نوبل وموسم التكهنات.. هل يخترق العرب منصة التتويج؟

لوغو خاص بجائزة نوبل - nobelprize.org
لوغو خاص بجائزة نوبل - nobelprize.org
مدريد-هلا نسلي

تتحوّل الأيام التي تسبق إعلان جائزة نوبل للأدب كل عام، إلى ما يشبه الموسم العالمي للتكهنات، حيث تتقاطع التوقعات النقدية مع الرهانات الأدبية والسياسية على حدّ سواء.

 فالأكاديمية السويدية التي تمنح أرفع الجوائز الأدبية في العالم، توزّع أيضاً إشارات ثقافية وحضارية تثير جدلاً واسعاً حول اتجاهات الأدب العالمي، ومن يستحق أن يحمل لقب "ضمير الإنسانية" لذلك العام.

وبينما تتصدّر أسماء مألوفة قوائم الترشيحات، تمتدّ التكهنات إلى النقاش حول المعايير التي تحدد اختيارات اللجنة: هل تكافئ الجمال الفني الخالص، أم تصغي أكثر إلى الرسائل السياسية والثقافية التي تنطوي عليها النصوص أو الشخصيات؟

هذا العام، بدت المراهنات مستندة إلى خوارزميات الذكاء الاصطناعي، التي وضعت هاروكي موراكامي وميرتشا كرتاريسكو وآن كارسون في الصدارة. مع احتمالات مفاجئة لأسماء مثل كريستينا ريفيرا غارزا وإنريكي فيلا-ماتاس. لكن يبقى السؤال: هل ستأخذ لجنة نوبل هذه التوقعات الرقمية بعين الاعتبار، أم ستختار مسارها الخاص بعيداً عن أي تكهنات؟

أدونيس.. خارج التوقعات

وعلى غير العادة، يغيب هذا العام اسم أدونيس عن قوائم توقعات جائزة نوبل، رغم أنه ظل لعقود يتكرر في الترشيحات غير الرسمية للجائزة العالمية، بوصفه المرشح العربي الأبرز، ورمزاً لغياب العرب عن منصّة التتويج. 

كان حضوره في "بورصة التكهنات" بمثابة طقس سنوي يتردّد صداه في وسائل الإعلام العالمية، من دون أن يتحوّل يوماً إلى قرار من الأكاديمية السويدية التي تفتح أبواب قاعتها في التاسع من أكتوبر، لتعلن اسم الفائز. 

هكذا ظلّ أدونيس صاحب مسيرة العقود السبعة في الأدب والشعر، في موقع الحاضر الغائب، علامة على الإقصاء المستمر للعرب- وعلى حضوره الشخصي عالمياً- أكثر مما هو مؤشر على الاقتراب العربي من الجائزة. إذ وصل إلى منصّة تتويجها المصري نجيب محفوظ عام 1988، في واقعة بقيت يتيمة في تاريخ الجائزة.

يوم الخميس، سيتجدد المشهد نفسه، حيث يتوقع النقّاد أن يذهب التكريم إلى أحد الأسماء الكبيرة التي ترددت مراراً في السنوات الأخيرة، مثل الياباني هاروكي موراكامي، أو الروماني ميرتشا كرتاريسكو، أو الأرجنتيني سيزار آيرا، أو الكندية آن كارسون.

كذلك هناك أسماء خرىأخرى تثير الجدل مثل الفرنسي ميشيل أويليبك أو البريطاني-الهندي سلمان رشدي، فضلاً عن الأميركي توماس بينشون والصينية كان شو.

مع ذلك، دائماً يبقى دائماً عنصر المفاجأة حاضراً بقوة، وأثبتت الأعوام الماضية، أن نوبل ليست رهينة التوقعات. وما فوز الكورية الجنوبية هان كانغ عام 2024، أو النرويجي يون فوسه عام 2023، أو الفرنسية آني إرنو عام 2022، إلا أمثلة على أن الأكاديمية قد تذهب في اتجاهات غير متوقعة تماماً.

اللافت أن الجائزة، التي يفترض أن تستند إلى القيمة الأدبية الخالصة، كثيراً ما تحمل في طياتها رسائل سياسية أو ثقافية، وهو ما يجعل فوز رشدي يُقرأ، تمثيلاً لا حصراً، كبيان دفاع عن حرية التعبير. أو أن تتويج أويليبك كإشارة إلى تبني صوت نقدي داخل أوروبا، أو تكريم كاتب آسيوي أو إفريقي، كخطوة لإعادة التوازن الجغرافي للأدب العالمي.

في هذه الحسابات يظل الأدب العربي خارج الصورة تقريباً، باستثناء اسم أدونيس، وكأن الجائزة قد وضعت المنطقة كلها في خانة الانتظار الطويل.

ولا يمكن تجاهل الجدل الذي أثاره فوز بوب ديلان عام 2016، إذ أثار حينها جدلاً واسعاً حول معايير الجائزة، واعتبره كثيرون هبوطاً في مستوى نوبل حين منحت لأحد أعظم موسيقيي القرن وليس لكاتب كلاسيكي بالمعنى التقليدي. 

هذا القرار فتح باب النقاش حول معنى الأدب ومكانته في عصر متعدد الوسائط، وعزّز الانطباع أن الجائزة قد تتجه أحياناً إلى رمزية ثقافية وسياسية تتجاوز حدود النص الأدبي الصرف.

لكن الغياب المستمر لا يمكن أن يُفسَّر بضعف الإبداع العربي، إنما بعوامل بنيوية وثقافية متشابكة. حركة الترجمة محدودة ولا تنجح غالباً في تقديم الأدب العربي بلغات العالم الكبرى بصورة متواصلة ومنهجية، وشبكات النشر والتوزيع تفتقر إلى المؤسسات العالمية القادرة على الترويج.

يضاف إلى ذلك، أن آليات الترشيح المعتمِدة على الجامعات والأكاديميات الدولية، نادراً ما تضع أسماء عربية في الصدارة، فضلاً عن أن النظرة السياسية والثقافية إلى المنطقة قد تؤثر في قرارات تمنح أو تحجب الاعتراف.

ومع اقتراب موعد الإعلان عن الجائزة هذا العام، سيظل السؤال معلقاً: هل يتغيّر المشهد ذات يوم ويخرج اسم عربي من الظل إلى دائرة الاعتراف العالمي، أم أن نوبل ستبقى محطة يتجدد معها الإحباط العربي عاماً بعد عام؟

 في الانتظار، يتكرر المشهد نفسه: قاعة الأكاديمية السويدية تفتح أبوابها، أسماء كبرى تعلن، العالم يحتفل، والعرب يتابعون من بعيد، وسط فضول جديد حول مدى تأثير توقعات الذكاء الاصطناعي على قرار اللجنة النهائية.

تصنيفات

قصص قد تهمك