تقديرات "حرب تايوان".. خسائر تريليونية وانهيار طرق التجارة العالمية

time reading iconدقائق القراءة - 13
علم تايوان يرفرف وراء تمثال لجندي في تايبيه - 15 أغسطس 2022 - REUTERS
علم تايوان يرفرف وراء تمثال لجندي في تايبيه - 15 أغسطس 2022 - REUTERS
دبي-الشرق

أظهرت تقديرات "بلومبرغ إيكونوميكس" أن تكلفة اندلاع مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة والصين بشأن تايوان ستكون مدمرة على الاقتصاد العالمي، إذ ستبلغ حوالي 10 ترليونات دولار، أي خسارة ما يعادل 10% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وستتجاوز تداعيات الغزو الرّوسي لأوكرانيا، وجائحة كوفيد-19، والأزمة المالية العالمية لعام 2008.

وأوردت "بلومبرغ" أنه إذا اندلعت حرب تايوان ستكون لها تكلفة هائلة من حيث الأرواح والأموال، وهو ما يجعل غير الراضين عن الوضع الراهن لديهم من الأسباب ما يجعلهم لا يخاطرون بها.

وتمثّل الانتخابات الرئاسية التايوانية المقرّرة في الثالث عشر من يناير، نقطة اشتعال محتملة بين بكين وواشنطن، خصوصاً في ظل الثقل الاقتصادي والعسكري الذي باتت تحظى به الصين في العالم، والشعور المتزايد بالهوية الوطنية في تايوان، والعلاقات المتوترة بين بكين وواشنطن، وهو ما يعني أن جميع ظروف حدوث "أزمة" أصبحت قائمة. 

وقالت "بلومبرغ" إن هناك مؤشرات تستبعد قيام الرئيس شي جين بينج بحملة عسكرية في تايوان، منها أن جيش التحرير الشعبي لا يحشد قواته على الساحل، كما أن قضايا الفساد التي تنخر الجيش الصيني باتت تلقي بظلال من الشك على قدرة قادة بكين على شن حملة ناجحة.

ويقول المسؤولون الأميركيون إن التوترات خفت إلى حد ما عقب "قمة كاليفورنيا" في نوفمبر الماضي، بين الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الصيني شي جين بينج، اللذين تعهدا بإجراءات "تدفئ العلاقات" لجذب المستثمرين الأجانب.

وشددت "بلومبرغ" على أن حرب أوكرانيا وغزة وعدد من التوترات، تؤكد مدى إمكانية تحول التوترات المستمرة منذ فترة طويلة إلى صراع، مشيرة إلى أن المستثمرين في بورصة "وول ستريت" والمخططين العسكريين وعدد من الشركات التي تعتمد على شبكات مواصلات في تايوان، بدأوا يتحركون لتجنب مخاطر الحرب.

ويحاول خبراء الأمن القومي في البنتاجون، ومراكز الأبحاث بالولايات المتحدة واليابان، والشركات الاستشارية العالمية، وضع سيناريوهات مختلفة لطرق استيلاء الصين على تايوان، بدءاً من فرض حصار بحري على المضيق، إلى الاستيلاء على جزر تايوان النائية، ثم الغزو الصيني الشامل.

ويقول جود بلانشيت، الخبير الصيني في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن الاهتمام بأزمة تايوان من جانب الشركات متعددة الجنسيات التي يقدم لها المشورة "قد انفجر" منذ الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022. وقال إن الموضوع يستحوذ على 95% من المحادثات.

وتشير "بلومبرغ إلى أن الغزو الروسي لأوكرانيا ونقص شركات أشباه الموصلات الرائدة في العالم حالياً، يقدمان لمحة بسيطة عما سيكون عليه الاقتصاد العالمي حال اندلاع مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة والصين.

وتصنع تايوان معظم أشباه الموصلات المتقدمة في العالم، والعديد من الرقائق المتطورة أيضاً. على الصعيد العالمي، يأتي 5.6% من إجمالي القيمة المضافة من القطاعات التي تستخدم الرقائق كمدخلات مباشرة، أي ما يقرب من 6 تريليونات دولار.

ويبلغ إجمالي القيمة السوقية لأفضل 20 عميلاً لشركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات العملاقة للرقائق حوالي 7.4 تريليونات دولار. ويعد مضيق تايوان أحد أكثر ممرات الشحن ازدحاماً في العالم.

حالة الحرب

وضعت "بلومبرغ إيكونوميكس" سيناريوهين لتطور الوضع في تايوان وهما الغزو الصيني الذي يجر الولايات المتحدة إلى صراع محلي، والحصار الذي يقطع تايوان عن التجارة مع بقية العالم.

وأشارت إلى أنه تم استخدام مجموعة من النماذج لتقدير التأثير على الناتج المحلي الإجمالي، مع الأخذ في الاعتبار الضربة التي قد تهم إمدادات أشباه الموصلات، وتعطيل الشحن في المنطقة، والعقوبات التجارية والرسوم الجمركية، والتأثير على الأسواق المالية.

وأوضحت "بلومبرغ" أن نزاع تايوان سيؤدي إلى المساس بالاقتصادات الكبرى العالمية، وخصوصاً في ما يتعلق بإمدادات أشباه المواصلات المتأثرة أصلاً بحرب أوكرانيا، إذ سينتج عن ذلك تأثر خطوط المصانع التي تنتج أجهزة الكمبيوتر المحمولة، والأجهزة اللوحية، والهواتف الذكية، فالرقائق المتطورة في تايوان أساسية، ولا يمكن استبدالها، كما أن قطاع السيارات والقطاعات الأخرى التي تستخدم الرقائق ذات الجودة المنخفضة ستتعرض لضربة كبيرة أيضاً.

وتؤدي الحواجز أمام التجارة والصدمة الكبيرة الناجمة عن العزوف عن المخاطرة في الأسواق المالية إلى زيادة التكاليف، وفق "بلومبرغ".

واستناداً إلى الصراعات الأخيرة المماثلة، تقدر "بلومبرغ إيكونوميكس" أن تتعرض تايوان لضربة اقتصادية هائلة بخسارة 40% من ناتجها المحلي الإجمالي، كما أن من شأن تركز القاعدة السكانية والصناعية على الساحل أن يزيد من التكلفة البشرية والاقتصادية.

ومع انقطاع العلاقات مع الشركاء التجاريين الرئيسيين وعدم القدرة على الوصول إلى أشباه الموصلات المتقدمة، فإن الناتج المحلي الإجمالي في الصين سيتعرض هو الآخر لضربة بخسارة 16.7%.

وبالنسبة للولايات المتحدة، التي تظل بعيدة عن مسرح الأحداث، فإنه من المتوقع أن تخسر 6.7% من ناتجها المحلي الإجمالي، في ظل اعتماد شركة أبل على سلسلة توريد الإلكترونيات الآسيوية.

وبالنسبة للعالم ككل، سينخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 10.2%، وستكون كوريا الجنوبية واليابان واقتصادات شرق آسيا الأخرى الأكثر تأثراً.

وذكرت "بلومبرغ" أن الافتراض الرئيسي في هذا السيناريو هو أن الولايات المتحدة ستنجح في تجنيد حلفائها لفرض عقوبات اقتصادية منسقة وشديدة ضد الصين.

ويقول المسؤولون الأميركيون إن رد الفعل الصيني على الزيارة التي قامت بها رئيسة مجلس النواب الأميركي آنذاك نانسي بيلوسي إلى تايبيه في أغسطس 2022 ساعد على إقناع دول مجموعة السبع الأخرى بأن خطر الصراع حقيقي.

ورأت بكين ذلك بمثابة تحول في الوضع الراهن جعل الرئيس شي جين بينج يبدو ضعيفاً، خاصة بعد أن أشار متتبعون محليون إلى أن الصين ستكون قادرة على منعها من الهبوط في تايبيه.

وقال المسؤولون الأميركيون إن تداعيات زيارة بيلوسي التي شهدت قيام الصين بإجراء تدريبات بحرية واسعة النطاق يُنظر إليها على أنها تدريب على الحصار، ساعدت في بناء ذاكرة إظهار العضلات الدبلوماسية لردود فعل منسقة.

وأشار ريك ووترز، المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية والمتخصص في السياسة الصينية إلى أن "خطاب الصين، ورد فعل جيش التحرير الشعبي على زيارة بيلوسي أثار موجة من التخطيط الهادئ للطوارئ والسيناريوهات وسط أرباب الشركات".

وقامت "بلومبرغ إيكونوميكس" أيضاً بوضع نموذج لما سيعنيه الحصار الذي تفرضه الصين على تايوان لمدة عام بالنسبة للاقتصاد العالمي، وبالنسبة لتايوان، الاقتصاد الصغير المفتوح الذي ازدهر من خلال التجارة، فإن الناتج المحلي الإجمالي في العام الأول سينخفض بنسبة 12.2%.

وبالنسبة للصين والولايات المتحدة والعالم ككل، فإن الناتج المحلي الإجمالي في العام الأول سينخفض بنسبة 8.9%، و3.3%، و5% على التوالي. 

انتخابات لاحقة

وحتى لو لم تتسبب نتيجة انتخابات تايوان في إشعال أزمة فورية، فإنها ستحدد اتجاه العلاقات عبر المضيق، وفق "بلومبرغ".

ويبذل لاي تشينج تي، الذي يشغل حالياً منصب نائب الرئيس في إدارة الحزب الديمقراطي التقدمي قصارى جهده لتقديم نفسه كمرشح للاستمرارية، مع عدم وجود خطط لتعكير صفو العلاقات مع بكين.

ولكن لاي تشينج تي وصف نفسه في الماضي بأنه "عامل يخطط من أجل استقلال تايوان". وبالنسبة لبكين، التي تعتبر الجزيرة جزءاً من أراضيها، فإن أي مسعى رسمي من أجل الاستقلال سيكون بمثابة تجاوز للخط الأحمر. وفي اجتماعه مع بايدن، أعرب شي جين بينج عن قلقه العميق بشأن احتمال فوز لاي، وفقاً لمسؤول كبير في الإدارة.

وأوردت "بلومبرغ" أن وجهة النظر المقابلة للحزب الديمقراطي التقدمي، والتي تتوافق مع التقييم في واشنطن، هي أن عدائية بكين هي المشكلة، وليس رغبة تايوان في استمرار الحكم الذاتي.

ويعد معارضو لاي (هو يو إيه من حزب الكومينتانج، وكو وين جي من حزب الشعب التايواني)، باتخاذ خطوات عملية لتحسين العلاقات مع الجارة العملاقة لتايوان، من دون التضحية باستقلال الجزيرة الفعلي.

ويقول مسؤولون أميركيون إن الصين ربما تخطط لرد فعل متعدد الجوانب على الانتخابات، من خلال توغلات عسكرية، وعقوبات اقتصادية، وتكتيكات المنطقة الرمادية مثل الهجمات الإلكترونية.

ويقول المسؤولون في واشنطن وتايبيه إن الفترة من الانتخابات في يناير وحتى تنصيب الرئيس الجديد في مايو المقبل، تمثل منطقة خطر بالنسبة لردود الأفعال الصينية التي تهدف إلى تطويق رئيس تايوان المقبل.

الظروف المتوترة

وأياً كان الفائز، فسيكون لزاماً عليه أن يتعامل مع مجموعة متغيرة ومليئة بالتحديات من الحقائق عبر المضيق.

وفي عام 1979، عندما حولت الولايات المتحدة اعترافها الدبلوماسي من تايبيه إلى بكين، كان الناتج المحلي الإجمالي الأميركي 10 أضعاف نظيره في الصين، وكانت المؤسسة العسكرية الصينية في المراحل الأولى من التحديث، وكانت تايوان لا تزال تحت حكم الحزب الواحد.

وحالياً، نجح الناتج المحلي الإجمالي الصيني في سد قسم كبير من الفجوة مع الولايات المتحدة، وتتباهى المؤسسة العسكرية الصينية بمكانتها وجذورها الوطنية، فيما تشكل الديمقراطية الليبرالية في تايوان تناقضاً واضحاً مع النظام الاستبدادي في الصين، بحسب "بلومبرغ".

وزادت تصريحات الزعماء في بكين وواشنطن من حدة التوتر.

وقال شي جين بينج أكثر من مرة إن تايوان ليست قضية يمكن "توريثها جيلاً بعد جيل". وإلى جانب جهوده لتحديث الجيش، أثارت تلك التصريحات تكهنات بأنه يريد تحقيق التوحيد في عهده، إذ وصف مسؤولون استخباراتيون وعسكريون أميركيون عام 2027 بأنه عام الخطر.

وفي اجتماعه مع بايدن، أعرب شي جين بينج عن إحباطه من وجهة النظر القائلة بأن القوات الصينية تهدف إلى الاستعداد للغزو بحلول عام 2027، وهو ما قال إنه كان خاطئاً، وفقاً لمسؤول أميركي كبير.

من جانبه، قال بايدن إن الولايات المتحدة ستهب لمساعدة تايوان في حالة الغزو الصيني.

ويستعد المستثمرون والشركات بالفعل للأسوأ. يقول كيرك يانج، رئيس صندوق الاستثمار في الأسهم "كيركلاند كابيتال"، والخبير في شركات التكنولوجيا الآسيوية، إن وضع الصندوق في تايوان يقترب الآن من الصفر، لافتاً إلى أن التوترات الجيوسياسية "أضافت حافزاً لتقليص الاستثمارات بوتيرة أسرع".

وتقوم الشركات والحكومات أيضاً بالتحضيرات. وارتفعت الاستثمارات الجديدة في مجال الإلكترونيات والمعدات الكهربائية إلى 181 مليار دولار في 2022 من 48 مليار دولار عام 2020، إذ فتحت حكومات الولايات المتحدة واليابان وألمانيا محافظها لتنويع مصادر إمدادات أشباه الموصلات.

المنهجية

بالنسبة لسيناريوهات الحرب والحصار، تستخدم "بلومبرغ إيكونوميكس" مجموعة من النماذج لتقييم تأثير الاضطرابات في إمدادات أشباه الموصلات، والحواجز التجارية، وصدمات الأسواق المالية.

وقالت "بلومبرغ" إنه يتم تقييم اضطرابات سلسلة التوريد باستخدام بيانات التجارة في القيمة المضافة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لعام 2018.

وتُستخدم بيانات المدخلات والمخرجات الخاصة بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لتقدير الاضطرابات المباشرة في القطاعات التي تستخدم أشباه الموصلات كمدخل (الكمبيوتر، والإلكترونيات، والمنتجات البصرية، والمعدات الكهربائية، والآلات والمعدات، والمحركات).

ويتم تعريف حلفاء الولايات المتحدة على أساس الحصص التجارية والعلاقات التعاهدية وتقديرات "بلومبرغ إيكونوميكس"، ويتم تعريف أستراليا وكندا ورابطة التجارة الحرة الأوروبية والاتحاد الأوروبي واليابان والمكسيك وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة على أنهم حلفاء للولايات المتحدة. 

تصنيفات

قصص قد تهمك