أكملت مصر الاستعدادات النهائية لافتتاح المتحف المصري الكبير بحضور ملوك ورؤساء دول، ورؤساء حكومات، ووزراء، ومشاهير من مختلف أنحاء العالم.
ظهرت فكرة إنشاء المتحف المصري الكبير، خلال التسعينيات، ليكون أكبر متحف بالعالم يضم آثار الحضارة المصرية القديمة، وظلت الفكرة تتطور، حتى أصبح المتحف واقعاً في عام 2025.
تبلغ مساحة المتحف 500 ألف متر، ويطل على أهرامات الجيزة، وتزيّنه الحدائق من الاتجاهات كافة على مساحة 120 ألف متر، ويضم 12 صالة عرض، تغطي الفترات من عصور ما قبل التاريخ، وحتى نهاية العصر الروماني، وتزيد مساحة كل قاعة منها عن مساحة العديد من المتاحف الحالية في مصر والعالم، بحسب وزارة السياحة والآثار المصرية.
أُنشئ المتحف المصري الكبير ليكون صرحاً حضارياً وثقافياً وترفيهياً عالمياً متكاملاً، وليكون الوِجهة الأولى لكل من يهتم بالتراث المصري القديم، كأكبر متحف في العالم يروي قصة تاريخ الحضارة المصرية القديمة، إذ يحتوي على عدد كبير من القطع الأثرية المميزة والفريدة، من بينها كنوز الملك الذهبي توت عنخ آمون، والتي تُعرض لأول مرة كاملة منذ اكتشاف مقبرته في نوفمبر 1922، بالإضافة إلى مجموعة الملكة حتب حرس أم الملك خوفو الذي بنى الهرم الأكبر بالجيزة، وكذلك متحف مراكب الملك خوفو، فضلاً عن المقتنيات الأثرية المختلفة منذ عصر ما قبل الأسرات وحتى العصرين اليوناني والروماني.
وحصل مشروع المتحف المصري الكبير، العام الماضي، على الشهادة الدولية Edge Advance للمباني الخضراء المعتمدة، من مؤسسة التمويل الدولي، إحدى مؤسسات مجموعة البنك الدولي، كأول متحف أخضر في إفريقيا والشرق الأوسط.
جاءت هذه الشهادة بعد تنفيذ مجموعة من المعايير المتعلقة بترشيد الطاقة، واستخدام الطاقة النظيفة في أعمال البناء، وتركيب الخلايا الشمسية، وأنظمة الإضاءة والتهوية الطبيعية.
مشروع المتحف المصري الكبير مر بمجموعة من المراحل بداية من الفكرة مروراً بالتنفيذ، ووصولاً إلى الإعلان عن افتتاحه رسمياً في أول نوفمبر 2025.
كانت أول خطوة في مشروع المتحف المصري الكبير في فبراير 2002، حين وضع الرئيس المصري الراحل حسني مبارك حجر الأساس بالقرب من أهرامات الجيزة بعد إجراء الدراسات الأولية.
وأطلقت مصر، في العام ذاته، مسابقة معمارية دولية لاختيار أفضل تصميم للمتحف، تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) والاتحاد الدولي للمهندسين المعماريين.
وفي يونيو 2003 فاز التصميم الحالي المُقدم من شركة هينجهان بنج للمهندسين المعماريين في إيرلندا، والذي اعتمد في التصميم على أن تمثل أشعة الشمس الممتدة من قمم الأهرامات الثلاثة عند التقائها كتلة مخروطية هي المتحف المصري الكبير، كما يبدو المتحف نفسه من منظور رأسي على شكل هرم رابع.
بدأت بعد ذلك عمليات تمهيد الأرض، وإزالة العوائق الطبيعية أو المنشآت المقامة في الموقع، واستمرت نحو 3 سنوات حتى تدشين عمليات الإنشاء في مايو 2005 بقرض تنموي من هيئة التعاون الدولي اليابانية (جايكا).
وفي عام 2006، بدأ إنشاء مركز ترميم الآثار؛ بهدف ترميم، وصيانة القطع الأثرية المقرر عرضها داخل المتحف وإعادة تأهيلها.
وفي يونيو 2010، افتتحت سوزان مبارك، قرينة الرئيس الراحل حسني مبارك، مركز الترميم ومحطتي الطاقة الكهربائية، وإطفاء الحريق، في المتحف المصري الكبير بعد الانتهاء من المرحلتين الأولى والثانية من المشروع.
لكن توقف العمل في المتحف نحو 3 سنوات بعد انتفاضة شعبية على حكم مبارك في يناير 2011، قبل أن يعيد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، العمل بالمشروع في 2014.
وفي 2016، صدر قرار مجلس الوزراء بإنشاء وتنظيم هيئة المتحف المصري الكبير، أعقبه القانون رقم 9 لسنة 2020 بإعادة تنظيم هيئة المتحف كهيئة عامة اقتصادية تتبع وزير الآثار.
وأصدر رئيس الجمهورية قراراً بتشكيل مجلس أمناء هيئة المتحف المصري الكبير برئاسته، وعضوية عدد من الشخصيات البارزة والخبراء الدوليين والمصريين.
ويختص المجلس بإقرار السياسة العامة والخطط اللازمة لهيئة المتحف، ودعم ومتابعة نشاطه، فيما يتولى إدارة المتحف مجلس إدارة برئاسة الوزير، وعضوية كلٍ من الرئيس التنفيذي لهيئة المتحف المصري الكبير، والأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، والرئيس التنفيذي لهيئة المتحف القومي للحضارة المصرية، والرئيس التنفيذي للهيئة المصرية العامة للتنشيط السياحي، والرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، ورئيس مجلس إدارة الاتحاد المصري للغرف السياحية، والمستشار القانوني للوزير، إلى جانب عدد من الخبراء المتخصصين في مجالات الآثار، والاقتصاد، والقانون، والإدارة، والتعاون الدولي، والتسويق.
وفي يناير 2018 جرى نقل تمثال الملك رمسيس الثاني من موقعه في الميدان الذي يحمل اسمه أمام محطة سكك حديد مصر، إلى موقع المتحف ليكون أول قطعة أثرية تستقر داخله.
واكتملت أعمال تشييد المتحف في 2021 على مساحة نحو 500 ألف متر مربع، تشمل بهو المدخل، والدرج العظيم، وقاعات الملك توت عنخ آمون، ومتحف الطفل، والمباني الأمامية الخدمية، وأنظمة التذاكر، والتأمين والمراقبة، ومناطق انتظار السيارات.
وفي أبريل 2021، جرى توقيع عقد تقديم وتشغيل خدمات الزائرين بالمتحف مع تحالف تقوده شركة حسن علام، ويضم شركات مصرية ودولية ذات خبرات متنوعة في مجالات إدارة الأعمال والتسويق والضيافة والترويج والجودة والصحة والسلامة المهنية.
وبدأ التشغيل التجريبي للمتحف، الذي صُمم لاستيعاب أكثر من 100 ألف قطعة أثرية، في 16 أكتوبر 2024.
وفي 25 فبراير 2025، قررت الحكومة المصرية إقامة حفل افتتاح رسمي للمتحف في 3 يوليو الماضي، بحضور قادة وزعماء العالم، لكن اندلاع الحرب بين إسرائيل وإيران أدى إلى توتر سياسي إقليمي، ما دفع السلطات المصرية إلى تأجيل افتتاح المتحف المصري الكبير إلى أول نوفمبر 2025.
ويشهد المتحف المصري الكبير حاليًا، عددًا محدودًا من الجولات الإرشادية في منطقة الخدمات، وهي الحدائق والمنطقة التجارية التي تضم عدداً من المطاعم والكافيتريات والمحال التي تشمل علامات تجارية مصرية رائدة، ومتجر الهدايا، بالإضافة إلى المناطق المفتوحة للزيارة بالمتحف، والتي تشمل منطقة المسلة المعلقة، وصالة الاستقبال الرئيسة المعروفة باسم البهو العظيم، والبهو الزجاجي.
ويتمكن الزائرون أثناء جولاتهم في البهو العظيم من مشاهدة ما يحتويه من قطع أثرية منها تمثال الملك رمسيس الثاني وعمود النصر للملك مرنبتاح، بالإضافة إلى تمثالين لملك وملكة من العصر البطلمي، فيما سيتمكن الزائرون بعد الافتتاح الرسمي من دخول قاعات العرض المتحفي القاعات الرئيسية، وقاعتي توت عنخ آمون، والدرج العظيم، وقاعة العرض التفاعلي، ومتحف مراكب خوفو، وأقسام ومناطق المتحف الداخلية الأخرى.
ويأمل المسؤولون المصريون أن يشكّل افتتاح المتحف المصري الكبير، السبت، دفعة قوية لقطاع السياحة، الذي واجه خلال السنوات الماضية تحديات عدة، من اضطرابات داخلية إلى تداعيات جائحة كورونا، فضلاً عن التوتر الإقليمي الذي ألقى بظلاله على حركة السفر.
ويتوقع المسؤولون أن يرفع المتحف وحده عدد السياح بما يصل إلى 7 ملايين سنوياً بعد افتتاحه، وهو ما يرفع بدوره إجمالي عدد الزائرين إلى نحو 30 مليوناً بحلول 2030.
وتأمل مصر، التي يقصدها الكثير من السائحين لزيارة منتجعاتها على البحر الأحمر، أن يسهم افتتاح المتحف في زيادة حجم شريحة الزوار لأغراض السياحة الثقافية.
ويقول محللون إن السائحين من هذا النوع عادة ما يقضون فترات أطول وينفقون أموالاً أكثر من أولئك الذين يأتون في الأساس للاستمتاع بالشواطئ.
ولا تتضمن الأرقام الرسمية تفصيلاً لعدد السائحين الذين يأتون لأغراض ثقافية، لكن تقديرات خلصت إليها دراسة أجريت في 2021 بشأن التأثير المحتمل للمتحف المصري الكبير أشارت إلى أنهم يشكلون أقل من ربع إجمالي السائحين.
عرض تفاعلي وبالواقع الافتراضي
وعلى عكس طرق العرض التي كانت تتراص فيها القطع الأثرية في مساحات صغيرة وبطريقة تقليدية في المتحف المصري بميدان التحرير وسط القاهرة، يتميز المتحف الكبير بأساليب عرض تفاعلية وأجهزة واقع افتراضي.
وقالت الأستاذ المساعد في المعهد العالي للسياحة والفنادق بالإسكندرية، غادة عبد المعطي، إن المتحف الجديد يعرض مجموعة ضخمة كانت في السابق حبيسة المخازن؛ بسبب نقص مساحة العرض.
قال أستاذ السياسة الاقتصادية الدولية في جامعة مينيسوتا، راجي أسعد، إن تحقيق أقصى استفادة من افتتاح المتحف "يتطلب إكماله ببنية تحتية سياحية عالية الجودة، من فنادق ونقل وغير ذلك".
ويعني هذا حل مشكلات، مثل النقل في مدينة القاهرة التي يقدر عدد سكانها بنحو 23 مليون نسمة، وبالفعل جرى إعادة تأهيل وتجميل الطرق المؤدية إلى المتحف الجديد، وبناء مطار جديد على بعد نحو 25 كيلومتراً من المتحف، هو مطار سفنكس، لتفادي الشوارع المزدحمة، كما نقلت السلطات المدخل إلى أهرامات الجيزة إلى الجانب الخلفي لتقليل الازدحام.
وقال وزير السياحة، شريف فتحي، الشهر الماضي، إن مصر أضافت 5 آلاف غرفة فندقية إلى 235 ألفاً موجودة بالفعل، وتأمل في إضافة 9 آلاف غرفة أخرى قبل نهاية العام.









