قال نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري ميدفيديف، السبت، إن بوسع روسيا تدمير العاصمة الأوكرانية كييف بأسلحة غير نووية، رداً على استخدام أوكرانيا لصواريخ غربية بعيدة المدى، فيما رجح محللون أن تكون خيارات الرد الروسية في الحالات القصوى إجراء تجربة نووية.
وأضاف ميدفيديف أن موسكو "لديها بالفعل أسس رسمية لاستخدام أسلحة نووية منذ توغل أوكرانيا في منطقة كورسك الروسية، لكن يمكنها بدلاً من ذلك استخدام أسلحة تكنولوجية متطورة جديدة، لتحول كييف إلى كتلة منصهرة عملاقة، عندما ينفد صبرها".
وكتب مدفيديف في منشور عبر حسابه في "تليجرام": "ما الذي يعتقده زعماء الغرب ومؤسساتهم السياسية، المنخرطون إلى رؤوسهم في الحرب، حول رد فعل بلادنا على الضربات الصاروخية المحتملة في عمق أراضينا؟"، وفق ما أوردته قناة "روسيا اليوم".
وتابع: "إليكم ما يجول في بالهم: يتحدث الروس كثيراً عن الرد بأسلحة الدمار الشامل، لكنهم لن يفعلوا شيئاً (...) هذه مجرد تدخلات لفظية.. الروس لن يتجاوزوا الخطوط الحمراء إنه مجرد تخويف".
وأضاف: "ماذا يمكنني أن أقول: لا أحد يحتاج حقاً إلى صراع نووي. هذه رواية سيئة للغاية ونتائجها صعبة للغاية. ولهذا السبب لم يتم حتى الآن اتخاذ قرار باستخدام الأسلحة النووية".
وقال ميدفيديف: "رغم ذلك وبصراحة، هناك شروط مسبقة لاستخدام النووي، وهي مفهومة للمجتمع العالمي بأسره ومتسقة مع عقيدتنا للردع النووي، على سبيل المثال الهجوم على مقاطعة كورسك الروسية. لكن روسيا تتحلى بالصبر"، مؤكداً أنه "في نهاية المطاف من الواضح أن الرد النووي هو قرار صعب للغاية وله عواقب لا رجعة عنها".
خيارات روسيا
ونقلت وكالة "تاس" الروسية للأنباء عن نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف قوله إن موسكو "تعلم أن الغرب اتخذ قراراً بشأن ما إذا كان سيسمح لأوكرانيا بمهاجمة روسيا بصواريخ بعيدة المدى، وأبلغ كييف بذلك".
ولم يوضح ريابكوف طبيعة القرار الذي يشير إليه، لكنه قال إن "عدم نجاح تحذيرات موسكو الشفهية للغرب من مغبة المزيد من التصعيد سيجبر روسيا على التحول إلى إرسال الإشارات بطرق مختلفة".
وقال 3 محللين إن خيارات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للرد إذا سمح الغرب لأوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى في ضرب روسيا قد يكون من بينها "ضرب الأصول العسكرية البريطانية" بالقرب من روسيا أو في الحالات القصوى "إجراء تجربة نووية للكشف عن نواياه".
ومع دخول التوترات بين الشرق والغرب حول أوكرانيا مرحلة جديدة وخطيرة، أجرى رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والرئيس الأميركي جو بايدن محادثات في واشنطن الجمعة، تدور حول السماح لكييف باستخدام صواريخ "أتاكمز" الأميركية بعيدة المدى أو صواريخ "ستورم شادو" البريطانية ضد أهداف في روسيا.
واعتبر بوتين، في أوضح تحذيراته حتى الآن، الخميس، أن الغرب سيكون قد دخل في القتال مباشرة مع روسيا إذا مضى قدماً في مثل هذه الخطوة التي قال إنها ستغير طبيعة الصراع، ملوحاً برد "مناسب"، دون أن يذكر ما يقتضيه ذلك.
في يونيو، تحدث الرئيس الروسي عن احتمال تسليح من وصفهم بـ"أعداء الغرب" بأسلحة روسية لـ"ضرب أهداف غربية" في الخارج، ونشر صواريخ تقليدية على مسافة قريبة من الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين.
وقال أولريش كوهين، الخبير في الأسلحة بمعهد أبحاث السلام والسياسات الأمنية في هامبورج، إنه "لا يستبعد أن يلجأ بوتين إلى بث رسالة نووية بطريقة ما، مثل إجراء تجربة نووية في محاولة لتخويف الغرب"، مشيراً إلى أن هذا "سيكون تصعيداً كبيراً للصراع"، وتساءل: "ما هو السهم المتبقي في جعبة السيد بوتين ليرمي به إذا ظل الغرب مستمراً في نهجه، غير الاستخدام الفعلي للأسلحة النووية؟".
وحذّر كوهين من أن بوتين قد يشعر بأن الغرب يُنظَر إليه على أنه ضعيف في ردود فعله تجاه دعم "الناتو" لأوكرانيا، مضيفاً: "لم تُجر روسيا أي اختبار لأسلحة نووية منذ عام 1990 الذي سبق انهيار الاتحاد السوفيتي، ولهذا، أي تفجير نووي سيكون مؤشراً على بداية عصر أشد خطورة. كما أن إجراء تجربة نووية سيكون أمراً جديداً. ولا أستبعد هذا، حيث سيتماشى مع تحطيم روسيا في العامين الماضيين لعدد من الترتيبات الأمنية الدولية التي وقعت عليها على مدى عقود".
بدوره، يعتقد جيرهارد مانجوت، المتخصص في الأمن بجامعة إنسبروك في النمسا، أيضاً أن رد روسيا قد يتضمن إشارة نووية بطريقة ما، وإن كان هذا الاحتمال غير مرجح برأيه.
وتابع مانجوت: "الروس قد يجرون تجربة نووية. وقد اتخذوا كل الاستعدادات اللازمة. وقد يفجرون سلاحاً نووياً تكتيكياً في مكان ما في شرق البلاد، فقط لإظهار جديتهم حين يقولون إنهم سيلجأون في نهاية المطاف إلى الأسلحة النووية".
"ضغوط على بوتين لاستخدام النووي"
وقال السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا لمجلس الأمن الدولي، الجمعة، إن حلف شمال الأطلسي (الناتو) سيكون "طرفاً مباشراً في أعمال قتالية ضد قوة نووية، إذا سمح لأوكرانيا باستخدام أسلحة ذات مدى أطول ضد روسيا".
وأضاف: "أعتقد أن عليكم ألا تنسوا هذا، وأن تفكروا في العواقب".
وتعكف روسيا، وهي أكبر قوة نووية في العالم، على مراجعة عقيدتها النووية، أي الظروف التي قد تضطر فيها إلى استخدام الأسلحة النووية.
ويتعرض بوتين لضغوط من أحد صقور السياسة الخارجية المؤثرين لجعل هذه العقيدة أكثر مرونة بحيث تسمح بضربة نووية محدودة على دولة عضو في حلف شمال الأطلسي.
"رسالة بوتين واضحة"
في حالة بريطانيا، من المرجح أن تعلن موسكو أن لندن انتقلت من حالة حرب هجينة بالوكالة مع روسيا إلى العدوان المسلح مباشرة، إذا سمحت لكييف بإطلاق صواريخ "ستورم شادو" على روسيا، وفقاً لما ذكره مستشار الكرملين السابق سيرجي ماركوف على منصة التواصل الاجتماعي "تليجرام".
ورجّح ماركوف أن تغلق روسيا السفارة البريطانية في موسكو وسفارتها في لندن، وتضرب الطائرات المسيرة والطائرات الحربية البريطانية بالقرب من روسيا، على سبيل المثال فوق البحر الأسود، وربما تطلق صواريخ على طائرات حربية من طراز "إف-16" تحمل صواريخ "ستورم شادو" في قواعدها في رومانيا وبولندا.
وقد حاول بوتين رسم خطوط حمراء للغرب من قبل، لكنه لم ينجح في ذلك، مما دفع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي يحث الغرب على أن يكون أقل حذراً فيما يتعلق بمواجهة موسكو، إلى تجاهل أهميتها.
إلا أن تحذير بوتين الأخير بشأن الصواريخ بعيدة المدى يُنظر إليه في الداخل الروسي، وفي الخارج، على أنه شيء سيتعين عليه أن يتصرف بناء عليه، إذا سمحت لندن أو واشنطن باستخدام صواريخهما ضد روسيا، إذ قال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، الجمعة، إن رسالة بوتين "واضحة للغاية، ولا لبس فيها".