عام من القصف الإسرائيلي على غزة.. "حتى القبر لم يسلم"

الفلسطينية إيناس أبو معمر تزور مع ابن أخيها (أحمد) مقبرة مدمرة دفنت فيها شقيقته (سالي) في خان يونس جنوب قطاع غزة. 11 سبتمبر 2024 - REUTERS
الفلسطينية إيناس أبو معمر تزور مع ابن أخيها (أحمد) مقبرة مدمرة دفنت فيها شقيقته (سالي) في خان يونس جنوب قطاع غزة. 11 سبتمبر 2024 - REUTERS
خان يونس، (غزة) -رويترز

بعد أيام من بدء إسرائيل هجومها العسكري على قطاع غزة، التقطت وكالة "رويترز" صورة لإيناس أبو معمر، وهي تبكي وتحتضن جثمان ابنة أخيها سالي، التي كانت تبلغ من العمر خمس سنوات آنذاك.

وأصبحت هذه الصورة واحدة من أكثر الصور التي تجسد معاناة الفلسطينيين خلال الحرب الإسرائيلية المستمر على غزة منذ عام، والتي جاءت رداً على هجوم حركة "حماس" على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023.

لقيت سالي حتفها مع والدتها وشقيقتها الرضيعة وجديها وعدد من أقاربها، ومنذ ذلك الحين، فقدت إيناس أبو معمر (37 عاماً) شقيقتها أيضاً، التي لقت حتفها مع أطفالها الأربعة في غارة جوية في شمال غزة.

نزحت إيناس أبو معمر 3 مرات لتجنب القصف الإسرائيلي، وفي إحدى المرات أمضت أربعة أشهر في خيمة، واليوم، عادت إلى منزلها في خان يونس بجنوب غزة.. الشقوق في كل جزء من سقف المنزل، وتغطي ستارة الحمام فتحة في الحائط بحجم نافذة.

وقالت إيناس أبو معمر، وهي تجلس وسط الأنقاض في المقبرة الصغيرة بجوار منزل العائلة "لقد فقدنا الأمل في كل شيء"، وأضافت أن قبر سالي يوجد أسفل تلك الأنقاض، وتابعت: "حتى القبر لم يسلم من القصف".

وأودى هجوم "حماس" على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر بحياة نحو 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، واحتجاز نحو 250 آخرين، وفقاً لإحصاءات إسرائيلية.

وردت إسرائيل بحملة عسكرية واسعة النطاق على غزة كان هدفها المُعلن القضاء على "حماس"، وأودت هذه الحملة حتى الآن بحياة أكثر من  41800 شخص، معظمهم من المدنيين، وفقاً للسلطات الصحية الفلسطينية.

ويقول الجيش الإسرائيلي إن حملته على غزة ضرورية لسحق "حماس"، التي يتهمها بـ"الاندساس" وسط السكان الفلسطينيين، وتنفي الحركة ذلك، وتزعم إسرائيل أنها تحاول الحد من الأذى الذي يلحق بالمدنيين.

الحرب الإسرائيلية على غزة

قبل السابع من أكتوبر العام الماضي، كانت غزة تعاني من حصار إسرائيلي واسع النطاق في أعقاب سيطرة "حماس" على القطاع في عام 2007. وقالت إيناس أبو معمر إن العمل كان قليلاً، وكانت الواردات مقيدة بشدة، لكن أسرتها كانت تنعم بالاستقرار.

كانت إيناس تعيش مع زوجها بالقرب من عائلة شقيقها رامز، ما أتاح لها قضاء الكثير من الوقت مع أبناء أخيها: أحمد وسالي وصبا.

ومع تكثيف القصف بالقرب من المنزل بعد السابع من أكتوبر، لجأ رامز مع عائلته إلى منزل أصهاره على بعد نحو كيلومتر واحد، وفي اليوم التالي تعرّض المنزل لغارة جوية.

وعندما سمعت إيناس أبو معمر بالغارة، توجهت مباشرة إلى مستشفى "ناصر" في خان يونس، وهناك رأت أحمد، الذي كان يبلغ من العمر آنذاك 4 سنوات، وأمسكت بيده. ووجدت سالي جثة هامدة في المشرحة، وقالت: "حاولت إيقاظها.. لم أصدق أنها ماتت". 

صورة استحوذت على اهتمام العالم للفلسطينية إيناس أبو معمر وهي تحتضن جثمان ابنة أخيها التي أودت بحياتها غارة إسرائيلية في مستشفى ناصر في خان يونس جنوب قطاع غزة. 17 أكتوبر 2023
صورة استحوذت على اهتمام العالم للفلسطينية إيناس أبو معمر وهي تحتضن جثمان ابنة أخيها التي أودت بحياتها غارة إسرائيلية في مستشفى ناصر في خان يونس جنوب قطاع غزة. 17 أكتوبر 2023 - REUTERS

وهناك التقط مصور وكالة "رويترز" محمد سالم صورة لإيناس، وهي تحتضن ابنة أخيها المتوفاة، وهي مُكفنة في ملاءة بيضاء، وحصلت الصورة على أفضل صورة صحافية عالمية لهذا العام، وفازت بجائزة "بوليتزر" إلى جانب صور أخرى لهجوم السابع من أكتوبر، والحرب في غزة.

وقالت إسرائيل إنها هاجمت 5 آلاف هدف لحركة "حماس" في غزة من السابع من أكتوبر حتى 17 أكتوبر من الشهر ذاته، وهو يوم الغارة الجوية، التي أودت بحياة الطفلة سالي. 

وقالت السلطات الصحية الفلسطينية إن نحو 3 آلاف شخص لقوا حتفهم بحلول ذلك التاريخ منهم 940 طفلاً.

ولم يرد الجيش الإسرائيلي على طلب للتعليق على الغارة التي أودت بحياة سالي.

وبعد 6 أيام من مقتلها، قال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي في تعليق على سقوط عائلة أخرى في غارة جوية في خان يونس: "حماس تندس وسط المدنيين في جميع أنحاء قطاع غزة.. لذا أينما يظهر هدف لحماس، فإن الجيش الإسرائيلي سيضربه من أجل إحباط القدرات الإرهابية للحركة، مع اتخاذ الاحتياطات الممكنة للتخفيف من الضرر الذي قد يلحق بالمدنيين الذين لا دخل لهم".

وبحلول شهر ديسمبر، ومع إعلان السلطات الفلسطينية أن عدد الضحايا في غزة تجاوز 15 ألفاً، واستعداد إسرائيل لتوسيع هجومها البري إلى جنوب غزة، انتقلت إيناس أبو معمر وأفراد آخرون من العائلة إلى "المواصي"، وهي منطقة شاطئية حيث لجأ النازحون إلى العيش في خيام.

كما نزحوا مرتين، بينما كانت القوات الإسرائيلية تخوض قتالاً ضد "حماس" في جميع أنحاء الجنوب، حيث أمرت المدنيين أولاً بالخروج من خان يونس، ثم من مدينة رفح.

والآن وبعد عودتها إلى المنزل، تقول إيناس أبو معمر إنه لم يعد هناك جدوى من النزوح مجدداً، والتقطت الزي المفضل لدى سالي، وهو فستان أسود بالتطريز الفلسطيني التقليدي الأحمر، وألصقته بوجهها، وقالت: "لا ننتظر سوى وقف حمام الدماء".

تصنيفات

قصص قد تهمك