"منت رايق".. كوميديا عاطفية من زمن آخر

time reading iconدقائق القراءة - 6
الملصق الدعائي لمسلسل "منت رايق" - facebook/OnAwaan
الملصق الدعائي لمسلسل "منت رايق" - facebook/OnAwaan
القاهرة -عصام زكريا*

وسط دراما رمضان التي يغلب عليها الصخب والعنف، يبدو المسلسل الكويتي "منت رايق" قادماً من زمن آخر، حين كانت الفتيات يقرأن "روايات عبير"، والنساء الأكبر سناً يشاهدن مسلسل "هوانم جاردن سيتي".

ينتمي "منت رايق" لنوعية "الرومانتيك كوميدي"، التي تتناول الحياة الغرامية لأبطالها الباحثين والباحثات عن الحب، في قالب كوميدي خفيف لا يخلو من اللحظات المؤثرة عاطفياً.

يجمع المسلسل، الذي كتبته منى النوفلي، وتخرجه نهلة الفهد، عدداً من النساء والرجال يعملون في صحيفة إلكترونية، تملكها وتديرها سيدة في منتصف العمر اسمها ليلى (هبة الدري)، لديها ثروة ورثتها عن والدها، ويعمل معها عدد من المحررين من خلفيات وطباع وأخلاقيات متباينة.

جوانب غريبة

تبدأ الحلقة الأولى باستعداد كل منهم للذهاب إلى العمل، حيث ينضم إليهم محرر حوادث جديد هو شمردل (عبد العزيز النصار)، وتغلب على الحلقات الأولى سمة الكوميديا، إذ يتضح للمشاهد أن لكل واحد من هذه الشخصيات جوانب غريبة، يزيد بروزها بيئة العمل والعلاقات المشتركة بينهم.

شمردل شاب طيب ذكي يعاني أزمة ثقة بنفسه، بسبب بدانته وملامحه الفظة ولأسباب أخرى يعرفها المشاهد لاحقاً، منها موت أمه، ثم أعز أصدقاءه في طفولته، ما أفقده الثقة بالعالم أيضاً، شمردل يعيش مع أبيه عادل (شهاب حاجية)، الذي يتعامل مع الحياة ببساطة، ويحاول عبثاً أن يلطف من طباع ومزاج شمردل الحاد. 

وعلى العكس تماماً تبدو شخصية الشابة الجميلة المرحة مي (شيماء سليمان)، التي فقدت والديها، وتعيش مع خالتها شيخة (ميس قمر) وأختها الصغيرة، فهي شخصية انبساطية، تحب الناس والطبيعة، ولا تتوقف عن الضحك، وهو ما يزيد توتر وعصبية شمردل، خاصة حين يفرض عليهما أن يتقاسما غرفة واحدة، ويزيد الطين بلة عندما يتزوج والد شمردل بخالة مي!

مي مدلهة بحب شمردل، الذي يسيء معاملتها دائما، وحتى عندما تخطب للطبيب وليد (محمد الكاظمي) المتيم بها، لا تستطيع تجاوز حب شمردل، وتعترف له بهذا الحب في واحد من مشاهد المسلسل المؤثرة، يستعيد شمردل ثقته بنفسه، ويتزوجا فيما يبدو أنه النهاية السعيدة لقصة حبهما، ولكن يظل خوف شمردل من الارتباط قائماً، وتظل معاملته السيئة لمي وللجميع.

هذا واحد من خطوط مماثلة تجمع كل شخصيات العمل، في شبكة متداخلة من العلاقات العاطفية المعقدة، إن صاحبة الصحيفة ومديرتها تقع في حب مساعدها الشاب الوسيم الفقير عمار (سعود بو شهري)، الذي يسعى دوماً للظهور بشكل مخالف لحقيقته، وبعد مناورات وخطط وشد وجذب يتزوج الاثنان، ولكن الزواج لا يحل المشكلة، فإخفاء الحقائق واختلاف الطباع يمنعها من التمتع باستقرار الزواج. 

قصة عجيبة أخرى تتمثل في المحررتين الزميلتين نوال (أمل محمد)، وهي امرأة متزوجة ولديها طفلان، وهيا (شيلاء سبت) الجميلة التي تحب زوج نوال، وتسعى لخطفه منها، وعندما تدرك نوال نوايا هيا الخبيثة تبادلها المكائد، ثم توافق على أن يتزوجها زوجها، ويعيش الثلاثة في بيت واحد، ولكن المشاكل اليومية تتفاقم بين الضرتين، خاصة حين تحبل نوال للمرة الثالثة، بينما تعجز هيا عن الحمل.

وإذا لم تكن هذه التركيبة كافية، فهناك أيضا المحرر الفني الانتهازي فيصل (فريد مشعل)، الذي يسعى لاستغلال أسرار مشاهير الفن وزملائه، بمن فيهم ليلى مالكة الصحيفة، وفيصل على علاقة بجارته روان، وهي محتالة مثله بحكم ظروفهما السيئة، وتعمل روان لدى الطبيب وليد، الذي تحبه، ولكنه يطلب منها مساعدته على استعادة حب مي، في حالة طلاقها من شمردل.

شخصيات منعزلة

بمرور الحلقات تخفت النبرة الكوميدية، وتتبدى أكثر فأكثر معالم الشبكة محكمة الإغلاق التي تجد فيها الشخصيات نفسها، وتزداد مشاهد المواجهة والانفجارات العاطفية، إن ما حسبته هيا انتصارا كبيراً في حياتها يتبين أنه فخ وقعت فيه، والأمر نفسه ينطبق على علاقة ليلى وعمار، وعلاقة مي بشمردل، العلاقة الوحيدة التي يبدو أنها صحية وقائمة على القبول المتبادل هي زواج الأب عادل بالخالة شيخة.

يصعب الحديث عن "منت رايق" دون التطرق لهذه العلاقات والشخصيات، صحيح أن إخراج العمل، تمثيلاً وتصويراً ومونتاجاً، يبدو سلساً، منتظم الإيقاع، ولكن فهم الجهد المبذول بداية من السيناريو وحتى الموسيقى التصويرية، مرتبط بتحليل هذه الشبكة العنكبوتية من العلاقات وفهمها. 

تبدو الشخصيات كلها منعزلة عن الواقع المحيط بها، وبالرغم من أنهم يعملون بالصحافة، التي تمثل نافذة على العالم كله، لكن لا يوجد أي إشارة في المسلسل إلى عملهم (باستثناء خط قصير يرد في بداية المسلسل عن تورط فيصل وروان في عملية ابتزاز تنقلب ضدهما).

هذه شخصيات غارقة في حياتها العاطفية (غير المتحققة) إلى درجة الاستلاب الكامل، ربما ليس هذا قصد المؤلفة والمخرجة، ربما تعبران عن عالم تعرفانه عن قرب: عالم الطبقة الوسطى المشغولة حتى النخاع بذاتها ومشاعرها، حيث يصبح الحصول على زوج أو حبيب مقياساً لتحقيق هذه الذات، وتشكل هذه القصص معاً قصة كبيرة أخرى عن استحالة الخروج من هذه الحلقة المفرغة، دون الخروج أولاً من شرنقة الذات.

أفضل ما في العمل فريق الممثلين الذين يرسمون، معاً، لوحة بانورامية محببة، وبعض العلاقات في غاية اللطف مثل علاقة شمردل بأبيه، وعلاقته بمي، بالرغم من المبالغة في تصوير قسوته في مقابل ضعفها أحياناً، ولا تستقيم هذه العلاقة إلا في اللحظات التي تقرر فيها أن تتصدى له، العلاقة الثلاثية بين الضرتين شيماء وهيا وزوجهما الأناني مكتوبة وممثلة جيداً.

على عكس فريق التمثيل المتناغم، يبدو التوفيق بين الرومانتيكي والكوميدي مختلاً في بعض الأحيان، إذ تستغرق بعض المشاهد في كوميديا "الفارص" التي تعتمد على المبالغات (خاصة في الحلقات الأولى)، بينما تستغرق بعض المشاهد في البكائية والانفعالات الزائدة (في المشاهد المتأخرة من العمل).

"منت رايق" عمل مختلف عن معظم دراما رمضان، يبدو قادماً من عالم آخر، ومتوجهاً إلى مشاهدين (وبالأخص مشاهدات) ينتمين ذهنياً وعاطفياً إلى هذا العالم.

* ناقد فني

تصنيفات

قصص قد تهمك