شارل ميشال، في يوليو، قال إن كازاخستان يمكن أن تساعد في ظلّ انقسامات جيوسياسية عميقة، من خلال العمل "بوصفها سوقاً عازلة" بين الشرق والغرب، والجنوب والشمال.

مشكلات روسية لكازاخستان؟

نقلت "بلومبرغ" عن كيت مالينسون، مؤسّسة شركة "بريزم" لإدارة الأخطار السياسية (مقرها لندن)، إن غزو أوكرانيا دفع كازاخستان إلى "إعادة التفكير بجدية في أمنها الاستراتيجي والاقتصادي، والتنويع بعيداً عن روسيا حيثما أمكن ذلك".

وبالنسبة إلى كثيرين في المنطقة، يتعلّق الأمر بإحداث توازن مع نفوذ موسكو، من أجل إضافة مصادر أخرى للنموّ الاقتصادي، فيما تتبدّل طرق التجارة العالمية، على الأقلّ نتيجة للحرب الروسية.

كما أن النزاع بين أذربيجان وأرمينيا فاقم تعقيد المشهد، محبطاً جهوداً لفتح الحدود المُغلقة منذ فترة طويلة وتطوير روابط النقل بين البلدين.

وسيؤدي ذلك إلى تعزيز وصول تركيا إلى آسيا الوسطى، عبر طرق برية وبحر قزوين، ما يمكّن دول في المنطقة من بناء علاقات مع أنقرة والاتحاد الأوروبي، متجاوزة روسيا.

وتبقى الصين وروسيا الآن لاعبين أساسيين. وأبرمت أوزبكستان اتفاقات مع شركات صينية في أواخر أغسطس، بما في ذلك مشاريع لطاقة الرياح وقروض مصرفية للتزوّد بمعدات تكنولوجية ومواد خام من بكين.

وارتفع التبادل التجاري لأرمينيا مع الاتحاد الأوروبي بنحو 38% في النصف الأول من عام 2022، لكن التبادل مع روسيا شهد أيضاً زيادة بنسبة 50%.

ويُعتبر الاتحاد الأوروبي أبرز شريك تجاري لكازاخستان، لكن 38.5% من صادراتها كانت من نصيب روسيا في النصف الأول من العام.

وقال كريس توك، مدير الأخطار السياسية في مؤسسة "جي إس هيلد" للاستشارات (مقرها لندن): "لا يمكن لكازاخستان أن تتخلّى عن روسيا: فهي تعتمد عليها بشكل كبير في الأعمال التجارية وطرق التجارة والأمن. وأوضحت موسكو بجلاء أنها يمكن أن تثير مشكلات لكازاخستان على جبهات متعددة".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات