في "مهرجان أفلام السعودية": هموم السينما والمجتمع في 4 تجارب

الملصق الدعائي للفيلم  السعودي "أغنية الغراب"  - twitter/FilmMOC
الملصق الدعائي للفيلم السعودي "أغنية الغراب" - twitter/FilmMOC
الدمام -عصام زكريا*

يتيح "مهرجان أفلام السعودية"، الذي تستمر دورته التاسعة حتى 11 مايو الجاري، فرصة يصعب أن تتوفر في المهرجانات الدولية الكبيرة، المزدحمة بالبرامج والأفلام من كل الجنسيات.

ذلك أن التخصص النوعي لمهرجان أفلام السعودية، المكرس لعرض الإنتاج المحلي للسينما السعودية، وبعض الأفلام الخليجية، المنتجة حديثاً، يتيح للمتخصص والمتابع أن يكتسب معرفة، ويشكل رؤية، وربما يفحص ويدرس، حركة السينما في هذه المنطقة خلال عام أو يزيد.

ضمت مسابقة الأفلام الروائية الطويلة 6 أفلام فقط، منها 3 أفلام من انتاج السعودية، وفيلماً أمريكي الإنتاج لمخرجة سعودية، وفيلمين عراقيين.

العدد قليل بالطبع، خاصة حين نعلم أن مسابقات المهرجان تشمل الآن دول الخليج، ولم تعد قاصرة على السعودية.

باستثناء العراق التي تشهد إنتاجاً سينمائياً كبيراً نسبيا، بفضل مهاجريها المقيمين في الخارج بالأساس، والسعودية التي تشهد نهضة سينمائية كبيرة، فإن بقية دول الخليج تعاني من ندرة إنتاج الأفلام الروائية الطويلة. 

الأفلام السعودية الثلاثة المعروضة في المسابقة هي "أغنية الغراب"، تأليف وإخراج محمد السلمان، "عبد" إخراج منصور أسد و"طريق الوادي" إخراج خالد فهد، يضاف إليهم فيلماً رابعاً خارج المسابقة هو "سطّار" إخراج عبد الله العراك.

نجاح جماهيري

لنبدأ بـ"سطار"، الذي ربما يكون القارئ قد سمع عنه خلال الشهور الماضية، إذ حقق الفيلم منذ بداية عرضه نهاية ديسمبر الماضي نجاحاً جماهيرياً هائلاً، وتخطت مبيعاته 200 ألف تذكرة، متفوقا على "Avatar 2"، ودخل التاريخ باعتباره أكثر الأفلام السعودية تحقيقاً للإيرادات إلى الآن.

"سطار: عودة المخمس الأسطوري"، حسب عنوانه كاملاً، هو فيلم "شعبي" بسيط للغاية، مصنوع وفقاً للمواصفات القياسية "التجارية" لجمهور الشرق الأوسط: كوميديا صاخبة، مع قليل من الأكشن، وقليل من الميلودراما، وقليل من الأغاني ذات الايقاعات والألحان الشائعة.

مشهد من الفيلم السعودي
مشهد من الفيلم السعودي "سطار: عودة المخمس الأسطوري" - المكتب الإعلامي للشركة المنتجة

هو فيلم مسل، خفيف، مع غلاظة فكاهته وخفتها أحياناً، يمكن أن تشاهده مع أطفالك على شاشة التليفزيون لتمضية بعض وقت الفراغ.

فيما عدا ذلك لا شئ مميز في "سطّار" إلا كونه يثير سؤالاً كامناً مقلقاً يشغل بال صناع السينما في السعودية (وبقية المنطقة العربية، بدرجة أو أخرى) حول نوع الأفلام التي يجب إنتاجها حالياً: هل الأفلام ذات الطموح الفني العالي، التي تشارك في المهرجانات والمحافل الدولية، لتشرف اسم البلد المنتجة، والتي تناقش قضايا مهمة إنسانية أو فنية، أم الأفلام التي تجذب الجمهور وتحقق تأثيراً ملموساً في الشارع وإيرادات تبرر وجودها والأموال الكثيرة التي تنفق عليها؟.

تلح الأسئلة الماضية بشكل أكبر حين نقارن "سطّار" بفيلم "أغنية الغراب"، الذي لفت الانتباه منذ عرضه خلال افتتاح دورة مهرجان البحر الأحمر الماضية، حيث حظي باشادة النقاد، ورشحته هيئة الأفلام السعودية لتمثيل المملكة في جائزة الأوسكار لأفضل فيلم دولي.

"أغنية الغراب" فيلم فني رفيع المستوى، يحمل مضموناً اجتماعياً وسياسياً، وأسلوب خاص مميز لصانعه على مستوى الكتابة والصورة السينمائية، ولكنه يخلو من مقومات الفيلم الشعبي، وغير مستساغ بالنسبة للقطاع الأكبر من المشاهدين التقليديين.

مكانه الطبيعي في المهرجانات والعروض الخاصة للمثقفين وعشاق السينما الفنية، ولكن من زاوية الصناعة والتجارة والتأثير الأفقي العريض على الجمهور العام فمحدود للغاية!

تتردد أصداء هذه الهوة الواسعة بين "الشعبي" و"النخبوي" عبر الفيلمين السعوديين الآخرين "عبد" و"طريق الوادي" المشاركين أيضا ضمن مسابقة مهرجان أفلام السعودية.

همّ اجتماعي

مثل "أغنية الغراب"، ينتمي "عبد" للسينما الفنية ذات الهمّ الاجتماعي، يبدأ بمواجهة بين أب تقليدي، يعمل محققا بالشرطة، وولده الذي تخرج في كلية الطب، إرضاء لوالده، ولكنه يرغب في السفر لملاحقة حلمه بأن يصبح طباخاً.

في المشهد التالي تعود زوجة إلى بيتها ف ساعة متأخرة تترنح وتحمل زجاجة خمر، وتدب مشاجرة بينها والزوج نعرف أنه السبب في إدمانها، ثم يكتب على الشاشة تحذير من الإدمان لنكتشف أن ما شاهدناه هو مقطع فيديو تمثيلي يبث على مواقع التواصل لزوجين شابين فنانين.

يُحدث المقطع صدمة وينال قسطاً كبيراً من الانتقادات والهجوم يؤدي إلى اعتقال الزوج والتحقيق معه من قبل الضابط، والد الشاب، الذي رأيناه قبلاً.

هنا ينتقل الفيلم إلى نوع آخر، يحيث يتبين أن المحقق لديه بليات سحرية من يبتلعها يعود في الزمن، يقوم المحقق باعطاء أحدها للشاب طالباً منه أن يٌعدل ما فعله في الماضي.

يعود الشاب ويقوم بتعديل الفيديو مع زوجته، ولكن ينال أيضا انتقادات وهجوم ويعتقل ثانية، وهو ما يتكرر عدة مرات، مهما فعل الشاب، حتى لو كان المقطع مجرد تصويره وهو يصلي.

يدرك الأب والشاب في نهاية المطاف أن آراء الناس ليست مهمة، وأن هناك من يعيشون على مراقبة الآخرين وتصيد الأخطاء لهم. والطريف أن الفيلم أثار عاصفة مماثلة من الجدل بمجرد عرض الإعلان التشويقي له، حيث قام صناعه بعرض لقطات من المقطع المشار إليه، وهي حيلة في غاية الذكاء، إذ أدرك المشاهدون بعد نزول الفيلم إلى دور العرض أن المقطع تمثيلي خيالي لم يحدث في "واقع" الفيلم. ولكن بمد اللعبة إلى آخرها، فإن كل الأفلام ينطبق عليها هذا، وهو ما يدركه المشاهدون في معظم بلاد العالم باستثناء المناطق التي يعتقد فيها البعض أن الأفلام هي صورة من الواقع.

الجمهور العائلي

"طريق الوادي"، مثل "سطار"، فيلم بسيط مسالم، يطرح موضوعه الاجتماعي بطريقة هادئة، عن الأخت التي تنتقل للمدينة للدراسة وترغب في الاستقرار بها، والأخ الصغير الذي يعاني نفسياً من غياب أخته، وذلك في إطار كوميدي غنائي، يستعرض الطبيعة الخلابة وحياة الريف الجميلة.

كل من "سطار" و"طريق الوادي" يتوجهان للجمهور العادي، العائلي، وهما يمثلان نقلة في السينما السعودية نحو تشكيل جمهور وذاكرة سينمائية محلية، بينما يحلق كل من "أغنية الغراب" و"عبد" فنياً، بعيداً عن محاولة إرضاء الجمهور، حتى وإن كان الهم الاجتماعي أكثر حضوراً فيهما.

ملحوظة أخيرة: الأفلام الأربعة تنتمي للنوع الكوميدي، وإن كانت تختلف في نوع الكوميديا الذي يقدمه كل منها.

كذلك يسري في الأفلام الأربعة تيار "فانتازي"، مفارق للواقع، حتى لو كانت تناقش هموماً واقعية، تتراوح من السيريالية والخيال العلمي إلى الحكاية الشعبية الخيالية.

4 أفلام جديرة بالمشاهدة والتأمل، تضع لبنات مهمة في بناء السينما الخليجية الذي يزداد ارتفاعاً من عام لآخر.

* ناقد فني

اقرأ أيضاً:

تصنيفات