أثار استهداف الجيش الأوكراني لقاعدتين عسكريتين روسيتين الثلاثاء، بصواريخ ATACMS البالستية بعيدة المدى، التساؤلات عما إذا كان حصول الجيش الأوكراني على هذا النوع من الأسلحة سيؤدي إلى تغيير المشهد العملياتي على الأرض، وسط ترجيحات بأن تؤدي الأسلحة الجديدة إلى تشتيت القوة الجوية الروسية عبر إجبار موسكو على سحب طائراتها بعيداً عن خطوط المواجهة.
وأعلنت واشنطن الثلاثاء، أنّها سلّمت منظومة الصواريخ التكتيكية العسكرية "أتاكمس" (ATACMS) التي يصل مداها إلى 165 كيلومتراً، إلى القوات الأوكرانية في سرية تامّة حتّى تتمكّن من قصف القواعد الخلفية الروسية.
وأعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الثلاثاء، استخدام هذه الأسلحة للمرة الأولى بنجاح. وأعلنت قواته الخاصة في اليوم نفسه مسؤوليّتها عن ضربات طالت مطارات في الأراضي التي تحتلها روسيا.
واعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنّ تسليم هذه الصواريخ، التي طالبت بها كييف على مدى أشهر، لن يغيّر أي شيء خلال الحرب، مجدِّداً تأكيده فشل الهجوم المضاد الأوكراني أمام الدفاعات الروسية.
وترددت الإدارة الأميركية في تسليم نظام الصواريخ الباليستية أتاكمس إلى أوكرانيا، خشية تصعيد الصراع، ولكن تصدير صواريخ أتاكمس لأوكرانيا، يشير إلى أن حسابات الإدارة الأميركية قد "تغيرت بعد الهجوم المضاد الأوكراني البطيء".
أول استخدام في المعركة
وأعلنت أوكرانيا، الثلاثاء، أن قواتها دمرت تسع مروحيات روسية، بالإضافة إلى معدات عسكرية أخرى، في هجوم على مدينتي بيرديانسك ولوجانسك في شرق أوكرانيا.
وتشير الهجمات الواضحة على قاعدتين جويتين في أوكرانيا التي تحتلها روسيا العلامات الرئيسية الأولى لاستخدام نظام الصواريخ التكتيكية أتاكمس.
وأعرب زيلينسكي، عن امتنانه للولايات المتحدة لالتزامها بالاتفاقيات مع كييف، لافتًا إلى أن أنظمة أتاكمس أثبتت نفسها.
وأكدت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي أدريان واتسون، في بيان، أن الولايات المتحدة زودت أوكرانيا بنوع من أنظمة أتاكمس قادرة على الوصول إلى مدى 165 كيلومتراً كجزء من الدعم المستمر لشعب أوكرانيا.
وأشارت المسؤولة الأميركية، إلى أن أنظمة أتاكمس ستوفر دفعة كبيرة لقدرات أوكرانيا في ساحة المعركة.
سرية تامة
ونقلت الولايات المتحدة أنظمة أتاكمس بشكل سري إلى أوكرانيا، ولم تصدر إعلاناً عن تلك المنظومة مثلما فعلت مع جميع الأسلحة الأخرى تقريباً.
وتمثل هذه السرية الشديدة تغييراً ملحوظاً عن الأسلحة الأميركية السابقة التي أرسلتها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، وقد يكون التردد الأميركي مرتبطاً جزئياً بمدى الصواريخ، مع مخاوف من أن كييف قد تستخدم الأسلحة لضرب عمق الأراضي الروسية، ما يثير غضب موسكو وتصعيد الصراع.
وأوضحت صحيفة "إندبندنت" البريطانية، أن المخاوف الأميركية المستمرة بشأن تصاعد التوترات مع روسيا هي السبب في أن نسخة أتاكمس التي ذهبت إلى أوكرانيا لها مدى أقصر من المسافة القصوى التي يمكن أن تصل إليها صواريخ تلك المنظومة، كما يشير العدد القليل من الصواريخ المرسلة إلى إحجام الولايات المتحدة عن إرسال الأسلحة القوية.
وأكدت إندبندنت، أن إرسال نسخة الذخائر العنقودية من أنظمة أتاكمس سيكشف للمرة الثانية الاتجاه الذي تحركت فيه الإدارة الأميركية لإرسال هذا النوع من الأسلحة.
أهداف مثالية
مجلة "ذا وور زون"، أكدت أن المطارات المليئة بالطائرات هي "الهدف المثالي" للرؤوس الحربية العنقودية التي تحملها صواريخ أتاكمس.
وأشارت إلى أن الحطام الذي يُزعم أنه تم العثور عليه في أعقاب الهجمات الأوكرانية، يُظهر ذخائر صغيرة من طراز "إم 74"، من النوع المستخدم في نسخة الرؤوس الحربية العنقودية من نظام أتاكمس.
وقد تتحول إصدارات الرؤوس الحربية العنقودية إلى مشكلة كبيرة للقوات الروسية.
وأوضحت صحيفة "إندبندنت"، أنه ربما تكون الصواريخ التي طلبتها أوكرانيا من الولايات المتحدة بشكل مستمر، عنصراً أساسياً في مساعدة القوات الأوكرانية خلال الأشهر المقبلة من الصراع.
قوة نيران فورية
وأتاكمس، هو صاروخ موجه بعيد المدى يمنح قادة العمليات "قوة نيران فورية للفوز بالمعارك البعيدة"، وتحمل الصواريخ، التي تنتجها شركة لوكهيد مارتن، رأساً حربيًا يزن 227 كجم.
ويجري تجهيز تلك الصواريخ بنظام تحديد المواقع العالمي GPS، ويبلغ مداها الأقصى 300 كيلومتر، برغم من أن الأسلحة الموردة إلى أوكرانيا لها مدى أقصر، وتحمل ذخائر عنقودية.
وعند إطلاقها، تنفتح العناقيد في الهواء، وتطلق مئات القنابل الصغيرة بدلاً من رأس حربي واحد.
تعزيز الهجوم المضاد
وأكدت أوكرانيا أن الصواريخ ستساعد على تعزيز هجومها المضاد مع اقترابها من أشهر الشتاء الموحلة والباردة، ما يمكن القوات من الضرب خلف الخطوط الروسية مع البقاء خارج نطاق الرماية.
وأعطت إدارة بايدن الضوء الأخضر لتسليم "عدد صغير" من الصواريخ الشهر الماضي، في أعقاب الضغط المستمر من أوكرانيا.
وتم تسليم الصواريخ وسط رفض المسؤولين الأميركيين مناقشة الأمر علنًا. وكان من المتوقع أن يأتي الاعتراف العلني الأول عندما يتم استخدام الصواريخ في ساحة المعركة.
وقال مسؤول تحدث إلى وكالة "أسوشيتد برس"، شريطة عدم الكشف عن هويته إن الصواريخ دخلت أوكرانيا خلال الأيام القليلة الماضية.
ورفضت الولايات المتحدة تقديم أي تفاصيل بشأن عدد الصواريخ التي تم تسليمها، رغم أن المسؤولين أشاروا إلى أن الخطة كانت في الواقع إرسال عدد صغير، ما يقرب من عشرين.
خطأ أميركي آخر
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اعتبر أن تسليم الولايات المتحدة صواريخ باليستية تكتيكية بعيدة المدى إلى كييف "خطأ آخر من جانب الولايات المتحدة".
وأكد بوتين أن تسليم صواريخ أتاكمس، التي يمكنها ضرب أهداف على بعد أكثر من 100 ميل وإطلاق وابل من الذخائر العنقودية، "لن يفيد أوكرانيا"، وسيؤدي فقط إلى إطالة أمد معاناة كييف.
وقالت صحيفة "الجارديان" البريطانية، إن صواريخ أتاكمس، وجهت واحدة من أسوأ الضربات ضد الطيران الروسي منذ أن أطلقت موسكو غزوها الواسع النطاق لأوكرانيا في فبراير 2022.
وقال بوتين الأربعاء، إن "الحرب هي الحرب"، لافتًا إلى أن أتاكمس ستشكل تهديداً، ولكن أوكرانيا غير قادرة على تغيير الوضع بشكل جذري على طول خط التماس.
وكانت روسيا حذرت الولايات المتحدة في وقت سابق من تقديم صواريخ أتاكمس، والتي أكدت كل من أوكرانيا والولايات المتحدة هذا الأسبوع أنه تم تسليمها مؤخرًا إلى كييف.
ماذا بعد؟
يرجح أن تجبر الضربات الأوكرانية على المطارات الروسية "ذات الأهمية التشغيلية" باستخدام نظام أتاكمس، الجيش الروسي على سحب بعض طائراته بعيدًا عن الخطوط الأمامية، وفقًا لمعهد دراسة الحرب.
وقال معهد دراسة الحرب، إنه مع نظام أتاكمس ستكون القوات الأوكرانية قادرة على شن المزيد من الهجمات المدمرة ضد الطائرات الروسية، ودفعها بعيدًا عن الخطوط الأمامية.
وأضاف أن ضربات أتاكمس على المطارات الروسية ذات الأهمية التشغيلية في أوكرانيا ستدفع على الأرجح القيادة الروسية إلى تفريق الأصول الجوية، وسحب بعض الطائرات إلى المطارات البعيدة عن خط المواجهة.
وأكد معهد دراسة الحرب أن روسيا قامت أيضاً بتوزيع طائراتها عبر المطارات، نقلاً عن صور الأقمار الاصطناعية، ما يعني أن أوكرانيا ربما لم تكن قادرة إلا على استهداف طائرة واحدة في كل مرة.
وقالت إن هذا سيتغير مع النسخة الأوكرانية الجديدة المسلحة بالذخائر العنقودية من صواريخ أتاكمس بعيدة المدى، والتي يمكن أن تضرب "على نطاق أوسع".
وأشار معهد دراسة الحرب إلى أنه في الأشهر الأولى من الهجوم المضاد الأوكراني، استخدمت القوات الروسية طائرات ذات أجنحة دوارة "لإحداث تأثير كبير" ضد الهجمات الأوكرانية على الخطوط الأمامية.
وقد تهدد أنظمة أتاكمس بشكل بالغ مستودعات الذخيرة الروسية في المناطق الخلفية.
وأشار المركز البحثي إلى أن روسيا تكيفت مع القدرات الهجومية الأوكرانية الجديدة في الماضي، ولكن بعد تكبدها "خسائر واضحة".