الكوميديا في رمضان 2023.. وصفارة العودة إلى الماضي 

الملصق الدعائي لمسلسل "الصفارة" - facebook/Elsofaara
الملصق الدعائي لمسلسل "الصفارة" - facebook/Elsofaara
القاهرة-رامي عبد الرازق*

في كل مرة تمسك شخصية "شفيق" بالصفارة وينفخ فيها، يعود إلى نفس اللحظة التي يتصور أن حياته كلها تغيرت بسببها، ومن ثم يحاول من جديد أن يُعيد تشكيل الماضي بما يضمن نقاء المستقبل من شوائب الفشل في العمل والحب والزواج.

يمكن القول أن صفارة العودة إلى الماضي ليست مجرد أداة فانتازية في المسلسل الكوميدي الأبرز في الموسم الحالي "الصفارة" بطولة أحمد أمين وطه الدسوقي، ولكنها أقرب إلى حالة أو زاوية أساسية يمكن من خلالها التوقف أمام مجموعة الأعمال الكوميدية التي شهدتها الشاشة الرمضانية هذا العام في مصر.

في العام الماضي كسبت يسرا بمسلسلها الكوميدي الاجتماعي "فرصة سعيدة" أرضية طازجة بعدما اعتصرت الكثير من الدموع ضمن الميلودرامات العائلية التي وقعت في شباكها لعدة مواسم.

وهذا العام قررت أن تنفخ في صفارة الماضي لكي تعود إلى الكوميديا على أمل أن تحافظ على نفس الأرضية المكتسبة، فقدمت مسلسل "1000 حمد لله على السلامة" تأليف محمد ذو الفقار، في شخصية امرأة تعود مع أسرتها من أميركا لتفاجأ بفداحة التحولات الاجتماعية عبر ما يعرف بـ"كوميديا الصدمة الثقافية"، والتي سبق وأن لعب عليها بنفس الأسلوب والسياق أحمد حلمي في فيلمه "عسل أسود" عام 2010 وسلوى خطاب في "إمبراطورية مين" عام 2012، وهو ما يعتبر مزيداً من النفخ في "صفارة" الماضي دون إحراز أي تقدم على مستوى إعادة إنتاج التيمة والتي هي واحدة من الظواهر الأساسية في المسلسلات الكوميدية هذا العام.

"كامل العدد"

بنفس مبدأ استدعاء تيمة تقليدية سبق وأن قُدمت أكثر من مرة، أقدمت دينا الشربيني على خوض تجربة "كامل العدد"، تأليف رنا أبو الريش ويسر طاهر، وهي تيمة الفيلم المصري الشهير "عالم عيال عيال" الذي وجه لهم صُناع المسلسل التحية، في إبراء واضح للذمة الدرامية على عكس يسرا وفريق عملها.

ولكن شتان ما بين المعالجة التقليدية حد الرتابة والتكرار والافتعال في مسلسل يسرا، وبين طزاجة الكوميديا ورشاقة الإيقاع ومحاولات سكب تقديم التيمة القديمة في رؤية حديثة سواء على مستوى عدد الأبناء لكلا الزوجين شريف سلامة ودينا الشربيني -7 أبناء فقط وليسوا 14 مثل الفيلم الأصلي الذي هو نسخة مصرية من فيلم أميركي شهير- أو على مستوى الاشتباك مع بعض قضايا المراهقين والأطفال في اللحظة الآنية، رغم انتماء أبطال العمل إلى شريحة رفيعة في المجتمع لا تعاني من أثار الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تشهدها البلاد، وربما كان هذا واحداً من أسباب جاذبية العمل وهو إنتاجه لواقع مبهج حتى في مشاكله وقتامة أزماته.

ومع محاولة الإخلاص إلى النوع، من خلال الاعتماد على كوميديا الموقف اعتماداً أساسياً، وهي مغامرة في حد ذاتها نظراً لارتباط المتفرج المصري والعربي خلال العقود الأخيرة بكوميديا الإفيه والتي تم استهلاكها حد الابتذال من ناحية، وأفرزت نماذج بلا حس فكاهي أو طرافة أصلية سواء على مستوى الكتابة أو الأداء من ناحية أخرى.

من هنا يغيب عن "كامل العدد" الوجوه التقليدية التي أصبح حضورها من باب التوابل الكوميدية والتي تصبح مهمتها الأساسية إطلاق الإفهيات داخل المشاهد من باب الاسكتشات الفاصل ثم العودة إلى سياق الدراما، في مقابل ذلك اعتمد صُناع العمل على الكثير من المواقف التي تنتمي لنفس سياقات العمل أو التيمة الأصلية، مثل مشاكل الأولاد في البيت والمدرسة والمول، وحبس الأزواج في الفندق، وبالتالي لم يفرز هذا العمل الكثير من "الميم" على السوشيال ميديا، ولكنه استطاع أن يحقق نجاحاً حقيقياً على أرضية التلقي الحقيقي وليس في فراغات "التريند".

صفارة الكبير

المقارنة بين محاولة يسرا مع صفارة الماضي، ومغامرة دينا الشربيني مع نفس الصفارة، نجد نتيجة بديهية وهي أن ظاهرة العودة إلى التيمات التقليدية ترتبط في نجاحها على أصالة المعالجة وجرأة الخوض في سياق مختلف عن السائد والقهري.

ويكفي النظر إلى الموسم الثاني من المسلسل الرمضاني الأشهر في السنوات الماضية "رمضان كريم" الذي فشل في تطوير شخصياته الأساسية التي ارتبط بها الجمهور ووقع في شباك النمط القهري، من استدعاء بيومي فؤاد، وويزو وبدرية طلبة على اعتبار أنهم ماركة كوميدية مسجلة تضمن الإفهيات المطلوبة وتستجدي الشرائح التي ترتبط بصورتهم الاعتيادية، وكأننا أمام فيلم من أفلام العيد ضمن خلطة السبكي المعروفة، مع الإبقاء على بعض الوجوه التي جاء حضورها شبحاً وخطوطها أقرب للذكريات منها للأحداث والتفاصيل والمواقف التي تعكس تطور حقيقي أو رصد للحالة الاجتماعية.

وذلك كما سبق وخاضها العمل في موسمه الأول بكل طزاجته، ولم يسعف التجربة الجديدة أن تنفخ في صفارة الماضي باستعادة أغنية حكيم الشهيرة من الموسم الأول وتضمينها مشاهد من الموسم الجديد، لأن الجمهور أدرك مع ضحالة الحلقات وهزليتها الركيكة وتفكك خطوطها أن المسألة لم تعد أكثر من استجداء رخيص ومحاولة ربط هزيلة مع الموسم الأول والأصلي للمسلسل.

"الكبير أوي"

وبنفس منطق الربط الهزلي والهزيل، يأتي العمل الأكثر ارتباطاً بصفارة الماضي هذا العام، وهو الموسم الـسابع من مسلسل "الكبير أوي" الذي ومن الغريب يركن معه أحمد مكي إلى الخمول الإبداعي التام بعدما شكل هو نفسه رأس السهم الذي انطلق خلال العقد الأخير على مستوى التجريب وكسر الأنماط واستعادة أنواع، مثل كوميديا المحاكاة الساخرة -البارودي- بعدما فقدت بريقها منذ تجارب فؤاد المهندس في الستينيات.

والأغرب أن أحمد أمين الذي يمثل مسلسله "الصفارة" التجربة الكوميدية الأبرز والتي توازي "كامل العدد" في الجاذبية والطزاجة بل وتتفوق عليها في تنوع الأساليب الكوميدية -إفيهات ومواقف ومحاكاة ساخرة وفانتازيا- يبدو أنه مستوعباً لتجربة مكي أكثر من مكي نفسه.

ففي الوقت الذي لا يبرح فيه "الكبير" مساحته شبه الآمنة والمتمثلة في شخصيات "مربوحة" و"هجرس" و"جوني" بالإضافة إلى نمطية شخصية "الكبير" نفسها بكل متناقضاتها من لغة وأسلوب عنيف، نجد أمين يخوض تجربة بارودي جيدة الصنع مأخوذة من خليط أفلام "أثر الفراشة" و"كليك"، بل ومن أفلام أعتمد عليها مكي نفسه في انطلاقته الأولى مثل "Bedazzled"، بل أن الحلقات الوحيدة التي كان من الممكن أن تشكل خروج عن السياق النمطي للموسم وهي حلقات علاء مرسي في دور "الخاطف السيكوباتي"، وبدلاً من أن نرى محاكاة ساخرة من التي يجيد مكي صياغتها لهذا النمط من الشخصيات، جاءت الحلقات ثقيلة الظل والإيقاع ومفتعلة بدرجة تجاوزت حتى حدود الطرافة الآمنة التي حاول الحفاظ عليها طوال الموسم الماضية.

وذلك في مقابل جرأة لتجربة أحمد أمين، ليست فقط على مستوى الأسلوب، ولكن لأن "الصفارة" يحتوي على قدر من العمق الذي يتحسس كل من يقدم أو يشاهد عمل كوميدي مسدسه كلما استشعره، خوفاً من أن يفسد الحالة الخفيفة التي يحرص عليها الصُناع واعتاد عليها المتلقين ضمن العادات السيئة للمشاهدة؛ فـ"الصفارة" في كل عودة إلى الماضي يعرض الشخصية لاختبار إنساني حقيقي بداية من سؤال الثروة والمال في حلقة الإفيه الشهير "هي الشوكولاتة بقت من الثوابت"، مروراً بأسئلة الشهرة في حلقة تحول "شفيق" إلى الفنان "نو نو"، أو سؤال القوة والسيطرة "حلقة المهاتما"، أو سؤال الرضا والخنوع "حلقة من فيصل إلى السالبية"، أو سؤال الجاذبية "حلقة شيرين رضا".

ومع كل سؤال أو اختبار يستخدم أمين أدواته التي طورها عبر تجربته القصيرة نسبياً في "البلاتوه" و"أمين وشركاه"، ولكن مع الابتعاد النسبي عن فقرات الاسكتشات المطولة التي تفسد الإيقاع، وهو ما يحسب لمخرج العمل علاء إسماعيل، بالإضافة إلى الاعتماد على مناصفة البطولة بشكل أساسي مع طه الدسوقي بكل طزاجته واستغلالاً لنجاحه في "موضوع عائلي"، مع توازن ناضج ما بين المحاكاة الساخرة والإفيهات المعتمدة على الجناس "القلش بالتعبير المصري" في مقابل اعتماد كبير على تنوع النماذج المقدمة خلال العودة للمستقبل سواء على مستوى الشكل "البدانة والصلع والصوت الغليظ والضحكات الرفيعة"، أو الصفات الشخصية "الغباء والجلافة واللغة الشعبية والسذاجة".

ومن المعروف أن الدراما في مختلف أشكالها تقوم بالأساس على زخم وتنوع وخصوبة الأبعاد الثلاثة الخاصة بالشخصيات "الشكل والصفات والبيئة"، وهو ما أنجزه أمين في تجربة "الصفارة" بصورة جعلت عودته للماضي، في اقتباسه واعتماده على تيمة "أثر الفراشة" أكثر المسلسلات قوة ونضجاً وتميزاً بل واستيعاباً للتجارب التي سبقته أو نافسته في الموسم الحالي.

* ناقد فني

اقرأ أيضاً:

تصنيفات