"ناشيونال إنترست": ماذا يمكن أن تفعل الصين بأسلحة شبيهة بما لدى الحوثيين؟

ما يجب أن تتعلمه تايوان من التصعيد العسكري في البحر الأحمر

السفينة الحربية البريطانية "دايموند" أمام سواحل اليمن جنوبي البحر الأحمر. 6 يناير 2024 - Reuters
السفينة الحربية البريطانية "دايموند" أمام سواحل اليمن جنوبي البحر الأحمر. 6 يناير 2024 - Reuters
دبي -الشرق

جذب التصعيد الأخير في البحر الأحمر المواكب لحرب إسرائيل على قطاع غزة، الانتباه إلى الإمكانيات التي تتيحها الطائرات المسيّرة ضئيلة التكلفة في حرب بحرية، إذ أبدى محللون دهشتهم حيال قدرة الحوثيين في اليمن على توظيف أسلحة متواضعة التكلفة، أتاحت لهم فرض ما يشبه إغلاقاً بحرياً، واستنزاف ذخيرة البحرية الأميركية، رغم ما قد ينطوي عليه الانطباع بشأن استنزاف البحرية الأميركية من مبالغة.

وبعيداً عن اليمن وجماعة الحوثي، طرحت مجلة "ناشيونال إنترست" الأميركية سؤالاً: ماذا يمكن أن تفعل الصين بأسلحة متواضعة شبيهة أو أكثر تقدماً مما لدى الحوثيين؟

كاميكازي وشاهد-136

وفي معرض الإجابة لفتت المجلة إلى أن استخدام صواريخ الدفاع الجوي من طرازي SM-2، وESSM، والمقاتلات، والمدافع عيار 5 بوصات، للتصدي للطائرات المسيّرة الانتحارية "كاميكازي" في البحر الأحمر، تثير قلق الولايات المتحدة، فالطائرة المسيّرة، إيرانية الصنع، "شاهد-136" التي استُخدمت في هجمات ضد سفن مؤخراً، لا تتجاوز تكلفتها وفق أعلى التقديرات 50 ألف دولار، وهو مبلغ متواضع مقارنة بتكلفة الأسلحة المستخدمة للتصدي لها.

وفي سياق حرب بحرية، لا يكون من قبيل المبالغة القول إن الطائرات المسيّرة الانتحارية أقرب إلى صواريخ مضادة للسفن ضئيلة التكلفة منها إلى طائرات مسيّرة، بل إنها أكثر كفاءة من الصواريخ الباليستية المضادة للسفن باهظة التكلفة، والتي حظيت بإعجاب كبير خلال السنوات العشر الماضية، والحقيقة أنه لا توجد أي دفاعات تعمل بالطاقة الحركية بإمكانها اعتراض الطائرات المسيّرة الانتحارية، وفقاً لـ"ناشيونال إنترست".

دفاعات الطاقة الحركية

تدافع السفن الحربية عن نفسها، على نحو تقليدي، ضد الصواريخ المضادة للسفن، باستخدام صواريخ دفاع جوي تعوض قصر مداها بالسرعة والدقة، ولكنها بوجه عام قريبة من حيث التكلفة من الصواريخ المضادة للسفن التي تتصدى لها.

على سبيل المثال، حين يكلف الصاروخ Harpoon Block II المضاد للسفن 1.4 مليون دولار، يكلف صاروخ الدفاع الجوي قصير المدى ESSM نحو مليون دولار، وصاروخ الدفاع الجوي بعيد المدى SM-2 نحو مليوني دولار.

ومع ذلك، فمن منظور التكلفة يمكن الخروج بملاحظة مفادها أن حماية السفن الحربية باستخدام صواريخ الدفاع الجوي مقاربة غير فعالة، فتكلفة مدمرة واحدة تقترب من ملياري دولار، ولا تحمل سوى عدد محدود من صواريخ الدفاع الجوي المخصصة لحمايتها (96 صاروخ SM-2 أو 384 صاروخ ESSM)، ما يعني أن 714 صاروخاً من طراز Harpoon تكلف تقريباً نصف تكلفة المدمرة، يمكن أن تتغلب بسهولة على دفاعاتها، ومن منظور تحليل التكلفة أيضاً نجد أن تكلفة مدمرة واحدة تساوي تكلفة 20 ألف طائرة مسيرة من طراز "شاهد-136".

وربما يكون استخدام أنواع معينة من مدافع القذائف، أو المدافع الرشاشة كبيرة العيار للتصدي للطائرات المسيّرة الانتحارية أكثر كفاءة من حيث التكلفة من استخدام الصواريخ الاعتراضية، ولكن تظل هذه المدافع بحاجة إلى وقت طويل نسبياً، وكمية كبيرة من الذخيرة لاعتراض عدد صغير من الطائرات المسيّرة الانتحارية، حتى ولو كانت دقيقة التصويب.

وعلى سبيل المثال، فبافتراض أن مدفعاً عيار 5 بوصات، على متن مدمرة من فئة Arleigh Burke، يستطيع الاشتباك مع طائرات على مدى 20 ميلاً بحرياً، فسيكون أمامه 12 دقيقة على الأكثر لاعتراض طائرات مسيّرة مهاجمة تحلق بسرعة 100 عقدة، قبل أن تصل إلى المدمرة وتصيبها، ومع ملاحظة أن المدفع المذكور يطلق بمعدل 20 قذيفة في الدقيقة نجد أنه يستطيع تدمير 240 طائرة مسيرة على الأكثر خلال 12 دقيقة، بافتراض أن كل قذيفة ستصيب طائرة.

وتُعد المقاتلات المزودة بالصواريخ جو – جو، والمدافع الرشاشة خياراً آخر للتصدي للطائرات المسيّرة الانتحارية، ولكن تكلفة الصواريخ جو – جو باهظة للغاية مقارنة بتكلفة الطائرات المسيّرة، فيما لا تتيح كمية الذخيرة للمدافع الرشاشة على متن مقاتلة واحدة، تدمير أكثر من 20 طائرة مسيّرة، وبتطبيق نفس العملية الحسابية السابقة يتضح أن التصدي لـ 20 ألف طائرة مسيّرة، تستهدف مدمرة واحدة، يستلزم مشاركة أكثر من 600 مقاتلة.

ونظراً إلى عدم فعالية دفاعات الطاقة الحركية من حيث التكلفة للدفاع عن السفن، تلجأ القوات البحرية عادة إلى إحدى مقاربتين للنجاة من الأجسام الجوية المهاجمة، إما تدمير مصدر إطلاقها مباشرة، أو البقاء خارج مرمى النيران المعادية. وفي حال ما إذا كان مطلوباً التصدي لصاروخ Harpoon، البالغ مداه 8 أميال بحرية فقط، يمكن للقطعة البحرية المستهدفة المزج بين المقاربتين معاً.

الحرب الإلكترونية

ومع ذلك، تفرض الطائرات المسيّرة الانتحارية تهديداً من مستوى مختلف تماماً لا تجدي معه المقاربتين المذكورتين كثيراً، فهذه الطائرات المسيّرة، التي قد يتعدى مداها 1000 ميل بحري، يمكن إطلاقها من منصات أرضية ثابتة، أو محمَّلة على شاحنات، وموزعة على مساحة واسعة، كما أنه من شبه المستحيل على القطع البحرية العسكرية البقاء خارج مرماها إذا كانت، على سبيل المثال، مكلفة بمرافقة سفن تجارية في طريقها إلى موانئ اليابان، أو تايوان.

وبالنظر إلى حدود قدرات دفاعات الطاقة الحركية، يبقى الخيار الأفضل لحماية القطع البحرية من الطائرات المسيّرة الانتحارية هو وسائل الحرب الإلكترونية، القادرة إما على تشويش الاتصال بين الطائرات المسيّرة ومشغليها، أو إتلاف إلكترونيات الطائرات المسيّرة، وفضلاً عن ذلك تُعد وسائل الحرب الإلكترونية أكثر كفاءة من صواريخ الدفاع الجوي من حيث مداها الأبعد، وقدرتها على التصدي لعدد كبير من الأجسام الجوية المهاجمة في نفس الوقت. 

وبفضل هذه المزايا، ستظل وسائل الحرب الإلكترونية على الأرجح الخيار الأول لحماية القطع البحرية، على الأقل إلى حين تطوير طائرات مسيّرة اعتراضية مخصصة لهذه المهمة.

ورغم ذلك تُظهر خبرات الحرب الروسية الأوكرانية بوضوح أن الطائرات المسيّرة الانتحارية رخيصة التكلفة (ناهيك عن الطائرات المسيّرة الأكثر تقدماً وتكلفة نسبياً) لا تزال فعالة، حتى مع التصدي لها بوسائل الحرب الإلكترونية. 

ولا شك في أن دولة مثل الصين لن تواجه أي صعوبات للحصول على أعداد كبيرة من الطائرات المسيّرة الانتحارية، رخيصة التكلفة، وبسيطة التركيب، فبإمكانها إنتاج مثل هذه الطائرات على نطاق واسع، والحصول على مئات الآلاف، أو حتى الملايين منها في غضون أشهر معدودة، في حين قد يستغرق تطوير قدرات مضادة لها، ونشرها على متن القطع البحرية وقتاً أطول بكثير.

وسائل اعتراض بدائية

من بين وسائل الحرب الإلكترونية، يمكن أن تكون أسلحة النبضات الكهرومغناطيسية فعّالة في التصدي للطائرات المسيّرة الانتحارية، وإن كان يمكن التغلب عليها أيضاً بتوسيع مساحة انتشار الطائرات المسيّرة، أو إطلاقها على دفعات متتالية.

ويمكن أن توفر المدافع الرشاشة عتيقة الطُرُز على متن المقاتلات المأهولة حلاً مؤقتاً للتصدي للطائرات المسيّرة الانتحارية، فعلى سبيل المثال كان مخزن ذخيرة المدفع SUU-16 المدمج على متن المقاتلة الأميركية F-4 Phantom يتسع لـ 1200 طلقة، ويطلق بمعدل 6000 طلقة في الدقيقة، وهو معدل أسرع بكثير من المطلوب للاشتباك مع طائرات بطيئة. وبحساب بسيط، قد يتطلب تدمير 100 طائرة مسيّرة انتحارية استخدام 4 مدافع مزوّدة بكمية كافية من الذخيرة، بمعدل 600 طلقة في الدقيقة.

أما فيما يتعلق بالطائرات المناسبة للتصدي للطائرات المسيّرة الانتحارية، تبدو المروحية العاملة بتقنية المراوح القابلة لتغيير الاتجاه V-22 Osprey خياراً جيداً، فسرعتها البالغة 250 عقدة كافية للتصدي للطائرات المسيّرة من طراز "شاهد-136" البالغة سرعتها 100 عقدة، ويمكنها الإقلاع عمودياً من قواعد أرضية، أو من على متن قطع بحرية. والأهم من ذلك أن هناك 400 طائرة من هذا الطراز جاهزة للتشغيل بالفعل.

ومع ذلك، لا يخفى أن هذه الوسيلة الاعتراضية البدائية نسبياً ليست حلاً مثالياً للتصدي للطائرات المسيّرة الانتحارية، فبافتراض تشغيل أسطول كامل من 400 طائرة V-22 Osprey تستطيع كل منها تدمير 100 طائرة "شاهد-136" خلال الطلعة الواحدة، فهذا يعني أن الأسطول بأكمله لا يمكنه تدمير أكثر من 4 آلاف طائرة مسيّرة تكلف مشغلها ملياري دولار، أو ما يساوي تكلفة مدمرة واحدة، وهذا يعيدنا إلى القول إن وسائل الحرب الإلكترونية هي الخيار الأفضل حتى الآن للتصدي للطائرات المسيرة الانتحارية.

على أن تجربة التصعيد الحالية في البحر الأحمر تُظهر أن وسائل الحرب الإلكترونية قد لا تكون كاملة الفعالية في التصدي للطائرات المسيّرة الانتحارية، وليس من المناسب للولايات المتحدة استخدامها في صراع منخفض الحدة خشية تسرب أسرارها إلى الصين وروسيا.

ومن ثم، قد يكون الخيار الأكثر مناسبة هو الاعتماد على مزيج من الوسائل الاعتراضية البدائية (مثل طائرات القتال المزودة بالمدافع الرشاشة) ووسائل الحرب الإلكترونية، كلٌ حسب الحاجة والموقف، لتقليل الفجوة بين الطائرات المسيّرة الانتحارية رخيصة التكلفة، والصواريخ الاعتراضية التقليدية باهظة التكلفة، ريثما يتم تطوير تكنولوجيا دفاعية مضادة أكثر كفاءة.

مخزون حرب

في حال حصول الصين على أعداد ضخمة من الطائرات المسيّرة الانتحارية، وعدم مواكبة القدرات الدفاعية المتاحة حالياً لهذا التهديد، سيكون من الصعب للغاية منع بكين من فرض حصار، ولو مؤقت، على سلسلة الجزر الأولى في المحيط الهادئ.

وفي هذه الحالة ربما يكون الحل الوحيد هو توجيه جزء من جهود مواجهة الصين إلى مراكمة مخزونات كافية من الطعام، والوقود، والتجهيزات العسكرية، وغير ذلك من الضروريات في سلسلة الجزر الأولى، ولا سيما تايوان، بما يتيح للولايات المتحدة وحلفائها بعض الوقت للبحث عن طريقة لكسر الحصار.

وخلال عامي 2021 و2022، حافظت تايوان على مخزون طعام يكفي لمدة 6 أشهر على الأقل، ومخزون من الفحم يكفي 39 يوماً، ومخزون من النفط يكفي 146 يوماً، ومخزون من الغاز الطبيعي يكفي 11 يوماً.

وخلال عام 2021 بلغت قيمة واردات تايوان من المنتجات الزراعية 14.8 مليار دولار، ومن الفحم 16.2 مليار دولار، ومن النفط 31 مليار دولار، بمجموع 62 مليار دولار، أو ما يساوي 7.5% من الإنفاق العسكري الأميركي خلال نفس العام.

ولدى تايوان، والولايات المتحدة، واليابان القدرة على زيادة مخزونات الحرب في سلسلة الجزر الأولى بكميات كبيرة، تكفي لإتاحة الوقت اللازم لإيجاد وسائل تكنولوجية للتصدي لوسائل الحصار الصيني قبل النقطة التي يصبح كسره فيها ضرورة لا بد منها.

تصنيفات

قصص قد تهمك