"الزوارق المسيرة الانتحارية" رهان أوكراني في مواجهة روسيا بالبحر الأسود

قارب مسير من طراز ماجورا تابع للمديرية الرئيسية للمخابرات بوزارة الدفاع الأوكرانية في البحر الأسود. 14 أبريل 2024 - AFP
قارب مسير من طراز ماجورا تابع للمديرية الرئيسية للمخابرات بوزارة الدفاع الأوكرانية في البحر الأسود. 14 أبريل 2024 - AFP
دبي -الشرق

في صباح أحد أيام الخريف الماضي، غادرت سفينة حربية روسية خليج سيفاستوبول بعد أن أحدث انفجار ثقباً في هيكلها. وقالت وكالات أنباء حكومية روسية، إن السفينة، التي أعادتها زوارق القطر إلى الميناء في 14 سبتمبر الماضي، تصدت للهجوم الأخير الذي شنته مُسيرات بحرية أوكرانية، بحسب "وول ستريت جورنال".

وأوضحت "وول ستريت جورنال"، أن هذه المُسيرات هي زوارق صغيرة متفجرة كانت تصطدم بسفن البحرية الروسية في البحر الأسود منذ أشهر. ولكن في هذه المرة، قال مسؤولون أوكرانيون إن قواتهم استخدمت "سلاحاً تجريبياً" إلى جانب الزوارق المُسيرة. 

وقال العميد إيفان لوكاشيفيتش، الذي يعمل بجهاز الأمن الأوكراني، للصحيفة، إن الهجوم كان الأول من نوعه في الحرب، مُوضحاً أن السفينة الروسية تم تعطيلها بواسطة لغم زرعه زورق مُسير، والذي نقل اللغم لمسافة تصل إلى 250 ميلاً قبل عودته إلى الميناء.

وأضاف لوكاشيفيتش، وهو مصمم برنامج المُسيرات البحرية الأوكراني: "في السابق، كانت الزوارق البحرية تُستخدم في الغالب في المراقبة ونقل الإمدادات اللوجستية. نحن نفعل أشياء كثيرة لم يقم بها أحد في العالم".

وأغرقت أوكرانيا أو أتلفت نحو 20 سفينة روسية مختلفة الأحجام، باستخدام زوارق مُسيرة متفجرة (انتحارية) أو ألغام تُنقل بواسطة زوارق منخفضة الارتفاع بحجم قارب صيد صغير، بحسب الصحيفة.

استهداف البنية التحتية

وقالت "وول ستريت جورنال"، إن المُسيرات البحرية ألحقت أضراراً جسيمة بجسر يمتد من روسيا إلى شبه جزيرة القرم المحتلة كانت تستخدمه موسكو لتوفير الإمدادات لقواتها في أوكرانيا. واستهدفت أوكرانيا أيضاً سفناً روسية ومنشآت موانئ باستخدام صواريخ مقدمة من الغرب. 
 
ونتيجة لذلك، نشرت روسيا معظم أسطولها في البحر الأسود بعيداً عن سيفاستوبول، لتتمكن أوكرانيا من استئناف صادرات بمليارات الدولارات من ميناء أوديسا الرئيسي.

وأضافت الصحيفة، أن الصواريخ التي تُطلق من السفن الروسية، تستغرق وقتاً أطوال حتى تصل إلى أوكرانيا، ما يمنح أطقم الدفاع الجوي وقتاً إضافياً لاعتراضها. 

ونقلت روسيا طائرات الاستطلاع، والمقاتلات النفاثة، والمروحيات، والطائرات المُسيرة، وأنظمة التشويش الإلكتروني من الخطوط الأمامية؛ لمواجهة المُسيرات البحرية الأوكرانية، ما خفف الضغط على القوات البرية الأوكرانية المحاصرة.

وقالت "وول ستريت جورنال"، إن الزوارق المُسيرة أحدثت ثورة في الحرب في البحار مماثلة لتلك التي أحدثتها الطائرات المُسيرة في السماء، مُشيرة إلى تكلفتها المنخفضة وصعوبة رصدها أو التصدي إليها.

وأضافت الصحيفة أن الولايات المتحدة، التي ركزت لسنوات على الدفاع ضد الطائرات المُسيرة أو استخدامها في المراقبة، تراقب الوضع، وأشارت إلى إعلان البنتاجون في أغسطس الماضي عن مبادرة لنشر المئات من الطائرات والزوارق المُسيرة الصغيرة والمنخفضة التكلفة؛ لمواجهة تنامي القوة العسكرية الصينية.

استعمالات استخباراتية

واستعرض لوكاشيفيتش تفاصيل العمليات الأوكرانية وخطط تطوير الزوارق في مقابلة مع إحدى الصحف الغربية. وقاد جهاز الأمن الأوكراني جهوداً بالاشتراك مع البحرية الأوكرانية. وفي الآونة الأخيرة، دخل جهاز الاستخبارات العسكرية الأوكراني أيضاً في غمار المعركة، وفق "وول ستريت جورنال".

وقال لوكاشيفيتش إن أوكرانيا، التي تعاني من نقص الموارد اللازمة لبناء قواتها البحرية التقليدية، تسعى إلى تشكيل فرق يتراوح قوامها بين 10 إلى 20 زورقاً مسيراً ذات مهام منفصلة، والتي تعادل قدراتها قدرات سفينة حربية واحدة عند دمجها.

وكشف الجيش الأوكراني مؤخراً عن تركيب قاذفة صواريخ متعددة على مُسيرة بحرية واستخدمها لمهاجمة هدف على الأرض. وقال لوكاشيفيتش، المعروف باسم هانتر: "نمتلك أسطولاً، لكنه مقسم إلى عناصر أصغر حجماً".

وقالت "وول ستريت جورنال"، إن استخدام أوكرانيا للمُسيرات البحرية يتوافق مع نهجها الأوسع نطاقاً في الحرب ضد عدو أكبر حجماً وأكثر ثراءً.

فمنذ بداية الغزو الروسي في عام 2022، تعتمد أوكرانيا على التفكير السريع، وسرعة الحركة، والتفوق التكنولوجي لاستنزاف قوة خصمها القوي الذي يتحرك ببطء.

وفي المقابل، تعمل روسيا على التكيف لمواجهة بعض الابتكارات الأوكرانية والأسلحة المتقدمة المُقدمة من الغرب، ما دفع أوكرانيا وشركائها إلى بذل المزيد من الجهد لرفع مستوى هذه الأسلحة.

واتخذت روسيا مجموعة متنوعة من التدابير ضد المُسيرات البحرية، مثل استخدام طائرات المراقبة لرصدها واستخدام أنظمة الحرب الإلكترونية لقطع الاتصال بها.

وفي ربيع عام 2022، كان أسطول البحر الأسود الروسي يحاصر موانئ أوكرانيا، والتي تمثل مسارات التصدير الرئيسية، وهدد بتنفيذ عملية إنزال برمائي وإطلاق صواريخ كروز على المدن الأوكرانية. وكلف الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، كبار قادة الجهات الأمنية والدفاعية بإيجاد حل.

وفي 14 أبريل 2022، تمكن الجيش الأوكراني من إغراق سفينة "موسكفا" بواسطة صواريخ مضادة للسفن، أُطلقت من مسافة ليست بعيدة عن أوديسا. لكن أوكرانيا لم تكن تمتلك سفناً كبيرة، أو سلاح جو متفوق، أو صواريخ قادرة على الوصول إلى عمق البحر الأسود أو قاعدة الأسطول في سيفاستوبول في شبه جزيرة القرم المحتلة.

ولجأ اللواء فاسيل ماليوك، نائب رئيس جهاز الأمن الأوكراني، إلى لوكاشيفيتش، وهو ضابط عسكري يتمتع بخلفية في مجال الهندسة وخبرة في الحرب السرية.

وكان أحد الابتكارات التي وصلت إلى لوكاشيفيتش طائرة مُسيرة يتم التحكم فيها من الأرض بمساعدة "ستارلينك"، خدمة الإنترنت المزودة عبر الأقمار الصناعية التي يقدمها إيلون ماسك. وكلف لوكاشيفيتش صانع الطائرة ببناء نموذج لأولي يعمل باستخدام "ستارلينك".

وبعد ثلاثة أسابيع، كان الجنرال على الشاطئ يتحكم في زورق على بعد 10 أميال. وكان الزورق، الذي يبلغ طوله 16 قدماً، قادراً عل حمل 220 رطلاً من المتفجرات، وكانت تبحر على ارتفاع منخفض لتجنب رصدها بواسطة الرادارات.

وقال لوكاشيفيتش: "لقد صنعنا مُسيرات تختبئ وسط الأمواج".

فعالية في الميدان

وفي 17 سبتمبر 2022، كان الأوكرانيون مستعدين لمهاجمة القاعدة البحرية الروسية في سيفاستوبول، وأطلقوا 12 زورقاً مُسيراً ليلاً، لكن الإشارة انقطعت مع اقتراب زورق الاستطلاع الأول من سيفاستوبول.

وشعر الأوكرانيون بالصدمة لاعتقادهم أن "ستارلينك" تعمل هناك. وحاول مسؤول أوكراني إقناع ماسك بإقناع شركته "سبيس إكس" بتشغيل "ستارلينك"، ولكن دون جدوى.

وكتب ماسك لاحقاً على وسائل التواصل الاجتماعي أنه رفض تفعيل "ستارلينك"، لأنه إذا فعل ذلك، "فإن سبيس إكس ستكون متواطئة بشكل واضح في إجراء حربي كبير وتصعيد الصراع".

وجنح زورق الاستطلاع في خليج بالقرب من سيفاستوبول بعد نفاد الوقود، قبل أن تفجره السلطات الروسية. وبعد شهر، حاول فريق لوكاشيفيتش مرة أخرى بعد تبديل مزودي خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية.

وأطلق الفريق 12 زورقاً مُسيراً نحو سيفاستوبول في 29 أكتوبر 2022، نجح منها سبعة زوارق في الوصول إلى المنطقة. وهاجمت ثلاثة زوارق فرقاطة "الأميرال ماكاروف" بالقرب من خليج سيفاستوبول.

واصطدم أحد الزوارق بالجانب الأيمن للفرقاطة، ما أدى إلى تعطيل محركين وقرن الاستشعار، ما أدى إلى قطع الاتصالات عن السفينة.

وتسللت الزوارق الأربعة الأخرى إلى الخليج، وتم تفجير إحدى المُسيرات بالقرب من فرقاطة "الأميرال إيسن"، ما أدى إلى اتلاف مراوح السفينة. واصطدم زورق آخر بسفينة تزويد وقود.

وقالت "وول ستريت جورنال" إن هذا الهجوم كان ناجحاً، وأن أوكرانيا تمكنت من إحداث حالة ذعر وألحقت أضراراً بثلاث سفن ومرافق موانئ باستخدام عدد قليل من الزوارق المُسيرة الصغيرة. 

تصنيفات

قصص قد تهمك