"حرب قوى عظمى".. الجيش الأميركي يستعد لمواجهة الصين

مظليون  تابعون للجيش الأميركي يقفزون من طائرة C-130 خلال محاكاة هجوم جوي في قاعدة إلمندورف ريتشاردسون بولاية ألاسكا. 31 مارس 2021 - REUTERS
مظليون تابعون للجيش الأميركي يقفزون من طائرة C-130 خلال محاكاة هجوم جوي في قاعدة إلمندورف ريتشاردسون بولاية ألاسكا. 31 مارس 2021 - REUTERS
دبي -الشرق

يسعى الجيش الأميركي "الضخم والبطيء" إلى تطوير تكتيكات تساهم في تحول "محفوف بالمخاطر" إلى الانتشار السريع في آسيا، إذا اقتضى الأمر، وتجهيز مئات الآلاف من الجنود، في إطار الاستعدادات لسيناريو خوض حرب محتملة ضد الصين، وفق صحيفة "نيويورك تايمز".

وأشارت الصحيفة إلى أنه في وقت مبكر من الشهر الجاري، تجمع 864 من المظليين في الجيش الأميركي داخل طائرات نقل من طراز C-17 في قاعدة عسكرية بألاسكا، ليقلعوا متجهين إلى إحدى تدريبات "حرب القوى العظمى" بين ثلاث جبال بركانية في جزيرة هاواي الكبرى.

وتمكن 492 فقط من المظليين من الوصول إلى وجهتهم، إذ واجهت بعض الطائرات مشكلات في الأبواب واضطرت أخرى للهبوط مبكراً، كما تعرّض بعض الجنود للإصابة بالتواء في الكاحل أو برضوض في الرأس، بحسب "نيويورك تايمز".

وسقط أحد المظليين، وهو جندي يبلغ من العمر 19 عاماً، من ارتفاع كبير بعدما لم تفتح مظلته، وتعالت صيحات الجنود لزميلهم بـ"فتح المظلة الاحتياطية" قبل أن يرتطم الجندي الشاب بالأرض، وهرع المسعفون لمعالجته. وهذا المشهد "المرعب" وتبعاته هو "أسوأ كوابيس" جميع المظليين، بحسب الصحيفة.

واعتبرت الصحيفة أن سقوط الجندي إريك بارتيدا من ارتفاع 1200 قدم (نحو 366 متراً) بمثابة "تنبيه واقعي قاسٍ" بالتحوّل، الذي يطرأ على الجيش الأميركي، حيث يجري إعداد مئات الآلاف من الجنود الشباب والشابات لخوض حرب جديدة يُحتمل أن تكون هذه المرة ضد الصين.

"حرب قوى عظمى"

وتصف وزارة الدفاع الأميركية "البنتاجون" هذا السيناريو بـ"حرب قوى عظمى"، والتي ربما تكون أشد خطورة بشكل متصاعد، إذ ستضع أقوى جيشين في العالم، وكلاهما قوة نووية، في مواجهة مباشرة ربما تستقطب خصوماً نوويين آخرين مثل كوريا الشمالية وروسيا.

وقالت "نيويورك تايمز" إن هذه المواجهة المحتملة ستسفر عن سقوط جنود أميركيين بأعداد ربما تتجاوز حصيلة الضحايا في أعنف الصراعات، التي خاضتها الولايات المتحدة، مرجحة أن حرباً كهذه ستدور على الأرض، وفي البحر والجو، وحتى في الفضاء. ولذا، يتدرب الجيش الأميركي استعداداً لهذا السيناريو.

وأضافت الصحيفة، أن مشاة البحرية، التي تتمتع بقدرة على الوصول السريع للأماكن بفضل خفة حركتها، والبحرية الأميركية، التي تتمركز بشكل دائم في المحيط الهادئ، لعبتا دوراً بارزاً في المحيط الهادئ خلال الحرب العالمية الثانية، ما جعل التخطيط لصراع في آسيا متأصلاً في استراتيجياتها.

ومع تزايد فرص اندلاع حرب مع الصين في الوقت الراهن، يسعى الجيش الأميركي "الكبير والبطيء" إلى التحوّل بعد عقدين من محاربة الإرهاب في أفغانستان والشرق الأوسط. وبخلاف حركة "طالبان" وغيرها من الجماعات المسلحة، ستتمتع الصين بقدرات فضائية تتيح لها مراقبة تشكيلات القوات من السماء. وبالتالي، يتعين على الجيش أن يتعلم كيف يتحرك بعيداً عن الأنظار.

اختبارات ميدانية

ولتقييم قدرة الجيش الأميركي على الانتشار السريع والقتال في سلاسل الجزر بالمحيط الهادئ، نفذت قوات من الفرقة 25 مشاة، بالتعاون مع جنود من اليابان، وأستراليا، وإندونيسيا، ودول شريكة أخرى، عمليات نزول بالحبال إلى الوديان الاستوائية، تلتها عمليات تسلق في ظروف رطبة مع حمل المعدات اللازمة.

وعلى بُعد نحو 28 ميلاً في "بيرل هاربر"، عملت أطقم سفن النقل التابعة للبحرية الأميركية على تطوير أساليب مختلفة لتفريغ المعدات العسكرية، والجنود الذين سيحتاجون إليهم في حال نشوب حرب في المحيط الهادئ.

وعلى مقربة من الساحل الشمالي لجزيرة أواهو بولاية هاواي، عمل الجنود على إخفاء وحدة قيادة وتحكم متعددة المركبات، مزودة بمحطات كمبيوتر ذات شاشات كبيرة، لتصبح شبه غير قابلة للاكتشاف وسط الغابة الكثيفة.

ولفتت الصحيفة إلى أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، ونائبة الرئيس كامالا هاريس اتبعا نهجين متباينين تماماً تجاه حرب روسيا في أوكرانيا. ويُتوقع أيضاً أن يختلف نهجيهما في التعامل مع الاضطرابات في الشرق الأوسط، على الأقل من ناحية التصريحات. 

أما فيما يتعلق بالصين، فستواصل الولايات المتحدة استعداداتها للحرب معها بغض النظر عن الفائز في الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر المقبل، بحسب "نيويورك تايمز".

تقويض ثقة الحلفاء

وأشارت الصحيفة إلى أن بكين أوضحت أنها تسعى لتوسيع نفوذها في آسيا، بدءاً من تزويد الجزر الصخرية غير المأهولة في المحيط الهادئ بالمعدات العسكرية وصولاً إلى المطالبة بالسيادة على المياه الدولية. ويبدأ هذا التوجه من تايوان، حيث وجه الرئيس الصيني، شي جين بينج، الجيش الصيني بالاستعداد لـ"شن غزو محتمل" للجزيرة بحلول عام 2027.

ورغم امتلاك تايوان أنظمة دفاعية، يرى خبراء عسكريون أنه من الصعب أن تتصدى الجزيرة لغزو صيني دون مساعدة الولايات المتحدة

وقالت "نيويورك تايمز"، إن هذا القرار سيتخذه من يتولى الرئاسة في ذلك الحين، رغم أن صناع السياسة الأميركيين يعبرون عن قلقهم من أن عدم التدخل "ربما لا يكون خياراً متاحاً"، إذا كانت الولايات المتحدة تسعى للحفاظ على هيمنتها.

وقال سيث جونز، وهو نائب رئيس أول في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، للصحيفة إن" إحراز الصين نجاحاً في غزو تايوان من شأنه أن يُحدث تأثيرات كبيرة في المنطقة"، مضيفاً: "من المحتمل أن تصبح الصين القوة العسكرية المهيمنة في المنطقة، وليس الولايات المتحدة".

وأشار جونز إلى أن حلفاء الولايات المتحدة في المحيط الهادئ ربما يفقدون الثقة في قدرتها على الردع، ما يدفعهم إلى السعي لعقد اتفاقيات أمنية مع الصين. كما يمكن أن تسعى اليابان وكوريا الجنوبية، وهما حليفان للولايات المتحدة بموجب معاهدات، للانضمام إلى النادي النووي كوسيلة للدفاع عن نفسيهما ضد الصين.

وتابع: "هل يمكن أن يكون الأمر مشابهاً لسقوط الإمبراطورية الرومانية؟ لا أعرف، لكن هذا هو النوع الصحيح من التساؤلات التي ينبغي طرحها".

تأثير البعد الجغرافي

وقالت "نيويورك تايمز"، إن الجيش الأميركي يدرك تماماً التحديات الكبيرة التي ستواجهه في حال اضطُر للتدخل في الصراع. ففي الحرب العالمية الثانية، عندما كانت تايوان تُعرف بـ"فورموزا" وكانت تحتلها اليابان، خططت هيئة الأركان المشتركة الأميركية لعملية غزو من شأنها أن تمنح الولايات المتحدة قاعدة أقرب لليابان لشن هجوم منها.

لكن الجنرال دوجلاس ماك آرثر، عارض غزو تايوان باعتباره "مخاطرة كبيرة"، لأنه كان يتطلب عبور بحر متنازع عليه للقتال في أرض ذات تضاريس معقدة ضد جيش مُحصن. ويرى مخططون عسكريون أن شن هجوم برمائي على الجزيرة، سيكون أصعب بكثير من عملية إنزال "نورماندي" في يوم النصر.

وشهدت عملية الإنزال على سواحل "نورماندي" شمال غربي فرنسا، قيام قوات من بريطانيا والولايات المتحدة وكندا وفرنسا بمهاجمة القوات الألمانية على ساحل شمال فرنسا في 6 يونيو 1944. وكان هذا أكبر غزو بحري في التاريخ وأحد أهم الأحداث في الحرب العالمية الثانية، الذي كان بمثابة نقطة تحول في الحرب ضد ألمانيا النازية.

ويعتقد عدد قليل من مخططي الجيش الأميركي، أن الجيش الصيني مستعد لتنفيذ هجوم برمائي على تايوان، وفق "نيويورك تايمز".

وقال اللواء جيفري فان أنتويرب، مدير العمليات في قيادة الجيش الأميركي في المحيط الهادئ، للصحيفة: "الأمر الأول الذي يتعين القيام به هو تشكيل قوة غزو، وهي قوة كبيرة نسبياً، للذهاب إلى جزيرة تمتلك دفاعات جاهزة".

وأوضح مخططون عسكريون أن الصين ستستخدم على الأرجح سفناً برمائية خفيفة لمحاولة تأمين نقطة انطلاق في تايوان، لكن هذه السفن ستضطر لعبور مياه مليئة بالألغام.

ورجحوا أن تحاول قوات الهجوم الجوي استهداف البنية التحتية، ولكن لا توجد طريقة قابلة للتطبيق للاستيلاء على جزيرة بحجم تايوان، التي تتمتع بدفاعاتها الخاصة ويبلغ عدد سكانها 23 مليون نسمة، دون نشر قوات على الأرض، وهذه القوات ستحتاج إلى الوصول عن طريق البحر.

وقال فان أنتويرب: "لا يمكن القيام بذلك دون إرسال قوة إنزال كبيرة عبر المضيق على متن سفن، ليس هناك طريقة أخرى".

لذا، تعمل الصين على تحقيق ذلك الهدف. ويقول مسؤولون أميركيون، إن المخططين العسكريين الصينيين أعادوا استخدام عبارات مدنية لنقل القوات والمعدات عبر المضيق، ويعملون على بناء أرصفة عائمة.

وقالت "نيويورك تايمز" إن البنتاجون لم يكشف عن تفاصيل بشأن كيفية مساعدة المدربين الأميركيين لتايوان في بناء دفاعاتها، لكن التأكيد للصينيين أن أي هجوم برمائي سيكون محفوفاً بالمخاطر، يشكل جزءاً من خطة الردع الأميركية.

ويقول مسؤولون بالجيش الأميركي إنهم يأملون أن تُظهر التدريبات المشتركة مع الشركاء في المحيط الهادئ للقيادات العسكرية الصينية جميع القدرات التي تملكها الولايات المتحدة ويمكنها استخدامها.

تصنيفات

قصص قد تهمك