"زوجة واحدة لا تكفي".. دراما المسكوت عنه في العالم العربي

الملصق الدعائي لمسلسل "زوجة واحدة لا تكفي" - instagram/shahid.vod
الملصق الدعائي لمسلسل "زوجة واحدة لا تكفي" - instagram/shahid.vod
القاهرة -حنان أبو الضياء*

يبدو أن استخدام المقولات الأدبية مع بداية "التترات" في كل حلقة من المسلسلات، أصبحت موضة، يحرص عليها العديد من صانعي الأعمال الدرامية.

وجاء مسلسل "زوجة واحدة لا تكفي" ليقدم تلك المقولات بأسلوب خدم الرسالة التي تريد الحلقات تقديمها، وبشكل متواز مع الخط الدرامي الأساسي للعمل الفني، الذي يدور حول عائلة رشيد وهيلة، اللذان يمتلكان مدرسة مختلطة بين صبيان وبنات، ولديهما ثلاث بنات (زينة، شروق وعلياء)، ولكل منهن حكاية، تتفرع منها مواقف عدة، وأفكار يريد المؤلف طرحها على المجتمع. 

"زينة" متزوجة 6 مرات ومن كل زوج لديها ولد، ومن خلال شخصيتها تناقش فكرة الزواج أكثر من مرة، وتأثير ذلك على الأبناء، خاصة أن السيناريست قدم "زينة" كنموذج الأم الأنانية، وهي النموذج المضاد لشخصية الأم "هيلة".

الابنة الثانية "شروق"، متزوجة من "ناصر" ولديهما "محمد" و"قوت القلوب"، ومن خلالها نتعرف على نموذج الزوجة التي تتعرض للضرب من زوجها، رغم أنه يحبها. 

البناء الدرامي لشخصيات أبناء "شروق" جعلت منه المؤلفة هبة مشاري حمادة وسيلة لمناقشة مشكلات الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، فابنها يعاني التوحد، وللأسف لم تطرح تلك المشكلة بشكل جيد، يخدم الفكرة التي قدمت الشخصية من أجلها، وأعتقد أن المسلسل كان سيزاد ثقله الفني إذا أتيح لهذا الخط قدر أكبر من المناقشة، ولكن ضاع الهدف وسط هذا الكم الهائل من القضايا، التي أراد المسلسل طرحها. 

أما ابنة "شروق" فنموذج للطالبة المستهترة دراسياً، والتي لا ترى أهمية للدراسة، وكما حدث مع العديد من المشاكل المقدمة في المسلسل يقدم النموذج، ويشار إليه في عدة مشاهد، دون إيجاد وسيلة للحل.

أما شخصية "علياء" الابنة الثالثة لعائلة "رشيد" و"هيلة"، فمتزوجة بالسرّ من "حلمي" الذي يعمل في المدرسة، تلك الشخصية قدمت من دون جذور تجعلها تتزوج سراً، والغريب أن تعامل الأب مع تلك المشكلة لم يخرج عن حالة انفعال عندما علم بكونها حاملاً، ثم تلاشي الأثر بعد ذلك لنعيش تفاصيل حكاياته مع زوجاته الثلاث الأخريات، والمواقف الكوميدية الناتجة من محاولات الجميع إخفاء الأمر عن زوجته "هيلة".

مفردات الشخصية

استوقفني كثيرا شخصيتي مسلسل "زوجة واحدة لا تكفي" "رشيد" و"هيلة"، فرغم الرؤى الإبداعية بين مؤلفته هبة مشاري حمادة، ومخرجه المميز البحريني علي العلي، وأداء ماجد المصري وهدى حسين، إلا أن النمطية غلبت عليها ولم يقدم ماجد المصري جديداً في تلك الشخصية، وربما لم تتح له مفردات الشخصية الوسيلة التي تجعله مختلفاً عن ممثلين آخرين قدموا ذلك النموذج، وعلى رأسهم رشدي أباظة في فيلم "الزوجة 13". 

أما هدى حسين، فقدمت شخصية الزوجة التي تم خيانتها في مسلسلات عدة؛ وإن اختلفت زوايا الطرح، ومع ذلك أخفق البناء الدرامي لشخصيتها كإنسانة مثالية، فتلك السيدة، التي يقدمها السيناريو في حوارات تميل إلى الخطابة، مع كل طرح لقضية، أو أثناء علاجها لمشكلة، هي أم لم تقدم نموذجاً إيجابياً واحداً بين بناتها، إلا ويحمل بين طياته عقدة أو أزمة، وهو أمر يدل على الغفلة.

هناك العديد من المقدمات كانت ستؤدي إلى اكتشاف العالم المحيط بها، إذا لم تكن بتلك الغفلة، خاصة أن "هيلة"، قٌدمت من خلالها تفاصيل عدة، وتشعبت خطوطها النفسية والعاطفية التي امتزجت أحداث حياتها وأزماتها المتصاعدة، بأزمات العالم المحيط بها، وازدادت ضراوة وشراسة مع تتابع الأحداث، وانقلاب الأمور في متوالية درامية تصاعدية من دون هوادة بشكل تشويقي وكوميدي وسلسلة من المفاجآت.

قضايا حساسة.. وأداء مفتعل

قدم المخرج البحريني علي العلي مع الكاتبة هبة مشاري حمادة، في ثالث تعاون يجمعهما، أفكاراً من الواقع الذي نعيشه، وأحدث المسلسل أزمة وجدالاً واسعاً في الكويت، بسبب عرضه قضايا حساسة، ما زال المجتمع الكويتي لا يتقبل مناقشتها درامياً، وهي مشكلة كثيراً ما تواجهها الدراما في الوطن العربي كله. 

تلك القضايا قدمت من خلال الشخصيات الثانوية بالمسلسل، وكل حلقة من المسلسل ركزت على قضية بذاتها، فمشكلة التنمر شاهدناها بتنمر الطلاب على زميلهم "قتيبة"، الذي سرق مسدس والده، وقرر الانتقام منهم، وانتهى الأمر بانتحاره، ليجعلنا المسلسل نتساءل عن الجاني الحقيقي، هل هم الزملاء الذين تنمروا عليه، أم الأب الذي قسى عليه ولم يحتوه، بل عنفه واعتبره شخصاً ضعيفاً، أم المدرسة التي اكتفت بتسليم "قتيبة" لأبيه، رغم أن الأب ظهر أمام الناظرة كشخصية عنيفة، من المستحيل أن تقوم باحتواء الابن. 

ومن خلال شخصية "بدرية" الطالبة المتغيبة عن الدراسة لعدة أيام، وبرسالة ترسلها عبر كراسة زميلتها تطلب منها النجدة، خوفاً من قتل والدها لها لاعتقاده بحملها، يتم طرح مشكلة العلاقات الجنسية التي قد تحدث في ذلك العمر، والتي تروح ضحيتها الفتاة، دون توجيه أي لوم للشاب أو القصاص منه، والسؤال المطروح: ما هي مسؤولية الأسرة؟، التي لم تنتبه للبنت، وأرشدتها حتى لتكون تلك الضحية، ودور المدرسة التي لا تناقش تلك القضايا، وتعتبره من المسكوت عنه ولا يمكن الاقتراب منه بالطرح والمناقشة.

أما "حميدة" التي أراد المسلسل من خلالها تقديم شخصية تختلف كلياً وجزئياً عن البطلة "هيلة"، ربما كان الأداء المفتعل والمبالغ فيه أحياناً كثيرة من الممثلة "سحر حسين"، سبباً في عدم وصول الهدف منها، وتسببت في توتر المشاهد.

هناك شخصيات مثل "إبراهيم" و"عيسى"، و"أمينة" و"نوف" وزوجات "رشيد".  كان وجودهم للاستكمال الدرامي للأحداث، ورغم طرح قضايا من خلالهم مثل الشخص الشكاك، والأخ الذي لا يقوم بدوره الأسرى، وعقدة الذكورية المتحكمة في العلاقة بين الرجل والمرأة، ولكن أسلوب الطرح غلب عليه السطحية أو الخطابة. 

* ناقدة فنية

تصنيفات

قصص قد تهمك