جاء تحطم مقاتلة "تيجاس" (Tejas) خفيفة الوزن التابعة لسلاح الجو الهندي أثناء عرض جوي في معرض دبي للطيران، في ثاني حادث من نوعه لهذا الطراز منذ دخوله الخدمة، ليعقّد وضع المقاتلة التي راهنت عليها نيودلهي كمنتج محلي ينافس F-16 الأميركية التي تملكها باكستان، وكذلك مقاتلة الرعد الباكستانية – الصينية JF-17.
ونقلت مجلة "أفييشن ويك" المتخصصة في شؤون الطيران العسكري، عن سلاح الجو الهندي تأكيده أن الطيران لقي حتفه في الحادث، مع إعلان تشكيل لجنة تحقيق رسمية لمعرفة الأسباب الدقيقة.
يأتي هذا الحادث في الوقت الذي تعزز فيه الهند التزامها تجاه المقاتلة التي تصنّعها شركة "هندوستان آيرونوتيكس ليمتد". ففي وقت سابق من هذا العام، وقّعت الحكومة عقوداً مع الشركة لشراء ما يقرب من 97 طائرة من طراز Mk.1A. كما دشّنت الهند مؤخراً طاقة إنتاجية إضافية للبرنامج.
وضع حادث السقوط في معرض دولي موقف "تيجاس"، تحت المجهر، خاصة مع طموح الهند في تسويقها لعدة دول، إذ تعتمد على نجاح هذه التجربة باعتبارها استثماراً رئيسياً في "الاستقلال الدفاعي" الذي تسعى إليه نيودلهي بقوة.
مواصفات تيجاس
بدأت القوات الجوية الهندية في دراسة مشروع طموح لإنتاج مقاتلة خفيفة هندية الصنع بالكامل، واعتبرت نيودلهي أن "تيجاس" هي رمز لمشروع "صنع في الهند"، في مجال الطيران العسكري.
بدأت الهند العمل على الطائرة ضمن برنامج المقاتلة الخفيفة LCA الذي أطلق في ثمانينيات القرن الماضي لاستبدال أسطول مقاتلات "ميج-21" السوفيتية المتقادمة، وتقليص الاعتماد على مورّدين أجانب. وتولّت الهيئة الهندسية للتطوير الجوي ADA قيادة عملية التصميم، بينما تولت شركة هندوستان آيرونوتيكس HAL الإنتاج وتكامل الأنظمة.
استقر التصميم الهندي، على مزايا رئيسية، أكدتها بيانات وزارة الدفاع الهندية، إذ تتمتع الطائرة بهيكل خفيف مصنوع من مواد مركبة (كومبوزيت)، خاصة في الأجنحة وبدن الطائرة، ما يجعلها أقل وزناً، وذات بصمة رادارية منخفضة، فضلاً عن طول عمر المركبات المستخدمة.
اختارت ADA الهندية تصميم الأجنحة على شكل رمز دلتا، مماثلة للمقاتلات الفرنسية وكذلك المقاتلات الصينية. مع عدم وجود ذيل، وهو تصميم قالت وزارة الدفاع الهندية إنه يضيف ميزة القدرة على تنفيذ مناورات جوية صعبة، ورغم المخاوف من "عدم الاستقرار" خلال المناورة، أكدت السلطات الهندية المصنّعة للمقاتلة، أن "تيجاس" تتمتع بخاصية "عدم الاستقرار المتعمد" لتعزيز رشاقة المقاتلة في المناورات الجوية، ويتم التحكم فيها بالكامل عبر نظام طيران إلكتروني شامل.
وحسب البيانات الهندية التي رافقت إنتاج المقاتلة، فإن "تيجاس" تتمتع بنظام طيران رباعي القنوات (Fly by wire) رقمي بالكامل، والذي يترجم أوامر الطيار إلى إشارات إلكترونية تتحكم في الأسطح المتحركة للمقاتلة، ما يسمح بالطيران الآمن حتى في زوايا الهجوم الحادة.
تمتلك المقاتلة الهندية قمر قيادة رقمية بالكامل (Glass cockpit)، مزودة بشاشات متعددة الوظائف، وواجهة تحكم سواء على عصا التحكم أو الخانق HOTAS؛ ما يسهل إدارة المهام المعقدة خلال التحليق.
ورغم أن المقاتلة مصنوعة لتحقيق الاستقلال الصناعي في سلاح الجو، إلا أنها تستخدم محرك توريفان الأميركي من نوع GE F404-GE-IN20، وهو محرك قوي يوفر سرعة قصوى تقارب 1.8 ماخ (1 ماخ هو سرعة الصوت)، مع سقف طيران يصل إلى 16 ألف متر، وتنتظر الهند تطوير بعض نسخ "تيجاس" لاستخدام محرك أقوى، وذلك في النسخ الثقيلة من طراز MK.2.
نسخة Tejas Mk.1A التي يراهن عليها سلاح الجو الهندي تتضمن حزمة واسعة من الترقيات، أبرزها رادار مسح سلبي AESA، ومنظومة حرب إلكترونية متقدمة، وصواريخ جو–جو بعيدة المدى، وقدرة على التزوّد بالوقود جواً، ونسبة أعلى من المكونات المحلية، ما يضعها في مصاف المقاتلات الخفيفة الحديثة متعددة الأدوار.
هذه الإمكانيات التي أعلنتها الهند، جعلت "تيجاس" MK.1 منافساً قوياً لطائرات متنوعة، منها غريبين السويدية، مع أفضلية للهند كونها تستطيع السيطرة بشكل أكبر على سلسلة التوريد، حسب التقارير.
برنامج ضخم لإنتاج المقاتلة
ألقى حادث التحطم بظلاله على برنامج الإنتاج الهندي للمقاتلة الخفيفة، وهو البرنامج الذي نما فيه الطلب حتى وصل إلى 200 مقاتلة.
وحسب وزارة الدفاع الهندية، فإن سلاح الجو طلب في البداية 40 مقاتلة "تيجاس"، منها 20 من معيار الاعتماد التشغيلي الأولي IOC، و20 من معيار الاعتماد النهائي FOC. وبدأت عمليات التسليم الفعلية في 2015، ودخل أول سرب من المقاتلة للخدمة في 2016.
وفي فبراير 2021، وافقت الحكومة الهندية على عقد جديد لشراء 83 مقاتلة من النسخة المحدثة Tejas MK.1A منها 73 بمقعد واحد، و10 مقاتلات من النسخة ثنائية المقعد.
وخلال عامي 2023 و2024، وسّعت الهند برنامج المقاتلة عبر اتفاق مع شركة جنرال إلكتريك الأميركية، لتوريد أكثر من 100 محرك جديد لدفعة لاحقة من مقاتلات "تيجاس" طراز MK.1A وذلك بالتوازي مع إعلان نيودلهي عزمها شراء 97 مقاتلة إضافية من الطراز نفسه، ما يرفع العدد الإجمالي إلى أكثر من 200 مقاتلة.
ولتلبية هذه العقود، افتتحت "هندوستان آيرونتيكس" الهندية، خط إنتاج ثالث في مدينة ناشيك، مع عقد شراكة مع شركة خاصة لرفع القدرة السنوية للإنتاج إلى 24 مقاتلة خفيفة.
سجل السلامة يثير القلق
حتى حادث دبي، كان يُنظر إلى "تيجاس" على أنها طائرة ذات سجل سلامة مميز مقارنة بعمر برنامجها وعدد الطلعات التي نفّذتها. تقارير هندية رسمية ذكرت أن البرنامج قطع آلاف الطلعات التجريبية والعملياتية من دون حوادث تُذكر خلال أكثر من عقدين.
لكن هذا السجل تضرر لأول مرة في 12 مارس 2024، حين تحطمت مقاتلة "تيجاس" أحادية المقعد قرب مدينة جايسالمر في ولاية راجستان، بعد مشاركتها في تمرين للقوات المسلحة الهندية. الطيار تمكّن حينها من النجاة عبر القفز بمظلته ليعود دون إصابات، فيما أشارت التقارير الفنية الأولية إلى توقّف في المحرك؛ بسبب خلل في مضخة الزيت، كما أكدت تقارير هندية إخضاع كامل الأسطول لفحوص فنية وقائية.
ولم يرفع الحادث الأول، مستوى القلق من سلامة المقاتلة الهندية، خاصة مع إعلان نيودلهي عن نجاة الطيار وقيام الفرق الفنية بفحوص وقائية. لكن حادث السقوط الثاني وقع خارج الهند، وخلال تنفيذ مناورة فردية، من المفترض أنها من أبرز قدرات المقاتلة الهندية الخفيفة. كما وقع الحادث أمام عدسات الإعلام خلال معرض دولي كانت الهند تراهن على تسويق مقاتلتها من خلاله.










