تواجه غالبية المهرجانات السينمائية في مصر أزمة مادية كبيرة، خلال الفترة الأخيرة، في ظل تراجع قيمة الجنيه المصري أمام الدولار، مع ثبات ميزانية المهرجانات وحصص الدعم المخصصة من وزارة الثقافة، الأمر الذي قد يُهدد مصير الدورات المقبلة.
وتتزامن الأزمة مع استعدادات الدورة المهرجانية الجديدة، التي ستنطلق في الربع الأخير من العام الجاري، وتضم مهرجانات الإسكندرية لدول البحر المتوسط، و"الجونة" و"القاهرة السينمائي"، وغيرها.
وانعكست الأزمة على الدورة الماضية لبعض المهرجانات السينمائية، إذ واجهت معاناة في توفير نفقات تغطي تكلفة تذاكر السفر والإقامة للضيوف، الأمر الذي يعكس إمكانية تفاقم الموضوع، رغم محاولات البحث عن حلول.
وقال مصدر مسؤول بوزارة الثقافة المصرية، رفض ذكر اسمه، لـ"الشرق"، إنّ: "الوزارة لم تستقر على الميزانية التي ستدعم بها المهرجانات السينمائية في الدورات المقبلة حتى الآن، فالأمر يتوقف على موازنة السنة المالية الجديدة يوليو المقبل، ومقرر الاجتماع مع مسؤولي المهرجانات خلال أسابيع لتحديد ميزانية كل مهرجان".
مصادر بديلة
مدير مهرجان القاهرة السينمائى، المخرج أمير رمسيس، قال "نواجه تحدياً كبيراً أمام خروج الدورة الـ45 بشكل مميز، في نوفمبر المقبل، ونعمل بكل جدية للحفاظ على قوة المهرجان، خاصة أنه يحظى بقوة دولية كبيرة، ومن أهم المهرجانات في الشرق الأوسط، لذا لا نستطيع إلغاء أي فعالية".
وأكد لـ"الشرق" أن "الدولار ساهم في ارتفاع الأسعار بشكل لا يمكن تحمله، الأمر الذي يُشكل تحدياً أمام اختيار الأفلام وتكلفة استضافة الضيوف الأجانب، وذلك بجانب القيود المفروضة على تحويل العملة الأجنبية".
وأوضح أن إدارة المهرجان، تحاول البحث عن مصادر دخل بديلة، لزيادة الموارد المادية، من خلال التعاقد مع رعاة إضافيين، قائلاً إن: "هذا الحل هو الأنسب للتغلب على الأزمة، ما يضمن الحفاظ على مستوى المهرجان".
مديونية
ومن جانبه، قال رئيس مهرجان أسوان لأفلام المرأة الكاتب محمد عبد الخالق، إنّ: "إدارة المهرجان لازالت تُسدد مديونية الدورة الماضية التي انتهت في مارس الماضي، بميزانية بلغت 10 مليون جنيهًا (325 ألف دولار)، إذ شهدت النفقات زيادة كبيرة، خاصة تذاكر الطيران، كما خفضت وزارة الثقافة الدعم بنسبة 30%".
وأضاف عبد الخالق، لـ"الشرق": "لم تبدأ تحضيرات الدورة الجديدة حتى الآن، وبالتأكيد سنواجه أزمة مالية أكبر من الدورة الماضية، بسبب الزيادة الكبيرة في الأسعار، بشكل يفوق طاقة أي مهرجان".
وزعم عبد الخالق أنّ "وزارة الثقافة لم تتعامل مع المهرجانات بشكلٍ حيادي، فقد أعلنت عدم تحملها تذاكر طيران الضيوف لمهرجان أسوان، وفي المقابل، دعمت وتحملت نفقات مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية، في مارس الماضي".
وتابع "كان من الممكن أنّ نعتذر للضيوف الأجانب من أعضاء لجان التحكيم والمُكرمين وصُناع الأفلام المُشاركة، بعدما تراجع دعم الوزارة للمهرجان بشكلٍ كبير، لكن رفضنا ذلك، لأن الأمر سيكون بمثابة فضيحة، خصوصاً وأنّ المهرجان يحمل صفة دولية وليست محلية، فقد قررنا تحمل النفقات ومواجهة تلك الأزمة".
وشدد على ضرورة استمرار هذه المهرجانات المصرية، كونها "أكبر دولة في المنطقة تُصدر الثقافة"، مؤكداً أنّ "القائمين على مهرجان أسوان لديهم إصرار كبير على الاستمرارية وخوض التحدي من جديد، لعدم توقف المهرجان، ونبحث حالياً عن حلول وشركاء من المجتمع المدني، حتى نستطيع تقديم الدورة المُقبلة في مارس 2024".
ميزانية ثابتة
كما أكد رئيس مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية سيد فؤاد، لـ"الشرق"، أن "المهرجان يُعاني من أزمة شديدة بسبب زيادة الأسعار أيضاً، خاصة وأن الميزانية ثابتة منذ 6 أعوام، رغم تغير سعر العملة وتراجع قيمة الجنية بشكلٍ كبير"، لافتًا إلى المحاولات القائمة منذ شهور عدة للبحث عن حلول دائمة للأزمات المادية التي يواجهها المهرجان.
وأشار إلى أنّ "المهرجان في الدورة الماضية استطاع الحصول لأول مرة على دعم عيني ومادي، من وزارة الخارجية، لكن في نفس الوقت دعم وزارة السياحة والآثار تراجع إلى النصف تقريباً، فيما تدعم وزارة الثقافة في حدود الإمكانيات المتاحة"، مُشيراً إلى بدء التجهيز للدورة الجديدة رغم تلك الظروف المادية الصعبة.
وأضاف أنه يبحث حالياً عن قنوات دعم جديدة، من بعض الجهات والمؤسسات الخاصة، لاسيما وأنّ "الأقصر للسينما الإفريقية" أصبح من أهم المهرجانات السينمائية التي تقام في مصر، لافتاً إلى أن "عرض البرومو الخاص بالمهرجان، عبر القناة الخامسة الفرنسية، بمثابة دعاية تساوي ملايين الجنيهات، وتعكس مدى أهمية وتأثير المحفل نفسه".
مقترح
ويرى المخرج عمر عبد العزيز، رئيس اتحاد النقابات الفنية، أنّ "الحل الوحيد أمام المهرجانات السينمائية، للخروج من هذه الأزمات المادية، هو البحث عن رعاة جُدد"، إذ أبدى تعاطفه مع إدارات هذه المهرجانات في تلك المحنة المادية الصعبة بسبب ارتفاع الأسعار بشكلٍ جنوني وتراجع قيمة الجنيه.
وأوضح عمر عبد العزيز، لـ"الشرق"، أنّ "هذا الغلاء قد يؤثر على عدد ضيوف كل مهرجان، وكذلك حجم الفعاليات وغيرها"، متابعاً أنّ "وزارة الثقافة تقف مكتوفة الأيدي لأنها مُقيدة بميزانية محددة تتعامل على أساسها".
وحول احتمالية توقف بعض المهرجانات السينمائية، العام المُقبل، أكد أنّ "هذا الأمر وارد، إذا فشلت بعض الإدارات في تدبير النفقات اللازمة، والتعاقد مع رعاة جُدد يتحملون الزيادة الكبيرة في الأسعار".
اقرأ أيضاً: