كيف تساهم الغابات في الحفاظ على صحة البشر؟

منظر جوي يظهر أشجار غابات الأمازون المطيرة في ماناوس بولاية أمازوناس بالبرازيل. 24 أكتوبر 2022 - REUTERS
منظر جوي يظهر أشجار غابات الأمازون المطيرة في ماناوس بولاية أمازوناس بالبرازيل. 24 أكتوبر 2022 - REUTERS
القاهرة -محمد منصور

في عام 2012، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 21 مارس يوماً دولياً للغابات، لرفع الوعي بأهمية الغابات ولتشجيع الدول على الاهتمام بها.

وبحسب التقرير الصادر عن الأمم المتحدة، فإن الغابات توفر السلع والخدمات والدخل لما يقرب من 2.5 مليار شخص في جميع أنحاء العالم. كما أنها ترتبط بشكل مباشر بصحة الإنسان، فما أهمية الغابات وكيف تساهم في الحفاظ على صحة البشر؟

 تشير تقديرات منظمة الأغذية والزراعة "الفاو" إلى أن أكثر من 800 مليون شخص يعيشون في الغابات الاستوائية والسافانا في البلدان النامية، وتعتمد نسبة كبيرة منهم على السلع والخدمات الحرجية، وهي الزراعة تحت أشجار الغابات، لتوفير الغذاء والوقود الخشبي ومواد البناء والأدوية والتوظيف والدخل النقدي. 

يمكن أن يكون دور الغابات في صحة هؤلاء السكان كبيراً، إذ توفر الغابات الغذاء وسبل العيش وفرص كسب الدخل وتساهم في أمنهم الغذائي.

كما أن الغابات مصدر لمجموعة متنوعة من المنتجات الطبية التي تشكل العمود الفقري للطب التقليدي، وهي أيضاً مصدر للوقود الخشبي الذي يستخدم لطهي الطعام وتعقيم المياه. فضلاً عن كونها أساسية للصحة الروحية والعقلية للعديد من مجموعات الناس، ولا سيما الشعوب الأصلية، الذين ترتبط ثقافاتهم ارتباطاً وثيقاً بالبيئة التي يعيشون فيها.

استهلاك الأغذية الحرجية 

وتشير تقديرات منظمة الأغذية والزراعة، إلى أن 820 مليون شخص يعانون من نقص التغذية، فيما يعاني أكثر من ملياري شخص من نقص المغذيات الدقيقة.

وفي حين أن أغذية الغابات قد يكون لها دور محدود في إمداد البشر بالسعرات الحرارية، إلا أنها تشكل جزءاً مهماً من النظم الغذائية التي يستهلكها عادةً سكان الريف، الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وتضيف تنوعاً إلى النظم الغذائية الأساسية في الغالب.

وتنوع المنتجات البرية، بما في ذلك الأعشاب والأوراق والفواكه والمكسرات والحشرات واللحوم البرية ومنتجات مصايد الأسماك الداخلية والساحلية؛ تزود أكثر من مليار شخص بالطاقة والكربوهيدرات والدهون والبروتينات والفيتامينات والمعادن للوجبات الغذائية. 

كما أن الغابات توفر جزءاً كبيراً من الدخل اليومي من هذه العناصر الغذائية للأشخاص الذين يعيشون في مناطق الغابات.

على سبيل المثال، كشفت دراسة أجريت في أربع قرى في الجابون، أن أغذية الغابات ساهمت بنسبة 82% من البروتين، و36% من فيتامين أ، و20% من الحديد في النظم الغذائية الريفية.

أغذية الغابات

بحسب التقرير، فإن أغذية الغابات ذات أهمية خاصة في توفير شبكة أمان أثناء المجاعات وحالات الطوارئ، وخاصة للسكان الأشد فقراً وتهميشاً الذين يعانون من معدلات الفقر المرتفعة في معظم مناطق الغابات في البلدان النامية.

وتشير دراسة تحلل بيانات دخل الأسرة، شملت 7975 أسرة ريفية في 24 دولة نامية عبر ثلاث قارات، إلى أن 77% من الأسر تحصل على الأغذية البرية من أجل سد الجوع. 

ووجدت الدراسة أن الخضروات والفواكه والجذور والدرنات والتوابل في إفريقيا كانت أكثر الأطعمة النباتية البرية شيوعاً، بينما كانت الثدييات والحشرات والقواقع والديدان أكثر المنتجات الحيوانية شيوعاً.

تعتبر أغذية الغابات ذات أهمية غذائية وثقافية خاصة لمجتمعات السكان الأصليين. ووجدت دراسة أجريت على 22 دولة في آسيا وإفريقيا، بما في ذلك البلدان الصناعية والنامية، أن مجتمعات السكان الأصليين تستخدم ما معدله 120 نوعاً من الأطعمة البرية لكل مجتمع.

ففي الهند، تكمل أكثر من 50 مليون أسرة وجباتها الغذائية بالفواكه، التي تم جمعها من غابات الأراضي البرية والأدغال المحيطة بها. وفي دراسة استقصائية لأكثر من 17 ألف أسرة في 28 دولة أوروبية قالت 25% منها، إنها استهلكت أغذية الغابات التي جمعوها بأنفسهم.

وتساهم لحوم الطرائد ومصايد الأسماك في تلبية متطلبات البروتين الغذائي للأسر القريبة من الغابات، إذ تمثل تلك اللحوم 85% من إجمالي تناول البروتين لدى سكان الغابات في إفريقيا الوسطى، وتشير التقديرات إلى أن الصيد يوفر 30 إلى 80% من مدخول البروتين للأسر الريفية، وما يقرب من 100% من البروتين الحيواني في القرى داخل الغابات.

الحشرات الصغيرة 

تُعد الحشرات واليرقات والديدان مصادر مهمة للبروتين الحيواني والدهون. تحتوي يرقات الغابات نسبة بروتين ودهون أكبر من تلك الموجودة في اللحوم أو الأسماك البروتين، فنحو 100 جرام من اليرقات المطبوخة توفر أكثر من 100% من الاحتياجات اليومية من الفيتامينات والمعادن والبروتين.

ولطالما كانت الحشرات جزءاً من النظم الغذائية البشرية، وهي حالياً مصدر رخيص ويمكن الوصول إليه لتوفير الغذاء المكمل للوجبات الغذائية لما يقرب من ملياري شخص، بشكل رئيسي في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.

في جميع أنحاء العالم، يستهلك البشر أكثر من 1900 نوع من الحشرات، وأكثرها شيوعاً هي الخنافس (31%)، واليرقات ( 18%)، والنحل والدبابير والنمل (14%).

كما أن منتجات الغابات الأخرى، مثل الكسافا والقلقاس والبطاطا الحلوة من المصادر الرئيسية للكربوهيدرات المستخرجة من الغابات، والتي يتم استهلاكها مباشرة. وتشكل الراتنجات والعصارة والعسل مصادر غنية بالبروتينات والمعادن. كما أن الفطر غني بالمعادن والفيتامينات والأحماض الأمينية.

التنوع الغذائي

تساهم الأطعمة الحرجية أيضاً في التنوع الغذائي، ويزيد النظام الغذائي الأكثر تنوعاً من تنوع ميكروبيوم الأمعاء لتحسين الصحة.

ويقول الباحثون إن علاقة إيجابية ذات دلالة إحصائية بين التنوع الغذائي للأطفال في البلدان النامية وغطاء الأشجار في مجتمعاتهم، إذ وجدت دراسة بيانات 43 ألف أسرة في 27 دولة في إفريقيا، أن التنوع الغذائي للأطفال الذين يعيشون في الغابات أفضل وأعلى بنسبة 25% من الأطفال الذين لا يعيشون بالقرب من الغابات.

على سبيل المثال، في جبال "أوسامبارا" الشرقية في تنزانيا، وجد أن الأطفال والأمهات في الأسر التي لديها غطاء شجري أكبر بالقرب من منازلهم والذين يأكلون المزيد من الأطعمة من الغابات لديهم أنظمة غذائية أكثر تنوعاً، في حين لوحظ أن الأطفال الذين يعيشون في المناطق التي أزيلت منها الغابات في مالاوي لديهم أنظمة غذائية أقل تنوعاً، مقارنة بالأطفال الذين يعيشون في المناطق التي ظلت فيها الغابات سليمة.

الدخل القائم على الغابات 

يمكن أن يؤثر الدخل على النتائج الصحية بعدة طرق، سواء من خلال توفير الظروف المادية اللازمة للبقاء، أو عبر التأثير على المشاركة الاجتماعية وفرصة التحكم في ظروف الحياة.

ويساعد الدخل من قطاع الغابات الناس أيضاً على شراء الطعام، مما يساهم في تحقيق الأمن الغذائي والتغذية والصحة. 

ووجدت دراسة أجريت في الكونغو الديمقراطية أن جزءاً كبيراً من تسويق المنتجات الحرجية من قبل النساء كان يهدف إلى دعم الصحة. ففي قرية فالانجا بالكونغو استثمرت النساء 48% من دخلهم النقدي في التغذية، و24% من عائدات البيع منتجات الغابات على الرعاية الصحية.

ملايين الوظائف

خلق قطاع الغابات حوالي 54 مليون وظيفة بدوام كامل، بما في ذلك 13 مليون في القطاع الرسمي، أي ما يقدر بحوالي 0.4% من القوة العاملة العالمية، و41 مليون في القطاع غير الرسمي.

وتُعد الشركات التي تنتج منتجات الخشب الصلب، أكبر أرباب العمل الرسميين في قطاع الغابات على المستوى العالمي، وفي جميع المناطق باستثناء إفريقيا. ويعمل فيها حوالي 5.4 مليون شخص في المجموع. ويتبعها في الأهمية شركات صناعة اللب والورق ثم منتجو الأخشاب المستديرة.

أدوية الغابات

تشكل الأمراض تحدياً خاصاً لبقاء سكان الغابات، إذ تتنوع الأمراض المعدية بشكل خاص في النظم الإيكولوجية للغابات، وخاصة النظم الإيكولوجية المدارية الرطبة والحارة، وغالباً ما تكون مجتمعات الغابات بعيدة عن الخدمات الصحية الرسمية.

تقدر منظمة الصحة العالمية أن 80% على الأقل من سكان العالم يعتمدون على الطب التقليدي لتلبية احتياجات الرعاية الصحية الأولية. وتشكل المعرفة المحلية بالنباتات الطبية جزءاً رئيسياً من أنظمة الرعاية الصحية التقليدية، مثل طب "الإيورفيدا" في الهند.

وأنظمة الرعاية الصحية التقليدية، ضرورية لاستمرار الحياة، لا سيما في المناطق التي لا توجد فيها أنظمة رعاية صحية رسمية.

تُعرف منظمة الصحة العالمية، الطب التقليدي، بأنه "مجموع المعارف والمهارات والممارسات القائمة على النظريات والمعتقدات والخبرات الأصلية للثقافات المختلفة، سواء كانت قابلة للتفسير أم لا، والمستخدمة في الحفاظ على الصحة وكذلك في الوقاية والتشخيص والتحسين أو العلاج من المرض الجسدي والعقلي".

وتساهم هذه الأنظمة في صمود الشعوب المرتبطة بالغابات المحيطة العالم. على سبيل المثال، يستخدم ما لا يقل عن مليار شخص في المناطق النامية العلاجات العشبية لعلاج إسهال الأطفال.

وتزخر الغابات بالكثير من النباتات والأعشاب التي يُمكن استخدامها في التداوي. في غابات ولاية "آسام" بالهند هناك حوالي 900 نوع من الأعشاب والنباتات الطبية.

الصحة النفسية

بالنسبة للأشخاص الذين يعيشون في مناطق الغابات وبالقرب منها، غالباً ما يكون للغابة أهمية ثقافية تعتبر أساسية للصحة الروحية للأفراد والمجتمعات، وهي في الواقع أساس الجهود المحلية لحماية الطبيعة والحفاظ على الغابات.

تمثل الغابات التي تعتبر مقدسة ما يقدر بنحو 5 إلى 8% من مساحة الغابات العالمية. قد يرتبط احترام المواقع المقدسة أو الأسلاف بالمخاوف المتعلقة بنقل الموارد الطبيعية المتنوعة بيولوجياً، وحقوق الحيازة العرفية إلى الأجيال القادمة، مما يساعد بدوره في حماية الرفاه والهوية والقرابة.

في شمال كمبوديا، يحافظ السكان المحليون بقيادة الرهبان على 18 ألف هكتار من الغابات النادرة دائمة الخضرة في الأراضي المنخفضة، بدافع تقديس بوذا وتعاليمه. ولا تزال أجزاء من هذه النظم البيئية سليمة جزئياً لأنها اعتبرت مقدسة من قبل السكان الأصليين.

لوحظ أن تدهور الغابات وإزالة الغابات يتسببان في آثار سلبية على الصحة العقلية للسكان الأصليين وغيرهم من سكان الريف، إذ تسبب التغييرات البيئية ضغوطًا نفسية أو وجودية وفقدان الهوية، والتي يمكن أن تكون عميقة ومضخمة بسبب عدم التمكين والتهميش.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات