كان رجون كومار حذراً من تلقي لقاح فيروس كورونا، حتى غشيت الموجة الثانية القاتلة عمق القرى المجاورة لمنزله بولاية أوديشا الشرقية في الهند.
والآن على غرار آلاف آخرين يتسابقون لحجز موعد لتلقي اللقاح في جميع أنحاء البلاد، يعول كومار على الأولويات التي ستمنحها حكومات الولايات للاستفادة من إمدادات اللقاح المحدودة.
في هذا السياق، قال كومار (30 عاماً) والذي يعمل مدرساً في أحد المدارس، عبر الهاتف من منزله في قرية ناداربور: "في البداية، لم أخطط لتلقي اللقاح لأن الناس قالوا إنك قد تموت أو تصاب بالحمى، ولكن الآن الموت يحيط بكل شيء، وأشعر بالخوف".
وحاول كومار مراراً حجز موعد للتطعيم على مدى الأسبوعين الماضيين، سواء بشكل شخصي أو باستخدام أنظمة التسجيل عبر الإنترنت، فتمكن من تلقي اللقاح في الأول من مايو، عندما فتحت الهند باب التطعيم لجميع البالغين.
وسجلت الهند، الخميس، أكثر من 4 آلاف حالة وفاة لليوم الثاني على التوالي، ليقترب إجمالي عدد الوفيات من 250 ألفاً، في بلد يبلغ تعداد سكانه 1.35 مليار نسمة.
وتجاوز عدد حالات الإصابة بكورونا 22 مليون حالة، على الرغم من أن خبراء الصحة قالوا إن الرقم الحقيقي يمكن أن يفوق ذلك بـ5 إلى 10 أضعاف، ما يؤجج من دعوات المطالبة بضرورة إحراز تقدم وبوتيرة أسرع على صعيد طرح اللقاح.
وتعتبر الهند منتجاً رئيسياً للقاحات "كوفيد ـ 19"، ولكن حتى الاثنين، لم تتجاوز أعداد الذين تلقوا اللقاح 34.8 مليون شخص، أي ما يعادل 5.2% من إجمالي عدد السكان، وفقاً للبيانات الحكومية.
وحصل 130 مليون شخص على الأقل على الجرعة الأولى، ما وفر بعض الحماية وسط أجواء الذعر التي تجتاح البلاد.
ويستطيع كل شخص يبلغ من العمر 45 عاماً أو أكثر، الحصول على جرعة لقاح مجانية من الإمدادات المخصصة للحكومة الفيدرالية، فيما تعد حكومات الولايات مسؤولة عن توجيه الكميات الخاصة بها للأشخاص من سن 18 إلى 44 عاماً.
ولكن، مع تخلف الإمدادات تلجأ السلطات في الولايات إلى اتخاذ قرارات صعبة بشأن كيفية توزيع الجرعات القليلة المتاحة لديهم.
وأكدت وزارة الصحة في الحكومة الفيدرالية، الخميس، أنها تعمل "بإصرار واستباقية لتأمين وزيادة الكميات المتاحة من اللقاح"، مضيفة أن "الاستراتيجية الوطنية الجديدة ستضمن إتاحة أكبر للقاح في جميع أنحاء البلاد".
أفقر الفقراء
وفي بعض الولايات، تثير سياسات المحاصصة الكثير من اللغط. ففي ولاية شهاتيسجاره، واجهت السلطات دعوة قضائية لاختيارها منح الأولوية القصوى لـ"أفقر الفقراء، إذ إنهم الأكثر عرضة للمرض، والأقل وصولاً إلى الخدمات الصحية والمزايا الاجتماعية مثل تعويضات المرضى".
في هذا السياق، قالت بريانكا شوكلا، مديرة البعثة الصحية الوطنية لمؤسسسة تومسون رويترز في شهاتيسجاره: "نظراً لقلة إمدادات اللقاحات لجأت السلطات إلى هذه السياسة لضمان المساواة والعدالة الاجتماعية".
وأعقب عمال الصحة القابعين على خطوط المواجهة، الفئات محدودة الدخل والمهمشة، بما في ذلك مجموعات السكان الأصليين، والنساء العازبات والأرامل، والمشردين والعمال الذين سبق استبعادهم من أعمالهم.
لكن المحكمة رفضت، الأسبوع الماضي، حجة الحكومة على إثر طعن تقدمت به مجموعة من السكان، ما جعل الأفراد الذين يعيشون فوق خط الفقر مؤهلين الآن للحصول على اللقاح في المرحلة الأولى.
وفي أبريل الماضي، أعلنت السلطات الهندية أنه "يحق لمصنعي اللقاح، بموجب ترخيص حكومي، بيع 50% من حصتهم إلى إدارات الولايات والمستشفيات الخاصة"، في إطار الجهود المبذولة لتعزيز حملة التطعيم في جميع أنحاء البلاد.
لكن البيانات التي تم الحصول عليها من الإدارات الصحية في 5 ولايات، وجمعتها "مؤسسة تومسون رويترز" بينت أن إمدادات اللقاح لا تفي حتى بنصف الكميات المطلوبة من قبل الإدارات الصحية.
وعلى سبيل المثال، حصلت ولاية ماهاراشترا، إحدى الولايات الأكثر تضرراً من الموجة الثانية، على 1.1 مليون جرعة من أصل 120 مليون جرعة مطلوبة لتغطية الفئة العمرية من 18 إلى 44 عاماً.
ويبحث المسؤولون في ولاية بومباي التي تمثل المركز المالي الرئيسي في الهند، استيراد لقاحات من الخارج لسد الفجوة بين الطلب والمتاح. وأصدرت ولايات أخرى بيانات مشابهة.
وفي ولايتي شهاتيسجاره وآسام، شمال شرقي البلاد، تمكنت الإدارات الصحية من الحصول على أعداد قليلة جداً من ملايين الجرعات المطلوبة.
وعلى النقيض، من توجه ولاية شهاتيسجاره، منحت حكومة آسام الأولوية القصوى لعمال القطاع العام القابعين على خطوط المواجهة، مثل موظفي قطاع الصحة العامة والشرطة والأشخاص الذين يعانون من الأمراض المزمنة أو الإعاقات.
وقال مسؤولو الصحة في الولايتين إنهم كانوا ينتظرون "وصول كميات إضافية"، وأضافوا أنهم مضطرون إلى تحديد "المجموعات المستهدفة ذات الأولوية ومعدلات التطعيم وفقاً للإمدادات المتاحة".
وأشار بي جاي بانيجراهي، المسؤول عن حملة التطعيم في أوديشا التي لم تتلقَّ سوى عدد محدود من الجرعات التي تحتاج إليها، إلى أن "تواريخ تسليم الجرعات غير محددة على وجه الدقة". وأضاف: "كل شيء يعتمد على الكميات المتاحة".
"ليس عدلاً"
ودفعت مشكلات العجز والتفاوت في سياسات التطعيم بالولايات الهندية الناشطين والحقوقيين لمطالبة السلطات بضمان حصول الفئات الضعيفة على اللقاح.
ولفت إدوين، أمين "مؤسسة البحوث والدفاع عن حقوق الإنسان" الخيرية، والذي أشار إلى نفسه باسمه الأول فقط، إلى أن "منح الأولوية للفئات المهمشة ضروري، لأنهم يعانون بالأساس من أوضاع صحية سيئة، وتوثيق سيء، ووصول سيء".
وأوضح إدوين أن "العمال المهاجرين هم من الفئات التي تعاني من خطر التمييز، إذ تمنح بعض الولايات الأولوية لسكانها المحليين".
وحذر نشطاء من أن "التسجيل عبر الإنترنت يمكن أيضاً أن يؤدي إلى عدم المساواة في الوصول إلى اللقاح في جميع أنحاء البلاد وبين الفئات المختلفة".
ولا يمتلك كثير من الهنود الفقراء بطاقات التعريف البيومترية المطلوبة في أغلب الأحيان للوصول إلى الخدمات العامة، بما في ذلك التسجيل للحصول على اللقاحات، ما يسمح لهؤلاء الذين يمتلكون هذه البطاقات بالقفز إلى الصفوف الأولى في طوابير اللقاحات.
وفي بعض الحالات قام سكان من مدن بيون وبنغالورو ووحيد أباد بالخروج إلى الريف، والحجز في المراكز الصحية في القرى، للحصول على جرعاتهم، وفقاً لتقارير إعلامية محلية.
وقال سانديب جاتهار، مسؤول التنمية الريفية في قرية مولشي في ماهاراشترا التي شهدت تدفق السكان من بيون على مراكزها الصحية الريفية: "هذا ليس عدلاً لأن هذه الكميات مخصصة لسكان القرى".
وأضاف أن "المسؤولين المحليين يساعدون القرويين على التسجيل عبر الإنترنت لضمان عدم تراجعهم إلى مؤخرة الصفوف"، واصفاً ما يحدث بـ"سرقة جرعة كانت مخصصة لشخص آخر، لكن لأن الحجز يتم عبر الإنترنت فليس بأيدينا الكثير لنفعله. كما أن الجميع مذعورون، ولا يبدو أنه من الصواب حرمان أي شخص من اللقاح".