مسلسل "ملح وسمرة".. الدراما الخليجية ترسخ قيم الاختيار 

الملصق الدعائي لمسلسل  "ملح وسمرة" - المكتب الإعلامي لمنصة شاهد
الملصق الدعائي لمسلسل "ملح وسمرة" - المكتب الإعلامي لمنصة شاهد
الكويت-عبد الستار ناجي*

عمل المسلسل الخليجي "ملح وسمرة"، على معادلة أساسية وهي ترسيخ قيم الاختيار الفني رفيع المستوى التى تنطلق من الكلمة والفكرة والمضامين مروراً ببقية مفردات الحرفة الفنية الدرامية التلفزيونية. 

على مدار 30 حلقة على منصة "شاهد"، تتواصل تلك الحكاية التى تتمحور حول "هند" الممرضة التى كانت حياتها هادئة مستقرة وهي تحتضن أسرتها، ولكن مع ظهور شخصية المحامية "إخلاص" بدأت تهب عواصف لتغير كل المعادلات، فإذا بتلك الإنسانة الهادئة تجد نفسها وسط عواصف تكاد تدمر حياتها وكل من يحيط بها. 

شخصيات ليست مكررة 

كتابة ذكية ثرية عميقة تذهب إلى التحليل وتتجاوز المصادفات التى تغرق بها الدراما الخليجية والعربية بشكلٍ عام، واستدعاء لشخصيات ومنحها التاريخ والعمق والعلاقات الإنسانية المتداخلة، هكذا عمل الكاتب والسيناريست حمد الرومي وبلياقة عالية تحترم وعي المُشاهد وفتح آفاقه إلى فضاءات التأمل والتحليل في إطار من المنطقية والعمق. 

حمد الرومي في "ملح وسمرة" جعل لكل شخصية مساراتها وأبعادها ومضامينها الإنسانية والاجتماعية، وأيضاً الخصوصية، حيث لا شخصيات متشابهة أو مكررة أو مستعادة، وهذا ما يمنح الفنان حالة من التحدي للتقمص والمعايشة والعمل على الشخصية، وهو ما نلمسه مع النسبة الأكبر من شخصيات هذا العمل، خاصة الفنانة هدى حسين التى تعمل على شخصيتها والنقلات الدرامية التى تعصف بها. 

في "ملح وسمرة" الحكاية أساس، والأحداث تتطور بإيقاع متماسمك عميق، والشخوص تتداخل حلقة بعد أخرى عبر احتفاء عال بالبشرة السمراء، وتحليل ذكي للظروف التى تحيط بهم اجتماعياً ولربما ما هو أبعد من كل ذلك. 

الملصق الدعائي لمسلسل  "ملح وسمرة"- المكتب الإعلامي لمنصة "شاهد"

عبر تلك الشخوص التى ينثرها الكاتب حمد الرومي، نجد أنفسنا أمام شخصيات رُسمت بعناية وكُتبت بعمل وثراء وهي لا تذهب إلى قضايا هامشية، بل إلى العمق الإنساني حيث تحقيق الذات والتعبير عن المهام وتعبها اليومي. 

تجانس وتناغم 

وفي المقابل عمل المخرج البحريني على العلي، بمساحات أكبر من أجل منح تلك الشخصيات والأحداث حضورها ونبضها وإيقاعها عبر حلول إخراجية تخلو من المبالغة والبهرجة، ولكنها تجعلنا نلتصق بتلك الشخصيات حتى ما هو مطروح بشكل كوميدي عذب وسلسل كما في شخصية "عبد الله سويد"، في مقابل شخصيات عاصفة المتغيرات والانتقال بين الحالات الدرامية كما في شخصية "هند" الفنانة هدى حسين، و"إخلاص" الفنانة فاطمة الصفي، وأيضاً الفنان عبد الله البلوشي التى جسدها بكثير من العمق . 

استطاع المخرج على العلي وفريقة الفني التقني أن يمنح التجربة الكثير من الأبعاد الإضافية وهو يقدم تلك المشاهد بتجانس وتناغم وإيقاع متصاعد، وإن ظلت بعض الملاحظات في الحلقات من 20 إلى 25 والتى عانت من شيء من الارتخاء في الإيقاع وربما المط في الأحداث، ولكنها بعد ذلك تشهد صعوداً متتالياً.

تجربة مليئة بالقيم 

خلف هذة التجربة يقف منتج يعي حرفته ويعمل على الرهان المشترك الذى تنطلق منه التجربة، ألا وهو ترسيخ قيم الاختيار الفني الذي يليق أولاً بالدراما التلفزيونية الخليجية وأيضاً بالمتلقي في كل مكان، لذا تأتى التجربة سخية بالقيم والطروحات وأيضاً مجموعة الفنانيين الذين تناغموا في تقديم التجربة، ونضيف إلى كل ما سبق، الفنانين جمال الردهان، وسحر حسين، وعبد الله الطراروة.

ونشير إلى أن الطراروة بات من الوجوه القادرة على الكينونة عبر الشخصيات التى يقدمها، حيث يشتكل ويذهب إلى مناطق بعيدة في التجربة والشخصية تدهشنا وتمتعنا. 

وبالعودة إلى المنتج جمال سنان، فهو بات اليوم أحد أبرز المنتجين على الساحة الفنية، ويعي تماماً أهمية التعاون مع نجمة بمكانة الفنانة هدى حسين التى التقى بها للمرة الأولى ضمن تعاون مشترك مع المنتج عبد الله السيف حتى أمن بقيمتها ومكانتها والصعوبة الكبيرة في اختيارتها ونوعية الأعمال والشخوص والقضايا التى تذهب إليها.

وعلي مدى السنوات الست الماضية، شهدت الساحة الفنية تعاونات غاية في الأهمية بين الفنانة هدى حسين والمنتج جمال سنان، أبرزها "كف ودفوف"، و"من شارع الهرم إلى .."، و"ست الحسن"، وغيرها من الأعمال التى رسخت منهجية التعاون بينهما، وهو منهج يعمق حضور الدراما الخليجية، ويؤكد أن هكذا التعاون لا يكتمل إلا بفريق عمل عال المستوى على صعيد الكتابة والتمثيل والإخراج والإنتاج السخي الذى يمنح التجربة حضوراً أكبر للتحليق بعيداً والانتشار.

ويبقي أن نقول: هدى حسين في "ملح وسمرة" أكدت بأنها نجمة تعرف ماذا يريد الجمهور الحقيقي لتعزف على إيقاعه وأوتاره عبر رؤى واختيارات فنية تليق باسمها وتجربتها الفنية. 

*ناقد فني

اقرأ أيضاً:

تصنيفات