نجح باحثون من جامعات "ديوك"، و"تكساس"، و"أركنساس" الأميركية، في تطوير استراتيجية جديدة لتعزيز امتصاص الأدوية كبيرة الحجم داخل الخلايا السرطانية، ما يزيد فاعليتها بمقدار يصل إلى 23 ضعفاً.
وركَّزت الدراسة، المنشورة في دورية Cell (سيل)، على فئة واعدة من الأدوية الثورية، تسمّى "مُحفّزات التخلص من البروتينات المستهدفة" PROTACs، والتي تُعرف بقدرتها على تدمير البروتينات المسببة للسرطان.
و"مُحفّزات التخلص من البروتينات المستهدفة" فئة مبتكرة من العلاجات تعمل بطريقة ذكية تختلف تماماً عن الأدوية التقليدية، فبدلاً من مجرد منع، أو تثبيط البروتينات المسبّبة للأمراض، توجّه هذه الأدوية آلية التنظيف الطبيعية داخل الخلايا لتدمير تلك البروتينات بشكل كامل.
لكن مشكلتها الرئيسية كانت صعوبة اختراقها للخلايا بسبب حجمها الكبير، والذي يبلغ أكثر من 1000 دالتون، بينما الحد التقليدي للأدوية الفعَّالة هو 500 دالتون.
تقنية كيميائية جديدة
واستغل الفريق البحثي بروتيناً موجوداً على سطح الخلايا يُسمى CD36، وهو المسؤول عن مساعدة الخلايا على "ابتلاع" الجزيئات الكبيرة عبر عملية تُعرف بـ"الالتقام الخلوي".
باستخدام تقنية كيميائية جديدة، أطلقوا عليها اسم "الكيمياء الدوائية الالتقامية"، صمَّم العلماء أدوية PROTACs معدَّلة لتلتصق ببروتين CD36، ما سمح لها بالدخول إلى الخلايا بكفاءة أعلى بمقدار 7.7 إلى 22.3 مرة مقارنة بالطرق التقليدية.
"الالتقام الخلوي"
وتمثل تقنية الكيمياء الدوائية الالتقامية نهجاً ثورياً في تصميم الأدوية، يعتمد على استغلال عملية طبيعية تُعرف بالالتقام الخلوي حيث "تبتلع" الخلايا الجزيئات الخارجية عبر تكوين حويصلات غشائية.
تختلف هذه الاستراتيجية جذرياً عن الطرق التقليدية التي تعتمد على الانتشار السلبي للجزيئات الصغيرة عبر أغشية الخلايا.
وتكمن قوة تلك التقنية في قدرتها على تسهيل دخول الأدوية كبيرة الحجم عبر التصاقها ببروتينات غشائية محدَّدة تعمل كـ"أبواب دخول" نشطة.
وقد تحل التقنية الجديدة واحدة من أكبر التحديات في صناعة الأدوية، والمتمثلة في صعوبة توصيل الجزيئات الكبيرة والمعقَّدة إلى داخل الخلايا، ما يفتح الباب أمام جيل جديد من العلاجات التي كانت تُستَبعد سابقاً بسبب قيود الحجم، ويسرِّع تطوير أدوية أكثر فعالية ضد الأمراض المستعصية مثل السرطان، والأمراض التنكسية العصبية، مع إمكانية تطبيقها على نطاق واسع يشمل أنواعاً مختلفة من العلاجات البيولوجية والجزيئات الكبيرة.
فاعلية الأدوية ضد الأورام
ونجح الباحثون في تعزيز فاعلية الأدوية ضد الأورام بنسبة تصل إلى 23 ضعفاً عبر تحسين امتصاصها الخلوي باستخدام مسار CD36، مع الحفاظ على استقرار الأدوية وقابليتها للذوبان، وأظهرت التجارب على الفئران تثبيطاً أقوى للخلايا السرطانية دون آثار جانبية تُذكَر، ما يفتح آفاقاً جديدة لعلاجات أكثر فاعلية.
تعمل هذه الأدوية الثورية عن طريق استغلال بروتين CD36 الموجود على سطح الخلايا، والذي يعمل كـ"باب خلفي" لمساعدة الخلايا على امتصاص الجزيئات الكبيرة.
وبمجور دخولها، تستهدف جزيئات الأدوية البروتينات المسببة للسرطان بشكل محدد، مع "وضع علامة" عليها للتدمير عن طريق نظام اليوبيكويتين-بروتيازوم في الخلية.
آلية حيوية دقيقة
يعد نظام "اليوبيكويتين-بروتيازوم" آلية حيوية دقيقة داخل الخلايا، تعمل كـ"نظام إعادة تدوير" للبروتينات التالفة، أو غير المرغوب فيها، حيث يتم وضع علامة على هذه البروتينات بجزيئات صغيرة تسمى "اليوبيكويتين" عبر سلسلة من التفاعلات الإنزيمية.
وعند اكتمال عملية "وضع العلامة"، تقوم عضية "البروتيازوم"، وهو مركب بروتيني كبير يشبه الأسطوانة، بالتعرف على البروتينات الموسومة وتحللها إلى ببتيدات صغيرة وأحماض أمينية يمكن للخلية إعادة استخدامها.
يلعب هذا النظام دوراً حيوياً في تنظيم العمليات الخلوية مثل دورة الخلية، وإصلاح الحمض النووي، والاستجابة المناعية، كما أن اختلاله يرتبط بأمراض السرطان، والأمراض التنكسية العصبية.
ولا يؤدي الدواء لتثبيط نشاط البروتينات السرطانية فقط، ولكن إلى تحللها الكامل، وهو ما يمنع تطور مقاومة الأدوية، ويوفر تأثيراً علاجياً أقوى وأطول أمداً ضد الأورام، مع الحفاظ على خصائص الدواء الأساسية من حيث الثبات والذوبان.
ويقول الباحثون إن هذا الاكتشاف ليس مجرد تحسين في توصيل الأدوية، بل تغيير جذري في فلسفة تصميمها، ما يفتح الباب أمام جيل جديد من العلاجات التي كانت مستحيلة في السابق.
ويقول المؤلف الرئيسي للدراسة، هونج-يو لي، الباحث في جامعة "تكساس" إن الدراسة تثبت، للمرة الأولى، أن الجزيئات الكبيرة يمكنها دخول الخلايا بكفاءة "وهذا يغيّر كل شيء".
رغم النجاح المبهر للدراسة في المختبرات، وفي تجارب الحيوانات، فإن تطبيق هذه التقنية العلاجية على المرضى يحتاج إلى مزيد من الوقت والبحث.
ويقول العلماء إنهم بصدد التخطيط لإجراء سلسلة من التجارب لتقييم مدى أمان العلاج وفاعليته، وقد يستغرق الأمر 5 إلى 10 سنوات قبل الموافقة على استخدامها.