تغزو سماء أوكرانيا.. كيف أصبحت روسيا "إمبراطورية" طائرات مسيّرة؟

رجال الإطفاء يعملون في موقع تعرضت لقصف روسي بطائرة مسيرة قرب بلدة نيزين مدينة تشيرنيهيف شمال أوكرانيا. 15 سبتمبر 2025 - REUTERS
رجال الإطفاء يعملون في موقع تعرضت لقصف روسي بطائرة مسيرة قرب بلدة نيزين مدينة تشيرنيهيف شمال أوكرانيا. 15 سبتمبر 2025 - REUTERS
دبي -الشرق

أعطت روسيا "أولوية قصوى" لإنتاج الطائرات المسيّرة الهجومية، على مدار الأشهر الماضية، في مسعى لتعزيز هجماتها على أوكرانيا عبر موجات متتالية من الضربات الجوية، حسبما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.

وقالت الصحيفة الأميركية، في تقرير، إن كييف تواجه وابلاً متزايداً من الطائرات المسيّرة الروسية، والطائرات المضللة التي تُستخدم لخداع الدفاعات الجوية، وذلك في وقت تشهد فيه قدرة موسكو على إنتاج هذه الأسلحة "قفزات ضخمة".

وأشارت الصحيفة إلى أن كييف تواجه صعوبات في الدفاع أمام العدد المتزايد من الطائرات الانتحارية المسيّرة التي باتت روسيا تستخدمها بكثافة في هجماتها.

وذكرت أنه عندما استوردت روسيا طائرات مسيّرة مزودة بآلية تدمير ذاتي من إيران قبل 3 سنوات، أثارت ضجة دولية بإطلاقها 43 مسيرة في ضربة واحدة، ولكن خلال سبتمبر الجاري، أطلقت أكثر من 800 طائرة مسيّرة في ليلة واحدة عبر الحدود الأوكرانية.

وأوضحت الصحيفة أن هذه الزيادة الكبيرة ناتجة عن قفزات ضخمة في الإنتاج داخل روسيا للطائرات المسيّرة الهجومية أحادية الاتجاه (الانتحارية)، التي تحظى بأولوية مباشرة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث يجري تجميعها حالياً في منشأتين رئيسيتين على الأراضي الروسية.

وأضافت أن الكرملين عمل على زيادة تصنيع الطائرات المسيّرة التكتيكية الأصغر حجماً التي تستخدمها روسيا في الخطوط الأمامية، مستعيناً في ذلك بحكومات المناطق الروسية والمصانع، بل وحتى طلاب المدارس الثانوية، وذلك لتسريع الإنتاج.

"نقطة تحوّل" جديدة

وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أن زيادة الإمدادات الروسية من هذه الطائرات، إلى جانب تطوير التقنيات والتكتيكات الجديدة، شكّل "تحدياً هائلاً" أمام أوكرانيا، التي كانت تتمتع بتفوق في مجال حرب الطائرات المسيّرة في بداية الصراع.

وصعدت روسيا هجمات الطائرات المسيّرة منذ سبتمبر في العام الماضي، وهو أول شهر في الحرب تُرسل فيه موسكو أكثر من 1000 طائرة مسيّرة إلى أوكرانيا، وفق بيانات أعدتها "نيويورك تايمز" استناداً إلى أرقام القوات الجوية الأوكرانية.

وفي عام 2025، شهدت الهجمات ارتفاعاً هائلاً، حيث أرسلت روسيا أكثر من 34 ألف طائرة مسيّرة هجومية ومضللة حتى الآن إلى أوكرانيا، وهو ما يعادل 9 أضعاف العدد المسجل في نفس الفترة من العام الماضي، وفقاً لنفس البيانات.

مسؤول أوكراني يتفقد أجزاء من طائرة مسيرة انتحارية روسية استهدفت موقعاً في مدينة لفيف غربي أوكرانيا. 10 سبتمبر 2025
مسؤول أوكراني يتفقد أجزاء من طائرة مسيرة انتحارية روسية استهدفت موقعاً في مدينة لفيف غربي أوكرانيا. 10 سبتمبر 2025 - REUTERS
 

وأشارت الصحيفة إلى أنه في إحدى ليالي الأسبوع الأول من هذا الشهر، أطلقت روسيا عدداً قياسياً من الطائرات المسيّرة الهجومية والمضللة إلى أوكرانيا، بلغ 810 طائرات. 

وقالت أوكرانيا إنها أسقطت نحو 92% منها، ما يعني أن 63 طائرة وصلت إلى أهدافها، حيث ضربت 54 طائرة مواقع في 33 منطقة مختلفة. 

"ثورة" في الإنتاج الروسي

وقالت "نيويورك تايمز" إن هناك ثورة في إنتاج الطائرات المسيّرة في روسيا وراء هذه الأعداد الضخمة، لافتة إلى أن موسكو أصدرت إشارات من أعلى المستويات مفادها أن الطائرات المسيّرة تمثل "أولوية قصوى" للبلاد، حيث جرى حشد الموارد العامة والخاصة لبناء إمبراطورية صناعية لهذه الطائرات.

وفي منتدى اقتصادي عُقد مؤخراً في مدينة فلاديفوستوك الروسية، عرضت كل المناطق الروسية المشاركة تقريباً ما تنتجه من طائرات مسيّرة. واستعانت السلطات بطلاب مدارس في تصنيع هذه الطائرات، كما استفادت موسكو من علاقاتها الوثيقة مع إيران والصين للحصول على الخبرة الفنية وقطع الغيار، بحسب الصحيفة.

ويقدّر محللون أن روسيا قادرة الآن على إنتاج نحو 30 ألف طائرة هجومية مسيّرة سنوياً، مستندة إلى التصميم الإيراني، فيما يعتقد بعضهم أن موسكو قد تُضاعف هذا الرقم في عام 2026.

ولفتت الصحيفة إلى أن هذه الزيادات تُفسّر سبب استمرار معاناة أوكرانيا من الهجمات الروسية المتكررة، رغم تطويرها دفاعات جوية متقدمة وتقنيات طائرات مسيّرة خاصة بها.

ونقلت "نيويورك تايمز" عن ميكولا بيليسكوف، وهو محلل عسكري في المعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية التابع للحكومة الأوكرانية، قوله: "الإجابة بسيطة ومباشرة، فقد بدأوا ربما بإرسال بمئات الطائرات شهرياً، ثم من 2000 إلى 3 آلاف شهرياً في الربع الأول من هذا العام، والآن من 5 آلاف إلى 6 آلاف شهرياً". وأضاف: "بالتأكيد، المزيد منها سيتمكن من اختراق دفاعاتنا الجوية".

ووفقا للصحيفة، شهدت صناعة الطائرات المسيّرة تطوّراً تكنولوجياً ملحوظاً، مع تحسين أنظمة التوجيه، وزيادة مقاومة التشويش، وتطوير أنواع جديدة من الرؤوس الحربية.

ونوّهت إلى أن روسيا غيّرت تكتيكاتها، حيث ترسل الطائرات المسيّرة الهجومية في أسراب أو موجات، وتُوجّهها في مسارات مُربكة لصرف الانتباه عن الأهداف الحقيقية. 

كما تُرسل عدداً متزايداً من الطائرات المسيّرة المضللة، المصنوعة من الفوم المطلي والألواح الخشبية، التي تحمل أحياناً رؤوساً حربية صغيرة، ولا يمكن تمييزها عن الطائرات الحقيقية في السماء.

"لعبة قط وفأر"

وأوضحت الصحيفة أن هذه الطائرات تتجنب الحقول المفتوحة التي تعمل فيها فرق الدفاع الجوي الأوكرانية، وتحلق فوق الأنهار والغابات، ما يزيد من صعوبة اعتراضها، وبمجرد دخولها المدن، تصبح عملية إسقاطها أصعب بسبب المباني الشاهقة، والمخاطر التي تشكّلها على المدنيين.

والوضع الراهن يشبه "لعبة قط وفأر" تتغير باستمرار، حيث ترد أوكرانيا على تحليق الطائرات المسيّرة الروسية على ارتفاعات أعلى، باستخدام طائرات اعتراضية منخفضة التكلفة ومزودة برادار. إلا أن استخدام هذه الطائرات لا يزال محدوداً، بحسب كوفمان.

وقالت الصحيفة إن روسيا أصبحت رائدة في استخدام الطائرات المسيّرة التي تتجنب التشويش عبر الاتصال بأجهزة التحكم باستخدام كابلات ألياف ضوئية تمتد لأميال. كما أنشأت موسكو وحدة نخبة خاصة بالطائرات المسيّرة تُعرف باسم Rubicon، وتسعى لبناء فرع عسكري كامل يُطلق عليه اسم "قوات الطائرات المسيّرة".

وفي مواجهة تزايد استخدام روسيا للطائرات المسيّرة الهجومية والمضللة، عمدت أوكرانيا إلى ابتكار أساليب جديدة لإسقاطها، بحسب الصحيفة التي أشارت إلى أن الأنظمة التقنية المتقدمة، وباهظة الثمن، التي يقدمها الغرب، تحمي المدن الكبرى والبنية التحتية الرئيسية، وهي موجهة في الغالب ضد الصواريخ.

تصنيفات

قصص قد تهمك