في ظل "تردد واشنطن" وتفوق روسيا.. أوكرانيا تواجه أحلك ساعات الحرب

كشافات ضوئية للبحث عن المسيرات في سماء كييف خلال غارة روسية. 30 سبتمبر 2024 - Reuters
كشافات ضوئية للبحث عن المسيرات في سماء كييف خلال غارة روسية. 30 سبتمبر 2024 - Reuters
دبي-الشرق

في مركز قيادة بالقرب من مدينة بوكروفسك الأوكرانية المحاصرة، يشكو جنود اللواء الرئاسي المنفصل من تردد واشنطن بشأن السماح لكييف باستخدام الصواريخ الغربية لضرب أهداف داخل روسيا.

يقول مشغل طائرة بدون طيار هجومية لصحيفة "فاينانشيال تايمز"، إنه لو كان بوسعهم القتال "بأيديهم الاثنتين بدلاً من يد واحدة مقيدة خلف ظهورهم"، فإن القوات الأوكرانية قد تكون لها فرصة ضد الجيش الروسي الأكثر قوة.

ويؤكد قائد اللواء ميخايلو تيمبر، محاطاً بشاشات فيديو تُظهر العدو المتقدم، أن أهدافه بدأت تتغير. ويشير إلى أنه "في الوقت الحالي، أفكر أكثر في كيفية إنقاذ شعبي"، ويضيف، في إشارة إلى هدف أوكرانيا المتمثل في استعادة أراضيها بالكامل: "من الصعب جداً أن نتخيل أننا سنكون قادرين على دفع العدو إلى حدود عام 1991".

وحتى الجنود في الجبهة، الذين كانوا في السابق متفائلين بتحرير أراضيهم، تقول الصحيفة، يعبرون الآن عن رغبتهم في إجراء مفاوضات مع روسيا لإنهاء الحرب. ويخشى يوري، وهو قائد آخر على الجبهة الشرقية لم يذكر سوى اسمه الأول، من احتمال اندلاع "حرب أبدية".

وفي حديث مع "فاينانشيال تايمز"، قال يوري: "أنا مع المفاوضات الآن"، وأضاف معرباً عن قلقه من أن ابنه، وهو جندي أيضاً، قد يقضي جزءاً كبيراً من حياته في القتال، وأن حفيده قد يرث يوماً ما صراعاً لا نهاية له.

وتتجه أوكرانيا إلى ما قد يكون "أحلك لحظاتها" في الحرب حتى الآن. إذ أنها تخسر في ساحة المعركة في شرق البلاد، مع تقدم القوات الروسية بدون توقف - وإن كان ذلك بتكلفة هائلة في الأرواح والمعدات.

"مجتمع منهك"

وتكافح أوكرانيا لإعادة تنظيم صفوفها المنهكة بجنود متحمسين ومدربين تدريباً جيداً، بينما يتسبب نظام التعبئة العسكرية في توترات اجتماعية حقيقية. كما تواجه البلاد شتاءً صعباً في ظل انقطاع التيار الكهربائي المتكرر واحتمال انقطاع التدفئة بشكل تام.

وقال أوليكساندر ميريزكو، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوكراني: "المجتمع منهك".

وفي الوقت نفسه، يتعرض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لضغوط متزايدة من الشركاء الغربيين لإيجاد مسار نحو تسوية تفاوضية، حتى لو كانت هناك شكوك في استعداد روسيا للدخول في محادثات في أي وقت قريب، والقلق من أن موقف أوكرانيا ضعيف للغاية لتأمين صفقة عادلة الآن.

ويقول مسؤول أوكراني كبير في كييف للصحيفة: "معظم اللاعبين يريدون خفض التصعيد هنا".

وتدرك إدارة بايدن أن استراتيجيتها الحالية ليست مستدامة لأننا "نخسر الحرب"، حسب ما يقول جيريمي شابيرو، رئيس مكتب واشنطن للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية. الذي يوضح: "إنهم يفكرون في كيفية تحريك هذه الحرب إلى هدوء أكبر".

ويعد أكثر ما يهدد كييف هو احتمال فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية، الشهر المقبل، ومحاولة فرض اتفاق سلام غير مناسب على أوكرانيا من خلال التهديد بحجب المزيد من المساعدات العسكرية والمالية. وكرر ترمب ادعائه الأسبوع الماضي بأنه يستطيع إنهاء الحرب بسرعة.

وبينما يرغب مؤيدو أوكرانيا في أوروبا في إبقاءها في القتال، إلا أنهم يفتقرون إلى مخزونات الأسلحة للقيام بذلك، وليس لديهم خطة لملء أي فراغ قد تتركه الولايات المتحدة.

وأكدت كييف، أنها كانت تضع الأساس لمحادثات مستقبلية "بطريقة مذهلة" عندما استولت قواتها على جزء من منطقة كورسك الروسية في غزو مفاجئ عبر الحدود في أغسطس الماضي. وقال زيلينسكي حينها إن "الأرض ستكون بمثابة ورقة مساومة".

"دوامة" الانتخابات الأميركية

وفي الأسبوع الماضي، وفي محاولة لحشد تأييد حلفائه، زار زيلينسكي الولايات المتحدة، لتسويق ما يسمى "خطة النصر"، وهي صيغة لتعزيز موقف أوكرانيا قبل المحادثات المحتملة مع موسكو. ووصفها زيلينسكي بأنها "استراتيجية لتحقيق السلام من خلال القوة".

وبعد أن دخل في دوامة الانتخابات الأميركية، أجرى محادثات منفصلة مع الرئيس جو بايدن ونائبة الرئيس كامالا هاريس وخصمها الجمهوري دونالد ترمب، لإثبات وجهة نظره.

في مرحلة ما، بدا كما لو أن مهمة زيلينسكي في الولايات المتحدة، تتجه نحو الكارثة، بعد أن انتقده ترمب لمعارضته لمحادثات السلام ووبخه كبار الجمهوريين بعد زيارته لمصنع أسلحة في ولاية بنسلفانيا المتأرجحة الحاسمة برفقة سياسيين ديمقراطيين فقط. ولكن في النهاية، أقنع ترمب بمنحه مقابلة وأنقذ زيارته.

وفي هذا الصدد، قال مسؤول أوكراني كبير لصحيفة "فاينانشيال تايمز"، إن زيارة زيلينسكي "لم تكن انتصاراً"، كما أنها "لم تكن كارثة"، ويضيف المسؤول، في إشارة لخطاب الرئيس الأوكراني أمام الكونجرس في ديسمبر 2022، والذي أعلن فيه أن أوكرانيا "لن تستلم أبداً" تحت تصفيق حار من النواب الأميركيين، إنه "سيكون من السذاجة أن نتوقع التصفيق الذي حصلنا عليه قبل عامين".

ومع ذلك، غادر الزعيم الأوكراني واشنطن دون مكاسب بشأن قضيتين أساسيتين: السماح لبلاده باستخدام الأسلحة الغربية لشن ضربات بعيدة المدى على الأراضي الروسية؛ والتقدم المحرز في مساعي أوكرانيا للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي.

وقد قاومت إدارة بايدن كلا المطلبين، خوفاً من أن يشجع ذلك موسكو على تصعيد الصراع، مما قد يؤدي إلى استدراج الولايات المتحدة وحلفاء آخرين بشكل مباشر إلى الحرب.

ولم يقتنع المسؤولون الأميركيون بخطة زيلينسكي "للنصر"، والتي تتضمن طلبات بكميات هائلة من الأسلحة الغربية.

"خطة النصر"

أحد المستشارين الذين ساعدوا في إعداد وثيقة "خطة النصر" الأوكرانية، قال لـ"فاينانشيال تايمز"، إن زيلينسكي لم يكن لديه خيار سوى إعادة التأكيد على إصراره على عضوية الناتو، إذ أن أي شيء آخر كان ليُنظر إليه على أنه "تراجع عن مسألة الضمانات الأمنية الغربية"، والتي يرى الأوكرانيون أنه لا غنى عنها.

وترى الصحيفة أن "خطة النصر"، وهي محاولة لتغيير مسار الحرب وإرغام روسيا على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. هي خطة يؤمن بها زيلينسكي بها حقاً، على الرغم من شكوك واشنطن.

 وتشكل القدرة على ضرب الأراضي الروسية، عنصراً أساسياً في خطة النصر التي وضعها زيلينسكي، كما يقول المستشار.

وفي حين زعم ​​المسؤولون الأميركيون، أن روسيا نقلت بالفعل طائرات هجومية إلى ما هو أبعد من مدى الصواريخ الغربية، ويصر المسؤولون الأوكرانيون على وجود الكثير من الأهداف الأخرى مثل مراكز القيادة ومخابئ الأسلحة ومستودعات الوقود وعقد الخدمات اللوجستية.

وتعتبر "فاينانشيال تايمز"، إن تدمير هذه الأهداف قد يعطل قدرة موسكو على شن الحرب، ويُظهر للزعيم الروسي فلاديمير بوتين أن أهدافه المتمثلة في الاستيلاء على أربع مقاطعات كاملة، على الأقل في أوكرانيا، غير قابلة للتحقيق، ويدحض قناعته بأن الغرب سيفقد الاهتمام بدعم أوكرانيا.

وحسبما يرى أندريس سبرودس، وزير الدفاع في لاتفيا، فإنه "لا ينبغي المبالغة في تقدير روسيا. فهي لديها نقاط ضعفها".

وعلى الرغم من أن "خطة النصر" التي وضعها زيلينسكي أعادت صياغة الأهداف القديمة، فإن أهميتها الحقيقية تكمن في أنها تحول أهداف الحرب في أوكرانيا من التحرير الكامل إلى تحويل مسار الحرب لصالح كييف، كما يقول المسؤول الأوكراني الكبير: "إنها محاولة لتغيير مسار الحرب وإحضار روسيا إلى طاولة المفاوضات. زيلينسكي يؤمن بذلك حقاً".

انفتاح أوكراني على "التسوية"

العديد من الدبلوماسيين الأوروبيين الذين حضروا الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي في نيويورك، يرون أن هناك تحولاً ملموساً في نبرة ومحتوى المناقشات بشأن التسوية المحتملة، حسبما نقلت "فاينانشيال تايمز".

ويلاحظ الدبلوماسيون، مزيداً من الانفتاح من جانب المسؤولين الأوكرانيين لمناقشة إمكانية الاتفاق على وقف إطلاق النار حتى مع بقاء القوات الروسية على أراضيهم، والمزيد من المناقشات الصريحة بين المسؤولين الغربيين بشأن الحاجة الملحة إلى التوصل إلى اتفاق.

وقال الدبلوماسيون، إن وزير الخارجية الأوكراني الجديد أندري سيبيا، استخدم اجتماعات خاصة مع نظرائه الغربيين في أول رحلة له إلى الولايات المتحدة في منصبه، لمناقشة حلول تسوية محتملة، كما استخدم نبرة أكثر براجماتية بشأن إمكانية إجراء مفاوضات بشأن الأرض مقابل الأمن مقارنة بسلفه.

ونقلت "فاينانشيال تايمز" عن أحد الدبلوماسيين، الذي كان حاضراً في نيويورك: "نحن نتحدث بشكل أكثر انفتاحاً بشأن كيفية انتهاء هذا الأمر وما يتعين على أوكرانيا التخلي عنه من أجل التوصل إلى اتفاق سلام دائم. وهذا تغيير كبير مقارنة بما كان عليه الحال قبل ستة أشهر، عندما كان هذا النوع من الحديث محظوراً".

ويبدو أن الرأي العام الأوكراني، أكثر انفتاحا على محادثات السلام، ولكن ليس بالضرورة على التنازلات التي قد تتطلبها.

وأظهر استطلاع للرأي أجراه معهد كييف الدولي لعلم الاجتماع لصالح المعهد الديمقراطي الوطني، أن 57% من المستجيبين يعتقدون أن أوكرانيا يجب أن تشارك في مفاوضات السلام مع روسيا، ارتفاعاً من 33% قبل عام.

وسجلت نسبة الأوكرانيين الذين ما زالوا يعارضون أي تنازل رسمي عن الأراضي كجزء من اتفاق سلام 55%، انخفاضاً من ذروة بلغت 87% في العام الماضي، حسب استطلاع أجراه معهد كييف للدراسات الدولية في مايو الماضي.

تصنيفات

قصص قد تهمك