السينما في السعودية: وقائع ثورة ثقافية معلنة (1 -3)

time reading iconدقائق القراءة - 7
المخرجات المشاركات في فيلم "بلوغ" - facebook.com/redseafilmfest/
المخرجات المشاركات في فيلم "بلوغ" - facebook.com/redseafilmfest/
القاهرة-عصام زكريا*

في 18 إبريل 2018 افتتحت المملكة السعودية أول دار عرض سينمائي، بعد عقود من حظر السينما وفنون أخرى. 

هذا اليوم التاريخي في ذاكرة السينما السعودية، لم يكن سوى بداية إعلان واعتراف بدور السينما وأهميتها وإشارة انطلاق لمئات من الشباب السعوديين من صناع الأفلام والراغبين في تعلم صناعتها، ودعوة مفتوحة لعشرات من المستثمرين داخل المملكة وخارجها ليقبلوا على صناعة السينما والدراما من دون وجل أو تردد، ولعشرات غيرهم من صناع الأفلام في العالم للذهاب إلى السعودية للبحث عن موقع تصوير أو موضوع تدور أحداثه في المنطقة. 

هذا ما حدث بالفعل خلال السنوات الثلاث التالية، لدرجة أن من يرى النشاط السينمائي في المملكة الآن، من بناء دور عرض وإقبال الجمهور عليها، ومن إنشاء مؤسسات وشركات وانتاج أفلام ودعم مشروعات ودورات تعليمية ومهرجان دولي سنوي، قد يتصور أن عمر السينما في المملكة عدة عقود لا سنوات معدودة.

"شاهد" و"نتفليكس"

يمكن ملاحظة "الثورة" التي حدثت في السينما السعودية خلال السنوات الماضية، عبر عدة منافذ منها الأفلام السعودية التي تعرض على منصتي "شاهد" و"نتفليكس"، أو الأفلام التي عرضت خلال المهرجانات السينمائية العربية، مثل "الجونة" و"القاهرة".

بالإضافة إلى الأفلام السعودية الكثيرة التي عرضت خلال دورات مهرجان أفلام السعودية الذي عقد لأول مرة في 2015 ونظمته الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون بالدمام، ومركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء)، ويحتفل هذا العام بدورته الثامنة، وهو المهرجان الذي شهد مولد عدد كبير من السينمائيين الشباب، بجانب كونه اعتراف رسمي بالسينما وتشجيع للعاملين بها، وهي الفكرة التي نمت وتطورت إلى إقامة مهرجان دولي كبير، هو مهرجان البحر الأحمر، الذي كان يفترض أن تقام دورته الاولى في 2020، وحالت جائحة كورونا من إقامتها، ولكن أقيمت فعالياتها من 6 إلى 15 ديسمبر 2021، وشهدت حضوراً قوياً للأفلام السعودية القصيرة والطويلة.

مع ذلك مخطئ من يتصور أن السينما في السعودية لم تكن موجودة قبل 18 إبريل، فالحقيقة أنه على الرغم من كل الظروف المعاكسة كان هناك على مدار العقدين الأخيرين صناع وصانعات أفلام شباب خارج المملكة وداخلها، بعضهم استمر وبعضهم توقف أو انتقل إلى التلفزيون أو أعمال أخرى.

ولو رجعنا إلى الماضي أكثر، فالسينما كانت موجودة في السعودية منذ ثلاثينيات القرن الماضي سواء كدور عرض أو انتاج لبعض الأفلام،  إلى أن صدر منعها بعد 1979 لأسباب يطول شرحها، وخلال تاريخها، ما قبل 2018، يمكن أن نرصد ما يقرب من 300 فيلم سعودي قصير، وأكثر من 10 أفلام روائية طويلة.

ولكن قبل أن نتطرق لماضي ومستقبل السينما في المملكة، يجدر بنا أن نٌلم ببعض الحقائق والأرقام المتعلقة بحاضر السينما في السعودية، والتي أستقي معظمها من تقارير وإحصائيات رسمية.

الشباب والسينما

مبدئياً، فإن السعوديين ليسوا منقطعين عن الوسائط البصرية أو الأفلام كما يتصور البعض، بل هم من أكثر الشعوب استخداماً لموقع "يوتيوب" والوسائط الإعلامية الأخرى. 

ويشكل الشباب تحت سن الثلاثين 70% من تعداد السكان في المملكة، وكثير من هؤلاء الشباب لديهم إلمام ملحوظ بعلوم الكمبيوتر والتقنيات الحديثة. 

وكثير منهم خارج وداخل المملكة يرغبون في العمل في السينما، وبعضم تلقى تعليماً عالياً في كليات ومعاهد السينما بالخارج وعادوا، أو يرغبون بالعودة لعمل أفلام في السعودية. 

وعلى مدار العقدين الماضيي قام عدد كبير من هؤلاء الشباب بصنع أفلام قصيرة ووثائقية وتحريك وبرامج لبثها عبر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وبعضهم لجأ إلى مسلسلات الإنترنت المعروفة باسم "webisode".

وعلى الرغم من فتاوى التحريم التي كانت تطارد السينمائيين الشباب، إلا أن بعضهم نجح في إنتاج أفلام قصيرة أو طويلة شارك بعضها في مهرجانات خارج المملكة، ربما كان أهمها مهرجان معهد العالم العربي في باريس (الذي استمر بمعدل دورة كل عامين من نهاية التسعينيات حتى 2006 قبل أن يتوقف) ثم المهرجانات السينمائية التي كانت تقام في الإمارات، ولا بد من ملاحظة الارتباط الوثيق بين دول الخليج خاصة الإمارات والسعودية في ما يتعلق بالسينما (ومجالات أخرى بالطبع).

الرواد الجدد

كانت البداية مع أسبوع "أفلام من الخليج" الذي نظم في الإمارات لعدة سنوات مع مطلع الألفية، ثم مهرجان "دبي السينمائي الدولي" الذي انطلق 2004، ثم مهرجان "أبو ظبي الدولي" الذي بدأ 2007، وفي العام التالي انطلق "مهرجان الخليج" المخصص للسينما الخليجية. 

وللأسف توقفت المهرجانات الثلاثة بعد عدة سنوات (بدأت فعاليات ثقافية سينمائية أخرى في الشارقة والعين)، ولكن يمكن القول إن هذه المهرجانات، مع مهرجان معهد العالم العربي، ثم بعض المهرجانات العربية الأخرى التي تقام في أوروبا أو العالم العربي، كانت الحاضنة الأساسية لجيل الرواد الجدد من صناع السينما في السعودية مع بداية الألفية الثالثة. 

داخل السعودية كان الأمر مختلفاً، فحتى سنوات قليلة مضت لم يكن مسموحاً للنساء بقيادة السيارات، وكانت وجوه النساء تغطى في الإعلانات، ولم يكن  مسموحاً بعرض الأفلام أو حفلات الغناء، إلى آخر التحريمات التي كانت تٌفرض رسمياً، ولكن بالطبع لم يكن ممكناً منع الناس من مشاهدة الأفلام أو سماع الموسيقى عن طريق الوسائل التكنولوجية الحديثة، خاصة بعد ظهور الإنترنت والهواتف الذكية.

 وفي منتصف 2009 حدث شيء مهم وهو إقامة عرض سينمائي لفيلم سعودي طويل بعنوان "مناحي" داخل أحد المراكز الثقافية بالرياض، وعلى الرغم من أن العرض اقتصر فقط على الرجال والأطفال حتى سن العاشرة فقط، إلا أنه أثار بعض الاعتراضات من ناحية، كما أثار حماس الآلاف، إن لم يكن مئات الآلاف من الشباب المتطلعين لمزيد من الانفتاح والواقعية. 

ويمكن القول إنه خلال السنوات التسع الفاصلة بين عرض فيلم "مناحي" وعرض فيلم "Black panther" الأميركي في دار عرض متخصصة ومتطورة، قد شهدت تغيرات كبيرة في ثقافة معظم السعوديين ونظرتهم للعالم.

*ناقد فني مصري

اقرأ أيضاً:

تصنيفات