رسوم ترمب تدفع حلفاء واشنطن لإعادة النظر في صفقات مقاتلات F-35

الرئيس الأميركي دونالد ترمب أمام مقاتلة F-35 الشبحية  في ساحة البيت الأبيض. واشنطن. 23 يوليو 2018 - Reuters
الرئيس الأميركي دونالد ترمب أمام مقاتلة F-35 الشبحية في ساحة البيت الأبيض. واشنطن. 23 يوليو 2018 - Reuters
دبي-الشرق

أبدى عدد من حلفاء الولايات المتحدة استعدادهم للتراجع عن صفقات شراء مقاتلات F-35 الأميركية من الجيل الخامس، في أعقاب الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، إلى جانب مطالباته لهم بزيادة الإنفاق الدفاعي.

وفي أعقاب الخلاف مع واشنطن حول هدف حلف الشمال الأطلسي (الناتو) الجديد المتمثل في إنفاق 5% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، تخلّت إسبانيا عن صفقة شراء مقاتلات الشبح F-35، التي تقدر بمليارات الدولارات.

أما سويسرا، التي تعاني من الرسوم الجمركية الأميركية المرتفعة، فتواجه ضغوطاً متزايدة من مختلف الأطياف السياسية للتخلي عن خططها لشراء مقاتلات F-35. وفي الهند، التي رفضت زيادة الرسوم الأميركية على بضائعها، أفادت تقارير بأنها قررت تعليق شراء أسلحة أميركية.

وأشارت مجلة "بوليتيكو" إلى أن هذه التحركات، التي تمت جميعها خلال الأسبوعين الماضيين، تُظهر العواقب المحتملة لإجراءات ترمب الاقتصادية، إذ تتردد أصداؤها في عواصم الحلفاء، مما يجبر الحكومات على إعادة تقييم علاقاتها الدفاعية مع الولايات المتحدة. كما تعزز مخاوف الصناعة الأميركية من أن هذا الشكل الجديد من "الحمائية" قد يثير ردود فعل انتقامية، ويعرض مبيعات الأسلحة للخطر، ويقوض هيمنة أميركا كأكبر مورّد للأسلحة في العالم.

ورغم أن معظم الحلفاء لا يسارعون إلى الانسحاب من مشتريات مخطط لها منذ وقت طويل، إلا أن الخطوات الأخيرة من الدول الثلاث تعكس صعود أصوات رافضة، وبعضاً من أشد الردود الملموسة حتى الآن على "الحرب التجارية" التي أشعلتها رسوم ترمب.

المقاتلات الأوروبية خيار إسبانيا الجديد

وقال جيم تاونسند، المسؤول السابق في البنتاجون الذي أشرف على سياسات أوروبا و"الناتو"، إن هذه الرسوم الجمركية تمثل "إشارة استفزازية كبيرة" للحلفاء الذين حثتهم الولايات المتحدة لسنوات على شراء المعدات الأميركية. وأضاف: "جميع هذه الدول تشعر بالإهانة من الولايات المتحدة".

وذكرت "بوليتيكو" أن طائرة F-35، التي تصنعها شركة "لوكهيد مارتن"، معرضة بشكل خاص لهذا النوع من الاضطرابات الاقتصادية، إذ تأتي أجزاؤها من أكثر من 100 مورد حول العالم، وتعتمد أسعارها على الطلبيات الخارجية الكبيرة للحفاظ على انخفاض تكلفة كل طائرة.

طائرة 'F35' الأميركية تستعد للإقلاع خلال معرض باجوتفيل الجوي الدولي في كيبيك شرقي كندا- 22 يونيو 2019
طائرة 'F35' الأميركية تستعد للإقلاع خلال معرض باجوتفيل الجوي الدولي في كيبيك شرقي كندا- 22 يونيو 2019 - Reuters

وإذا انسحبت الدول أو خفّضت مشترياتها، فإن التكاليف سترتفع على الجميع. وقد بلغ إجمالي قيمة طلبات إسبانيا وسويسرا حوالي 15 مليار دولار لعدة عشرات من الطائرات لكل منهما.

وأضافت أن قرار إسبانيا بعدم المضي في شراء F-35 قد يوجّه مليارات اليورو نحو مقاتلة "يوروفايتر تايفون"، التي تصنعها المملكة المتحدة وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا. 

وأشارت إسبانيا إلى حاجتها للسيادة الصناعية، وتعزيز سلاسل الإمداد الأوروبية، والحصول على شركاء أكثر موثوقية.

كما أن هذه الخطوات مفيدة سياسياً لبعض الدول الأوروبية. إذ قال مسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي، طلب عدم ذكر اسمه، إن رد رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز يلبي ميول القاعدة اليسارية للحكومة.

ضغوط في سويسرا لإلغاء صفقة F-35

أما في سويسرا، فقد مرّت صفقة شراء 36 طائرة F-35 عبر استفتاء عام 2021 بهامش ضئيل تجاوز 50% فقط، لكن الرسوم الجمركية الجديدة أعادت إشعال الجدل السياسي.

ودفع النواب السويسريون باتجاه إلغاء الصفقة عندما وصلت الرسوم الأميركية إلى 39%، لكن الحكومة أكدت، الأربعاء، عزمها على شراء الطائرات وأمرت بإجراء مراجعة، ومن المقرر اتخاذ القرار في نوفمبر.

وقال مسؤولون سويسريون إنهم لا يستطيعون تحديد السعر النهائي، لأن الولايات المتحدة لم توافق عليه بعد، مما يجعل العقد عرضة لتقلبات التضخم وارتفاع أسعار المواد الخام والرسوم الجمركية، والتي قد تضيف ما يصل إلى 1.6 مليار دولار.

كما أن دولاً أخرى مهتمة بالشراء، مثل البرتغال، أجلت قراراتها وسط شكوك حول مدى "موثوقية" الولايات المتحدة.

وأشارت "لوكهيد مارتن" إلى أن بريطانيا والدنمارك وبلجيكا أعلنت مؤخراً عن نيتها شراء ما لا يقل عن 10 طائرات F-35 لكل منها.

ودافع البيت الأبيض عن رسوم ترمب باعتبارها دفعة للاقتصاد، مشيراً إلى أنه رفع تعهد "الناتو" بالإنفاق الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما من المتوقع أن يفيد شركات السلاح الأميركية.

وقال المتحدث باسم البيت الأبيض كوش ديساي: "الرئيس ترمب فعل أكثر لدعم القاعدة الصناعية العسكرية الأميركية من أي رئيس منذ عقود، بما في ذلك بيع الأسلحة الأميركية الصنع لحلفاء الناتو، مما سيجلب مليارات الدولارات للشركات الأميركية".

وبحسب مسؤول سابق في البنتاجون، فإن فقدان طلبيات من إسبانيا أو حتى سويسرا لن يكون له تأثير فوري كبير على الإنتاج، إذ إن هذه الطائرات لن تدخل خط التصنيع قبل أكثر من عام، ويمكن لعملاء آخرين أن يحلوا محلها بسهولة. لكن أي فقدان مستمر للمشترين الأجانب قد يرفع الأسعار على الأسطول بأكمله، وهو خطر يضيف ضغطاً إلى مشكلة تواجه بالفعل برنامج F-35، إذ ارتفعت تكلفة إعادة بناء قاعدة بوشل الجوية في ألمانيا، التي تستضيف جزءاً من المهمة النووية للناتو، من 1.5 مليار دولار إلى نحو 2.3 مليار دولار.

التبعية الأوروبية لواشنطن

ويحذر العديد من المسؤولين الأوروبيين من أن صناعة الدفاع في الاتحاد الأوروبي بعيدة عن إنتاج جميع الأسلحة اللازمة لاستبدال المعدات الأميركية، مما يعني أن أي تحول نحو الاعتماد على الذات سيكون تدريجياً.

وتمتد التداعيات إلى ما هو أبعد من أوروبا. إذ ذكرت "رويترز" أن الهند تؤجل مشتريات الأسلحة الأميركية، بما في ذلك مركبات "سترايكر" القتالية وصواريخ "جافلين" المضادة للدبابات، بعد قرار ترمب مضاعفة الرسوم الجمركية على السلع الهندية إلى 50% بسبب مشترياتها من النفط الروسي.

ورد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي على الرسوم بالتأكيد علناً على "الشراكة الاستراتيجية الخاصة والمتميزة" مع موسكو.

وتوجد في خط مبيعات الأسلحة الخارجية الأميركية صفقات بمليارات الدولارات موجهة إلى نيودلهي، مما يجعل من الصعب على الهند التراجع.

وقال فرانك كيندال، وزير سلاح الجو الأميركي الأسبق الذي قاد مبادرة التكنولوجيا والتجارة الدفاعية الأميركية-الهندية في إدارة أوباما: “لقد عملنا لأكثر من عقد لتعزيز علاقتنا مع الهند. فرض تلك الرسوم الضخمة على الهند سيكون له آثار سلبية جداً على العلاقة".

تصنيفات

قصص قد تهمك