الناتو يحاكي غزواً روسياً للاتفيا في أكبر مناورات حربية منذ 36 عاماً

time reading iconدقائق القراءة - 11
جنود ودبابات خلال مناورات الناتو DRAGON-24 في شمال بولندا. 4 مارس 2024 - AFP
جنود ودبابات خلال مناورات الناتو DRAGON-24 في شمال بولندا. 4 مارس 2024 - AFP
دبي -الشرق

احتشدت قوات حلف شمال الأطلسي "الناتو" من 14 دولة، الشهر الماضي، في قاعدة أدازي العسكرية في لاتفيا، وذلك للمشاركة في أكبر وأضخم تدريب عسكري للحلف منذ الحرب الباردة، في وقت تتوجه القدرات العسكرية والجهود لمواجهة روسيا، رغم اختلافات أعضاء الحلف بشأن طبيعة التهديد والإنفاق الدفاعي.

ووفقاً لصحيفة "وول ستريت جورنال"، فقد بدأ التدريب بتحذير مفاده أن قوات العدو عبرت حدود لاتفيا مع روسيا، وتقترب من العاصمة، وعبر التواصل بلغات متعددة، ومن خلال أجهزة لاسلكي مختلفة، تسابقت القوات للدفع بالغزاة الوهميين باتجاه الأرض الرطبة التي ستتعثر فيها دباباتهم.

ويهدف تدريب هذا العام، الذي يحمل اسم Steadfast Defender 2024 "المدافع الصامد 2024"، إلى إرسال رسالة إلى موسكو مفادها أن الحلف "مستعد للدفاع عن أعضائه، خاصة القريبين من الحدود مع روسيا، بما في ذلك لاتفيا".

وتجري مناورات هذا العام، وهي الأكبر منذ عام 1988، على مدار 4 أشهر حتى مايو، في مواقع تمتد من الدائرة القطبية الشمالية إلى البحر الأسود، ويشارك فيها نحو 90 ألف جندي، و1100 مركبة قتالية، و80 طائرة، و50 سفينة بحرية. 

وتأتي العملية التي تجري في لاتفيا، ضمن عدة عمليات نُفذت على مقربة من الحدود الأوربية مع روسيا. فمنذ ضم روسيا لشبه جزيرة القرم من أوكرانيا في عام 2014، وضع الناتو حدود أوروبا مع روسيا، نصب عينية، كما بات الحلف، الذي احتفل بمرور 75 عاماً على تأسيسه مؤخراً، أقوى" مع انضمام فنلندا والسويد بعد عقود من انغلاق باب العضوية.  

وتطلب الرد مشاركة قوات من كندا وألبانيا من أجل حل مكامن الخلل في الاتصالات، واستيعاب الممارسات الميدانية من قبل الجميع، والتنسيق بين أنظمة الأسلحة المتباينة.

وقال الكولونيل في جيش لاتفيا، أوسكارز كودليز، الذي كان يقود فرقة من المركبات المدرعة الثقيلة من أحد المواقع داخل الغابة: "أهم ما في الأمر هو إظهار الاستعداد للتصرف سريعاً والانتشار للدفاع عن حدود لاتفيا والناتو".

بدوره، أفاد النقيب بالجيش الأميركي، مالكولم إدجر، إن "إيجاد طرق للتغلب على الاختلافات هو "إحدى مزايا التدريبات التي تشارك فيها العديد من الدول، مثل تدريب Crystal Arrow".

وأضاف: "نحن لا نكتفي بالقول بأننا نستطيع إنجاز ذلك معاً، ولكننا نُظهر أن ذلك ممكناً"، مشيراً إلى أن "الأمر كله يتعلق بالتكرار والإتقان".  

14 دولة 

ويُعد تدريب لاتفيا، الذي يجري على مقربة من العاصمة ريجا، الأكبر من حيث عدد الدول المشاركة التي يجريها الحلف خلال هذا العام، حيث انضمت إلى 11 دولة عضو لديها بالفعل قوات في لاتفيا، بما في ذلك كندا، والولايات المتحدة وأيسلندا وإستونيا.  

وتشكل القوات الكندية المتمركزة في لاتفيا، أكبر انتشار للقوات في الوقت الحالي خارج أوتاوا، وبالنسبة للعديد من هؤلاء الكنديين، فإن الدفاع ضد روسيا يمثل "أمراً شخصياً"، خصوصاً مع تركز الكنديين في وقت سابق في قاعدة غرب أوكرانيا، حيث تولوا تدريب القوات المحلية في السنوات السابقة على الغزو الروسي في عام 2022. ومنذ عامين، ضربت موسكو هذه القاعدة بالصواريخ، ما أسفر عن تدمير الثكنات التي كانوا يعيشون فيها.

وتعتبر دول الناتو أنه من غير المرجح أن تُقدم روسيا على غزو صريح ضد أي دولة عضو مجاورة في المستقبل القريب، رغم تصريحات بعض القادة العسكريين في الحلف مؤخراً حول إمكانية أن تكون موسكو "قوية بما يكفي للهجوم في غضون سنوات قليلة".  

أما على المدى القريب، فإنهم يشعرون بالقلق من أن تثير موسكو الصراعات في الدول المجاورة عن طريق "إثارة" الروس المحليين واستخدام التوترات كذريعة للتدخل، مثلما فعل الكرملين في شرق أوكرانيا قبل عقد من الزمن.  

وانضمت لاتفيا إلى الحلف في عام 2004، بعد 13 عاماً من استقلالها عن الاتحاد السوفيتي، ومنذ ذلك الحين، أجبرت متطلبات ومعايير الحلف القوات المسلحة اللاتفية على تحديث جيشها، وحلت المركبات العسكرية الغربية محل النماذج السوفيتية القديمة.  

وفي حقبة ما بعد الحرب الباردة، كانت هذه الاختلافات التقنية غير ذات أهمية، لأن قوات الناتو من الدول المختلفة قلما حاربت إلى جانب بعضها البعض، أما الآن فهي بحاجة إلى أن تكون قادرة على تقاسم المعدات ومعرفة أن مدفع جيش ما يستطيع إطلاق قذائف مدفع جيش آخر.  

ووضع خبراء في الحلف معايير المعدات وعملوا من أجل ضمان عمل هذه المعدات بشكل متبادل، ولكن حتى بالنسبة لأحد معايير الناتو الأساسية، وهي قذائف المدفعية من عيار 155 ملليمتراً، فإن الدول الأعضاء تنتج "14 نموذجاً مختلفاً".

وجاءت العديد من أنظمة الأسلحة المختلفة التي تم تزويد أوكرانيا بها، والبالغ عددها 200 نظام تقريباً، من دول الناتو، وتسبب هذا المزيج المتنوع في "كابوس صيانة" لأوكرانيا، التي اضطرت إلى إجراء بحث مضن للحصول على قطع غيار.  

صعوبات واختلافات

وخلال تدريب Crystal Arrow، عملت كتيبة يقودها اللفتنانت في جيش لاتفيا، جايديس لاندراتوفس، جنباً إلى جنب مع القوات الأميركية، حيث قاموا بدور قوات غازية من دولة وهمية تحمل اسم "أوكاكوس"، وتم تمييزها بعلامات X حمراء على معداتهم، إذ يتجنب الحلف استخدام أسماء خصوم حقيقيين في التدريب.  

وكان اللفتنانت الكندي، جوناثان كوكس، الذي تمركز بصورة مؤقتة في لاتفيا للإشراف على المجموعة القتالية الدولية التابعة للناتو، قائداً لقوات الدفاع، التي تضمنت قوات من 11 دولة.

ومع انطلاق الغزو الوهمي، تحركت قواته واتخذت مواقع دفاعية في انتظار تلقي أوامر بشأن التعامل مع مهاجميهم.  

ووفق كوكس، فقد عانى الجنود الذين يتحدثون لغات مختلفة في التواصل فيما بينهم، ورغم أن الإنجليزية والفرنسية هما اللغتان الرسميتان للناتو، إلا أن طلاقة التحدث بهما كانت متباينة.

وأضاف كوكس: "كانت هناك مشكلة أخرى تمثلت في أجهزة اللاسلكي التي كانت تعمل معاً في بعض الأحيان، ولا تعمل على الإطلاق في معظم الأحيان"، مؤكداً أنه "كان هناك دائماً مشاكل في الاتصالات، بغض النظر عما يحدث".      

وأرجع كوكس نجاح العمليات إلى "بساطة الخطط والتكامل"، قائلاً: "كل دولة كان لديها طريقتها في العمل، ولكن العزيمة والهدف كانا متماثلين في المجموعة القتالية بأكملها".  

وطالما مثل التطابق تحدياً للحلف، ففي تدريب Crystal Arrow، نشر الحلفاء المركبات المدرعة الكندية LAV-6، والدبابات الأميركية والألمانية والبولندية ومركبات الاستطلاع اللاتفية CRV-T بريطانية الصنع. 

وأوضحت "وول ستريت جورنال"، أن توحيد المعدات الكبيرة يمثل "أمراً شاقاً"، معزية ذلك إلى أن إنتاج هذه المعدات "يدر أرباحاً طائلة لا ترغب سوى قلة من البلدان في التنازل عنه".

في هذا السياق قال أكبر مسؤول عسكري في الناتو، الأدميرال الهولندي، روب باور، إن الولايات المتحدة "تمتلك وحدها نحو 30 نظاماً عسكرياً رئيسياً، مثل الطائرات والسفن والدبابات".

وفي أوروبا، حيث تحمي معظم الدول منتجي الأسلحة الوطنيين وتتنافس في كثير من الأحيان على طلبات التصدير، تستخدم الدول الأعضاء في الحلف "172 نموذجاً".

ويمكن أن تمثل المعدات الصغيرة إشكالية أيضاً، فقد بذل المخططون على مدى سنوات جهوداً لضمان التوافق بين أجهزة اللاسلكي الميدانية الآمنة من الدول المختلفة، ولكن هذا التحدي ازداد تعقيداً، بسبب الحاجة إلى التشفير الرقمي والإجراءات اللازمة للحرب الإلكترونية.  

انقسامات 

وباتت دول الناتو "أكثر إنفاقاً" على الدفاع، مقارنة بما كانت عليه منذ الحرب الباردة. وفي هذا السياق قال الأمين العام للحلف، ينس ستولتنبرج مؤخراً، إن الدول الأعضاء "ستفي هذا العام، على أساس إجمالي، ولأول مرة منذ عقود، بالتزاماتها المالية تجاه الحلف".  

لكن رغم ذلك، يعاني الحلف من نزاعات أخرى، إذ يختلف قادته حول ما إذا كان ينبغي السماح لأوكرانيا وغيرها من الأعضاء الطامحين بالانضمام إلى الحلف.  

إلى جانب ذلك، أثار التنافس حول خلافة ستولتنبرج في وقت لاحق من هذا العام حدة التوتر بين الأعضاء القدامى والأعضاء الجدد من الكتلة الشرقية السابقة.  

ولا تزال العديد من دول الحلف، بينهم 6 من الأعضاء الـ12 المؤسسين، بعيدين عن تحقيق مستويات الميزانية العسكرية التي تعهدوا بالالتزام بها منذ عقود، ما جعلهم هدفاً لهجوم مرشح الرئاسة الجمهوري في الولايات المتحدة دونالد ترمب، وأثار ذلك شكوكاً، حول مستقبل الحلف حال فوز ترمب بالانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل.

واتفقت دول الحلف في عام 2014 على أنه بحلول ذلك العام، ستنفق كل دولة 2% من ناتجها المحلي الإجمالي على الأقل على الدفاع، فيما ستنفق لاتفيا التي تعرضت للاجتياح السوفيتي في عام 1940، ولم تنل استقلالها حتى عام 1991، 2.4% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع، كجزء من خطة للوصول إلى نسبة 3% في عام 2027.

وعلى الجانب الآخر، تخصص كندا، نحو 1.3% من ناتجها المحلي الإجمالي للجيش، وليس لديها خطة للوصول إلى نسبة 2%.  

وانتقد أمين الحلف وسفيرة الولايات المتحدة لدى الحلف، جوليان سميث، كندا بقوة خلال العام الجاري لكونها "ضمن دول الحلف التي لا تسعى إلى تحقيق المستهدف المتفق عليه".   

وقال الرئيس السابق للبحرية الكندية، مارك نورمان، الذي زار مؤخراً مقر الناتو في بروكسل: "إذا تقاعست كندا عن الوفاء بالتزاماتها، فكيف ينعكس ذلك على تماسك الحلف؟".

وأضاف: "من المحتمل أن تزيد كندا حصة إنفاقها الدفاعي فقط تحت التهديد"، معزياً ذلك إلى أن "تصور التهديد غير موجود لديها".   

ويتمثل أحد الانقسامات الجوهرية في التحالف في "كيفية رؤية الدول الأعضاء للتهديدات"، إذ يحدد الناتو "الإرهاب وروسيا" باعتبارهما التهديدين الرئيسيين، فيما يشعر العديد من المسؤولين في تركيا وغيرها من الدول الأعضاء على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط بمزيد من القلق إزاء الصراعات الإقليمية، والهجرة غير الشرعية، والإرهاب منهم إزاء روسيا.  

تصنيفات

قصص قد تهمك