اعتبرت المخرجة السودانية سارة سليمان، إنّ عرض فيلمها الوثائقي الأول "أجساد بطولية"، ضمن فاعليات الدورة الـرابعة من مهرجان عمّان السينمائي الدولي - أول فيلم، بمثابة خطوة مهمة، في توصيل رسالتها إلى الجمهور العربي بشكلٍ عام.
ويتناول الفيلم، القهر والقمع التي تعرضت له المرأة السودانية في عقود سابقة، مع الدعوة إلى التحرر وكسر أي قيود مجتمعية، في سبيل الوصول إلى الحرية.
وقالت سارة سليمان، خلال حوارها مع "الشرق"، إنّ: "رسالتي من الفيلم ليست ترفيهية فحسب، بينما رسالة تخاطب العقول نحو التغيير والتفكير الإيجابي، وتضع المشاكل التي تواجهها المرأة أمام الجمهور بتسليط الضوء عليها، ليكون لديهم إدراك بها".
وقالت إن: "الوعي بالمشكلة، هو البداية الحقيقية لحلها ومواجهتها، خاصة وأن البعض كان يتعامل مع قمع المرأة وكأنه شيئاً من الأمور المُسلّم بها، لذلك عرض الفيلم عربياً يسعدني للغاية، ويؤكد أن هناك جهات عديدة مؤمنة بالقضية التي أتناولها".
وأعربت سارة عن سعادتها بلقاءها بالجمهور الأردني لأول مرة، لاسيما وأنها دخلت في جلسة نقاشية مع مجموعة من الشباب الأردني، الشغوف بالسينما، ويسعى ليكون جزءاً من تلك الصناعة خلال الفترة المقبلة.
وخاض الفيلم، جولة في عدد من المهرجانات السينمائية حول العالم، حيث جاء عرضه العالمي الأول في مهرجان الفيلم الوثائقي في إمستردام "إدفا"، نوفمبر الماضي، فشارك في قسم "front light"، ليكون أول فيلم وثائقي سوداني يشارك بهذا القسم، ثم عُرض في "مالمو للسينما العربية"، ومهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية، ومهرجان القدس للسينما العربية في فلسطين، وحصل على جائزة شيرين أبو عقلة، كأفضل فيلم وثائقي، كما عُرض في السودان، وبريطانيا، فيما سيُعرض في نيويورك سبتمبر المقبل
رسالة بحث
وكشفت المخرجة السودانية سارة سليمان، كواليس التحضير لفيلم "أجساد بطولية"، حيث جاء نتيجة بحث مطول بعنوان "سياسات الجسد في الحركة النسوية السودانية"، وكان موضوع دراستها بإحدى جامعات لندن، إذ التحقت بمدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية هناك، وكانت تنجزه لنيل درجة الماجستير.
وقالت إنها تناولت في هذا البحث، نظرية "سياسة الجسد" بالنسبة للمرأة، ومدى القمع التي تتعرض له في السودان، وكيف تقمع الحكومات أجساد النساء؟، وكيف تشوه العادات والتقاليد هذا الجسد؟ وغيرها، لافتة إلى وجود مادة قانونية حتى وقت قريب بالعصر الحديث للسودان، تُعاقب على المظهر العام والسلوك للمرأة، والعقوبة تقتصر على الجلد في مكان عام، أمام المارة.
وأوضحت أن "غالبية مشاكل المرأة السودانية تدور حول جسدها، لذلك كانت لديّ رغبة في توجيه رسالة للجمهور، بشأن التحرر الجسدي وكسر أي قيود، خاصة وأنني نشأت في بيئة تميل إلى قمع المرأة، لذلك كنت شغوفة وعلى قدر عالٍ من الاهتمام بالبحث في تلك النوعية من القضايا".
وقالت سارة إنّ الفيلم ينتمي إلى الأعمال التاريخية، حيث تبدأ الأحداث مع مطلع عام 1900 وتستمر لمدة 7 عقود، وهي الفترة التي شهدت بداية الاستعمار الإنجليزي، حتى الاستقلال وما أعقبه من حكومات عسكرية متتالية، موضحة أن "البحث يتناول الأحداث الذي عاشها السودان الحديث، لكن لم أشير له في الفيلم، نظراً لوجود اختلاف كبير بين الفترتين، فضلاً عن ارتباطي بمدة زمنية محددة".
واستكملت "البحث طويل جداً، والمادة المصورة الخاصة بالسودان القديم، بلغت مدتها 15 ساعة، لكن تم اختصارها في 95 دقيقة فقط، وإذا كنت تناولت الفترة الحديثة داخل الفيلم، لتجاوزت مدته الـ5 ساعات".
جمع الأرشيف
وتحدثت المخرجة السودانية، عن مرحلتي التحضير والتصوير، التي استغرقت نحو 4 أعوام، إذ بذلت جهوداً ضخمة خلال رحلة البحث عن المواد الأرشيفية، وجمعها من جهات مختلفة داخل السودان وخارجه، قائلة: "استعنت بأرشيف من بريطانيا، والسودان، وكذلك من أسر تعيش خارج البلاد، بجانب أرشيف من قبل أول سينمائي سوداني، وغيرها".
وتابعت أن "الفترة الزمنية التي يتناولها الفيلم، لم تكن وقتها المواد المصورة متاحة بكثرة، لكن استعنت بفيديوهات من إحدى الجامعات في لندن، صورها الإنجليز، بمعداتهم الخاصة، حيث كانوا يعملون في السودان آنذاك"، متابعة أنها استعانت بعدد من الممثلين، وكذلك فنانين تشكيليين، لرسم لوحات معينة.
تحديات
وحول التحديات التي واجهتها خلال تجهيز المادة الأرشيفية، قالت سارة سليمان، إن: "كل مرحلة كان لها التحدي الخاص بها، فالمرحلة الأولى المتعلقة بالبحث والكتابة كانت مرهقة للغاية، خاصة فيما يتعلق بإعداد المادة والكتب، فكنت أستعن بالمخزون الذي في ذاكرتي، حيث اعتدت على قراءة الكتب منذ طفولتي، وقرأت العديد منها".
ولفتت إلى أن "السودان يعاني من أزمة في الكتابة والتوثيق، لذلك كنت أبذل رحلة شاقة جداً خلال البحث عن كتاب بعينه، وكنت أطرق الأبواب على بعض شخصيات في منازلها لاستعارة كتب من مكتبتهم الخاصة، حيث إن المكتبات العامة لم يكن بها ما أريده"، متابعة "الناس كانت ترافقني في شكل أقرب إلى طاقم حراسة، حتى أصل إلى المنزل، لإدراكهم بأن الكتب التي أحملها نادرة جداً، وذات قيمة عالية".
وأشارت إلى تحدي آخر واجهها وهو التمويل، حيث إن: "الفيلم جرى تنفيذه بشكلٍ مستقل تماماً، حيث لم تكن لدىّ الخبرة الكافية للتواصل مع جهات لدعم المشروع، لذلك تحملت كل النفقات المالية، رغم أن إعداد الأرشيف كان مكلفاً للغاية، كما أنها قدمت أغنية خاصة لعرضها نهاية الفيلم، والتي استغرقت وقتاً طويلاً".
وقالت سارة أن"الشيء الذي تعلمته من تجربتي الأولى في صناعة الأفلام، هو أن يكون صاحبه صبوراً على المادة الفيلمية، الأمر الذي قد يسهم في خروجها بشكلٍ احترافي".
وحول اختيار المشاركين في الفيلم، أكدت أن ظهور تلك الحالات لم يكن عن طريق الصدفة، بل كانت تدرس كل مصدر، ومُخطط له منذ البداية، إذ استغرقت تلك المرحلة وحدها نحو عامين، موضحة "هناك أشخاص ظللت أنتظرهم لمدة عامين، حتى يكونوا في جاهزية للتسجيل، وشخصيات أخرى كانت خارج السودان، وأناس لم يكن مستعدون في وقتها لمرورهم بظروف معينة، سواء صحية أو غيرها، بجانب مصادر مهمة تعمل في قطاع الصناعة، فكان لا بد من فتح اتصالات مع جهات أخرى بشأن التسجيل معهم".
وقالت إنّ: "اهتمامها بالنشاط النسوي، وامتلامكها لشبكة مصادر متنوعة، سهّل عليها تلك مهمة التسجيل نوعاً ما، كما أن بعض الحالات كانت تعرفني جيداً، ورحبوا بالظهور فوراً"، لافتة إلى أن"غالبية المصادر مهمومة بمشاكل المرأة، حتى الرجال على وعي كبير بهذه المعاناة اللواتي يتعرضن لها النساء في السودان، والكثير منهم يحاول التغيير ومناهضة ذلك"، موضحة أنها لاقت دعماً وترحيباً من الضيوف، لاعتقادهم بأن ذلك شيء مفيد لصالح المجتمع.
اقرأ أيضاً: