مهمة رحمة انتهت بـ"خطأ قاتل".. كيف استهدفت إسرائيل قافلة المساعدات في غزة؟

time reading iconدقائق القراءة - 12
دبي-الشرق

استهدفت إسرائيل، الاثنين الماضي، موظفي منظمة "وورلد سنترال كيتشن" World Central Kitchen، ما أسفر عن سقوط 7 منهم، فيما أعلن الجيش الإسرائيلي اعتقاده بأنه كان يستهدف مسلحاً من حركة "حماس"، ما أثار انتقادات دولية.

وانطلقت 8 شاحنات من الرصيف المؤقت الذي تم بناؤه من أطنان الحطام التي خلفتها شهور الحرب في جميع أنحاء غزة. ورافقت الشاحنات 3 مركبات تقل عمال إغاثة من المنظمة الإغاثية التي رتبت وصول شحنة مواد غذائية كبيرة إلى غزة، إذ كان جميع عمال الإغاثة الـ7 يرتدون دروعاً واقية، فيما حملت السيارات جميعها، حتى على أسقفها، شعار المنظمة.  

وبعد مسير منهِك على الطريق، بدا الأمر وكأن المهمة قد أُنجزت، إذ أنزلت القافلة حمولتها الثمينة في أحد المستودعات، واستعد الفريق للعودة.  

ولم يكن هناك أكثر من بصيص من ضوء القمر في تلك الليلة الحالكة، فيما كانت الطرق غارقة في الظلام، باستثناء بقع متناثرة تسرب إليها الضوء من المباني التي لديها مولدات خاصة. 

وبعد بضع دقائق من حلول الساعة العاشرة مساء، اتجهت القافلة جنوباً صوب شارع الرشيد، حيث يمتد الطريق الساحلي في غزة، وبعد أكثر من ساعة بقليل سقط الصاروخ الأول الذي لم يمهل جميع عمال الإغاثة سوى فترة وجيزة قبل أن يسقطوا ضحايا. 

ووقعت الضربة في الساعة 11 مساءً، وفقاً لـ"وورلد سنترال كيتشن"، وقالت متحدثة باسم المنظمة، إن السيارات تحركت في وقت متأخر من الليل، بسبب احتجاز إسرائيل عدداً من موظفيها لساعات في منطقة تفتيش قريبة من الرصيف البحري الذي بنته المؤسسة وسط الركام، لتتمكن من تلقي المساعدات القادمة إلى غزة.

التسلسل الزمني لتحركات فريق المنظمة قبل استهدافه من قبل الجيش الإسرائيلي

  • الساعة 10 مساءً

اتجهت قافلة World Central Kitchen المكونة من 8 شاحنات جنوباً، بعد مغادرتها الرصيف، حيث انطلقت على طول الساحل صوب مستودع على بعد حوالي 10 كيلومترات (6.2 أميال).  

وسافر الفريق في سيارتين مصفحتين ومركبة ثالثة غير مصفحة، إذ تشكل أعضاؤه من سائق فلسطيني ومترجم ورجل أعمال شاب يدعى سيف الدين عصام عياد أبو طه، ومستشار أمني يدعى جاكوب فليكنجر.  

وكان الفريق يضم أيضاً 3 من قدامى المحاربين البريطانيين، وأسترالية محبوبة لامتثالها الكامل والدائم بالود وأخلاقيات العمل، ومتطوع بولندي أشادت المجموعة بأنه "بناء وسباك ولحام وكهربائي ومهندس ورئيس وشخص مؤتمن وصديق ومتعاون".  

ووضع الفريق خطته لمنع الاشتباك مسبقاً، بالتنسيق مع القوات الإسرائيلية، حيث تعرف الجيش الإسرائيلي على مواعيد تنقلاته والطرق التي سيسلكها.  

وبحسب "أسوشيتد برس"، تستخدم المنظمات الإغاثية "أنظمة معقدة" لمحاولة المحافظة على أمن وسلامة فرقها.  

وفي هذا السياق قال مسؤول عسكري إسرائيلي إن المنظمات الإغاثية عادة ما ترسل "خطة مسبقة إلى COGAT، وهي وكالة الدفاع الإسرائيلية المسؤولة عن الشؤون المدنية الفلسطينية، والتي تشاركها بعد ذلك مع الجيش الإسرائيلي".  

وأضاف المسؤول، أنه مع بدء عمليات التسليم، يمكن للمجموعات الإغاثية التواصل مع الجيش في الوقت الفعلي. 

ويحمل عمال المنظمة أجهزة إرسال GPS لتتبع مواقعهم، إذ أعرب كثير من عمال الإغاثة عن مخاوفهم بشأن منظومة "منع الاشتباك".

  • الساعة 10:28 مساءً 

وبعد ذلك، بدأت الأمور تسوء على بعد أميال قليلة من الرصيف، حيث رأى ضابط إسرائيلي كان يراقب من خلال مسيرة ما اعتقد أنه "مسلح من حماس يعتلي إحدى الشاحنات، ويطلق النار في الهواء".  

وقال مسؤولو الإغاثة إن بعض منظمات الإغاثة تقوم بتعيين "حرس مسلحين"، وهم في الغالب رجال يرتدون زياً مدنياً، ويلوحون بالبنادق أو العصي الكبيرة لطرد من يحاولون أخذ المؤن. 

وذكر أحد موظفي المنظمة أن منظمته "تستعين في بعض الأحيان بحراس مسلحين"، رغم أنه لم يكن واضحاً ما إذا كان تم توظيفهم في القافلة الأول من أبريل.  

وأصر الموظف ومسؤولون آخرون على أن هؤلاء الحراس "لم يكونوا من حماس أو أي جماعة متحالفة معها"، ورغم هذا النفي، فإنه من غير المرجح ألا يحصل أي شخص يركب فوق شاحنة مساعدات على "تصريح ضمني" على الأقل من "حماس". 

وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، الميجور نير دينار، إن الجنود يحاولون التمييز بين الحراس الأمنيين المسلحين ومسلحي حركة "حماس" عند تحديد الأهداف، مضيفاً أنه لا يستطيع أن يستبعد احتمالية أن يكون المسلحون المرافقون لقافلة World Central Kitchen "حراس أمن". 

ويعد المسلحون جزءاً من الحياة اليومية في غزة التي تخضع لإدارة "حماس" منذ عام 2007، إذ قد يكونوا من مقاتلي الحركة أو أفراداً بالشرطة التي تشرف عليها الحركة، أو حرس يعملون في القطاع الخاص.  

  • الساعة 10:46 مساءً

في اللقطات الجوية المشوشة التي أظهرها الجيش الإسرائيلي للصحافيين، احتشد الناس حول القافلة لدى وصولها إلى مستودع منظمة World Central Kitchen في مدينة دير البلح. 

وذكر عسكريون إسرائيليون لـ "أسوشيتد برس"، أن "اثنين من الرجال كانا مسلحين". 

  • الساعة 10:55 مساءً

بقيت الشاحنات في المستودع، فيما اتجهت مركبات المنظمة الثلاث صوب الجنوب، لنقل العمال إلى أماكن إقامتهم، فيما اتجهت مركبة أخرى كانت قد انضمت إلى القافلة، والتي قال المسؤولون الإسرائيليون إنها كانت "تقل مسلحين"، شمالاً إلى مستودع آخر.  

وأوضحت رسائل التخطيط التي أرسلتها World Central Kitchen أن عمال الإغاثة لن يبقوا مع الشاحنات، وإنما سيسافرون بالسيارة. 

ورغم ذلك، فقد ذكر المسؤولون الإسرائيليون أن الجنود الذين يراقبون القافلة "لم يقرأوا الرسائل"، إذ أعرب ضابط إسرائيلي عن اعتقاده بأنه رأى بعد ذلك "شخصاً ما يصعد إلى مركبة World Central Kitchen، ويحمل مسدساً". 

وقال الجنرال المتقاعد يوآف هار إيفان، الذي قاد التحقيق الذي أجراه الجيش الإسرائيلي بشأن هذا الهجوم، إن "الحالة الذهنية للجنود الإسرائيليين في ذلك الوقت، استقرت على أن المهمة الإنسانية قد انتهت، وأنهم يتتبعون مركبات حماس التي تقل مسلحاً واحداً مشتبهاً به على أقل تقدير". 

وأضاف المسؤولون أنه وبسبب الظلام "لم تكن شعارات World Central Kitchen الموجودة على أسقف السيارات مرئية".  

  • الساعة 11:09 مساءً

وضرب الصاروخ الأول إحدى السيارات المصفحة أثناء سيرها على الطريق الساحلي، ما دفع بعمال الإغاثة إلى الفرار بأرواحهم من المركبة المحطمة إلى السيارة المصفحة الأخرى، التي لم تسلم من ضربة إسرائيلية أخرى بعد دقيقتين فقط.  

وتراكم الناجون في المركبة الثالثة التي لم تخطئها ضربة إسرائيلية أخرى بعد وقت قصير. 

وقال عبد الرزاق أبو طه، شقيق السائق القتيل، إن عمال إغاثة آخرين اتصلوا به بعد الانفجارات، وطلبوا منه الاطمئنان على شقيقه.  

وحاول أبو طه الاتصال بأخيه مراراً على هاتفه، حتى أجابه في نهاية المطاف رجل وأخبره أنه وجد الهاتف على مسافة 200 متر تقريباً من إحدى السيارات التي تعرضت للقصف، قبل أن يخبره بأن "جميع من في السيارة قُتلوا". 

ما بعد الهجوم 

ومع شروق شمس صباح اليوم التالي، كانت أجزاء المركبات الثلاث المتفحمة متناثرة على مسافة ميل أو نحو ذلك في شارع الرشيد.  

وعلى الفور اعترفت إسرائيل بأنها مسؤولة عن سقوط عمال الإغاثة بـ"طريق الخطأ"، وفتحت تحقيقاً بهذا الشأن، إذ وصف المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانييال هاجاري الأمر بأنه "مأساة"، مضيفاً أنه "ما كان لما حدث أن يحدث، وسنتأكد من أنه لن يحدث ثانية". 

وفصلت إسرائيل ضابطين من الخدمة، ووبخت 3 آخرين بسبب "إساءة التعامل مع معلومات مهمة وانتهاك قواعد الاشتباك المعمول بها في الجيش، والتي تتطلب عدة أسباب لتحديد الهدف".  

وفي أعقاب هذه الضربات، أنشأت إسرائيل ومكتب تنسيق الأعمال الحكومية "غرفة حرب خاصة"، حيث يجلس مسؤولو مكتب التنسيق والمسؤولين العسكريين لتسهيل عملية التنسيق.  

ولكن الجهود الإسرائيلية لم تفلح في تهدئة الغضب العالمي المتفاقم، إذ سقط أكثر من 200 عامل إغاثة منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، بينهم 30 على الأقل خلال أدائهم أعمالهم، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة.  

اقرأ أيضاً

3 ضربات.. ثقوب في رواية "الخطأ الإسرائيلي" باستهداف قافلة "وورلد سنترال كيتشن"

ألقت صور الغارة الجوية على قافلة "وورلد سنترال كيتشن"، مساء الاثنين، على الطريق الساحلي في قطاع غزة، الشكوك في كون الضربة "خطأ غير مقصود".

وأشار العديد من عمال الإغاثة إلى أن الهجوم على قافلة "وورلد سنترال كيتشن" برز بقوة، لأن الضحايا الـ 6 ليسوا فلسطينيين، ورغم ذلك لا يزال عمال الإغاثة "مجتمعاً يصعب تعريفه من طرق عدة"، إذ ينتمي بعض أعضائه إلى الخبراء الذين يتحصلون على دخول عالية من التنقل بين الكوارث، وبعضهم متطوعون يبحثون عن سبل لعمل الخير، وبعضهم مدفوع بالطموح، وآخرون بالدين.  

وبينما علقت المنظمة ومنظمات إغاثية أخرى عملياتها في غزة بعد تلك الهجمات، لم تعمد كثير من المنظمات الكبرى، مثل "أطباء بلا حدود" و"أوكسفام الدولية" إلى إبطاء وتيرة عملياتها.  

 يشار إلى أن المنظمة الإغاثية، التي تأسست في عام 2010 على يد الشيف الشهير خوسيه أندريس، أرسلت فرقاً تمكنت سريعاً من تقديم وجبات طعام على نطاق واسع في مناطق الصراع، وبعد الكوارث الطبيعية، إذ تتباهى المجموعة بتقديم الطعام الذي يتناسب مع الأذواق المحلية.  

ومنذ أكتوبر الماضي، سقط أكثر من 33 ألف فلسطيني، وشُرد أكثر من 80% من سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، وتفشى الجوع، حتى باتت المجاعة "محتملة بشكل متزايد" في شمال غزة، وفق تحذيرات مسؤولي الأمم المتحدة. 

تصنيفات

قصص قد تهمك