ضرب المنشآت النووية الإيرانية.. هل تستطيع إسرائيل بمفردها؟

إيرانيون يحرقون علمي إسرائيل وأميركا خلال مسيرة احتجاجية في العاصمة الإيرانية طهران. 8 أكتوبر 2024 - REUTERS
إيرانيون يحرقون علمي إسرائيل وأميركا خلال مسيرة احتجاجية في العاصمة الإيرانية طهران. 8 أكتوبر 2024 - REUTERS
دبي-الشرق

استبعد مسؤولون أميركيون وإسرائيليون أن تضرب إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية في ردها على الهجوم الصاروخي الذي شنته إيران عليها في بداية أكتوبر، أو أن تنجح في ذلك بدون مساعدة أميركية، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.

وأشارت الصحيفة الأميركية إلى التدريبات التي أجرتها عشرات المقاتلات الإسرائيلية فوق البحر الأبيض المتوسط قبل عامين، لمحاكاة ضربة ضد منشآت نووية إيرانية. وتحدث الجيش الإسرائيلي عن هذه التدريبات علناً بوصفها تدريبات على "التحليق لمسافات طويلة، والتزود بالوقود جواً، وضرب أهداف بعيدة".

وقالت الصحيفة إن هذه التدريبات لم تهدف فقط إلى ترهيب الإيرانيين، بل كانت تهدف أيضاً إلى توصيل رسالة إلى الرئيس الأميركي، جو بايدن، مفادها أن القوات الجوية الإسرائيلية كانت تتدرب على تنفيذ العملية بمفردها، حتى وإن كانت فرص نجاحها ستكون أعلى بكثير إذا انضمت الولايات المتحدة للهجوم بـ"قنابلها المضادة للمخابئ المحصنة تحت الأرض" التي تزن 30 ألف رطل. 

واعترف مسؤولون إسرائيليون سابقون وحاليون في مقابلات مع "نيويورك تايمز" بوجود شكوك بشأن ما إذا كانت إسرائيل تمتلك القدرة على إلحاق ضرر كبير بالمنشآت النووية الإيرانية. 

لكن مسؤولين في البنتاجون تساءلوا سراً خلال الأيام القليلة الماضية عما إذا كان الإسرائيليون يستعدون لتنفيذ الهجوم بمفردهم، بعد أن توصلوا إلى استنتاج بأنهم قد "لا يحظون بلحظة مثل هذه مرة أخرى"، بحسب الصحيفة. 

تحذيرات أميركية

وحذر بايدن إسرائيل من استهداف مواقع نووية أو منشآت الطاقة، وقال إن أي رد يجب أن يكون "متناسباً" مع الهجوم الذي شنته إيران على إسرائيل الأسبوع الماضي، ما يعني أنه يعترف بأن هناك ضرورة لرد مضاد. 

وقالت "نيويورك تايمز" إن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن كان "واضحاً" مع نظيره الإسرائيلي يوآف جالانت بأن الولايات المتحدة تريد من إسرائيل تجنب اتخاذ خطوات انتقامية قد تؤدي إلى تصعيد جديد من قبل الإيرانيين.

ورجح مسؤولون أن يركز رد إسرائيل على قواعد عسكرية إيرانية، وربما مواقع استخباراتية أو مواقع قيادية، مستبعدين، على الأقل في البداية، أن تسعى إسرائيل إلى استهداف أهم المنشآت النووية في إيران.

وبعد مناقشات مطولة، بدا أن ضرب هذه الأهداف قد تأجل لوقت لاحق؛ إذا صعد الإيرانيون من وتيرة هجماتهم المضادة، حسبما ذكرت الصحيفة.

ومع ذلك، تتزايد دعوات داخل إسرائيل، ويرددها بعض المسؤولين الأميركيين، للاستفادة من هذه اللحظة لعرقلة القدرات الإيرانية لسنوات أو أكثر.

ويتزامن ذلك مع تزايد تصريحات مسؤولين بالاستخبارات الأميركية وخبراء من خارج الإدارة عن اقتراب إيران من امتلاك القدرة على إنتاج قنبلة نووية، وفق "نيويورك تايمز".

وبينما تركز الكثير من المناقشات العامة على حقيقة أن إيران تستطيع بالتأكيد زيادة تخصيب اليورانيوم إلى المستوى المستخدم في صنع القنابل النووية في غضون أسابيع، تبرز حقيقة أكثر أهمية مفادها أن مهندسي إيران سيحتاجون إلى أشهر، أو ربما أكثر من عام، لتحويل ذلك الوقود إلى سلاح قابل للتسليم.

وكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، القومي المتشدد نفتالي بينيت، مؤخراً على مواقع التواصل الاجتماعي: "إسرائيل لديها الآن أعظم فرصة لها منذ 50 عاماً لتغيير وجه الشرق الأوسط". 

وأضاف: "علينا أن نتحرك (الآن) لتدمير البرنامج النووي الإيراني، ومرافق الطاقة المركزية، وشل هذا النظام الإرهابي نهائياً". وتابع: "لدينا المبررات والأدوات، والآن، بعد شلّ حزب الله وحماس، أصبحت إيران مكشوفة".

وأطلق مسؤولون أميركيون، وعلى رأسهم بايدن، حملة لاستبعاد فكرة تنفيذ هذه الضربات، قائلين إن من المرجح أن تكون غير فعالة، وقد تغرق المنطقة في حرب شاملة.

وقالت "نيويورك تايمز" إن مسألة كيفية ضرب إيران تحولت إلى قضية محورية في الحملات الانتخابية. وأشارت إلى تأكيد الرئيس السابق دونالد ترمب على أن إسرائيل عليها "استهداف المنشآت النووية أولاً والاهتمام بالباقي لاحقاً"، رغم تجنبه هذا النهج أثناء فترة رئاسته.

وانتقد رئيس لجنة المخابرات في مجلس النواب الأميركي مايكل تيرنر الرئيس بايدن في مقابلة مع برنامج "Face the Nation" على شبكة "CBS"، قائلاً: "من غير المسؤول تماماً أن يقول الرئيس إن هذا الخيار مستبعد، بعد أن قال سابقاً إنه مطروح على الطاولة".

وقالت الصحيفة إن الجدل المفاجئ بشأن توجيه ضربة عسكرية تثير تساؤلات جديدة حول مدى قدرة إسرائيل على إعاقة قدرات إيران النووية، واحتمالية أن يؤدي هذا الهجوم إلى زيادة الغموض بشأن البرنامج النووي الإيراني ومنع المفتشين النووية القلائل الذين لا يزال بإمكانهم زيارة منشآتها الرئيسية بانتظام، أو دفع قادة إيران إلى اتخاذ القرار بالتسابق نحو تطوير القنبلة، وهو الخط الذي لم يتجاوزوه لأكثر من ربع قرن.

منشأة نطنز

وتركز اهتمام إسرائيل وواشنطن على مدار 22 عاماً على منشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم، المدفونة بعمق 3 طوابق في الصحراء الإيرانية.

وقالت "نيويورك تايمز" إن إسرائيل وضعت خططاً لتدمير أو إضعاف قاعة أجهزة الطرد المركزي العملاقة، حيث تدور الآلاف من الآلات الفضية العالية بسرعة تفوق سرعة الصوت حتى تقترب نسبة تخصيب اليورانيوم من المستوى المستخدم في صناعة القنابل النووية.

ورغم أن طهران تنفي رسمياً سعيها لامتلاك قنبلة نووية، شهدت الأشهر الأخيرة مناقشات مكثفة بين بعض المسؤولين والمحللين الإيرانيين بشأن ما إذا كان ينبغي إلغاء الفتوى التي أصدرها المرشد الإيراني، علي خامنئي، في عام 2003، والتي تحظر امتلاك الأسلحة النووية.

وفي غضون ذلك، زادت إيران من إنتاج اليورانيوم المُخصب بنسبة 60%، وهي نسبة قريبة من درجة النقاء اللازمة لصناعة قنبلة. ويعتقد خبراء أن إيران لديها الآن ما يكفي من هذا الوقود لصنع 3 أو 4 قنابل، وأن تحويل اليورانيوم إلى درجة النقاء اللازمة لصنع القنبلة، البالغة 90%، سيستغرق فقط بضعة أيام، بحسب "نيويورك تايمز".

وقالت الصحيفة إن منشأة نطنز تعتبر هدفاً "سهلاً نسبياً"، إلا أن استهدافها سيكون بمثابة إعلان حرب. ولذلك، كانت الولايات المتحدة تحث على مدى السنوات الـ15 الماضية على تعطيل البرنامج النووي الإيراني من خلال الدبلوماسية والتخريب والعقوبات، وليس القنابل.

وعملت الولايات المتحدة بنشاط أيضاً على منع إسرائيل من الحصول على الأسلحة التي تحتاجها لتدمير منشأة طرد مركزي أخرى، تسمى "فوردو"، بُنيت في عمق الجبال.

وأشارت "نيويورك تايمز" إلى رفض الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش مطالب إسرائيل بتزويد سلاحها الجوي بأكبر القنابل الأميركية القادرة على تدمير المخابئ المحُصنة، بالإضافة إلى قاذفات "بي-2" التي تحتاجها لنقلها.

ووصفت الصحيفة هذه الأسلحة بأنها "ضرورية" لأي جهد يهدف إلى تدمير منشأة "فوردو" وغيرها من المنشآت العميقة المُحصنة بشكل كبير. 

وأثار قرار بوش جدلاً داخل البيت الأبيض، حيث أيد نائبه ديك تشيني فكرة الهجوم، بينما تمسك بوش بموقفه، مجادلاً بأن الولايات المتحدة لا يمكنها المخاطرة بدخول حرب جديدة في الشرق الأوسط.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك، في مقابلة مع صحيفة "ذا تايمز" عام 2019، إن تحذير بوش "لم يكن له أي تأثير علينا"، مؤكداً أن إٍسرائيل لم تكن لديها خطة قابلة للتطبيق لمهاجمة إيران حتى عام 2008، لكنها وضعت خططاً عديدة لاحقاً، بحسب "نيويورك تايمز".

عملية "الألعاب الأولمبية"

وأدى الجدل بشأن القنابل المضادة للتحصينات إلى نشوء عملية سرية ضخمة تُعرف باسم "الألعاب الأولمبية"، وهي برنامج سري بين إسرائيل والولايات المتحدة يهدف إلى تدمير أجهزة الطرد المركزي باستخدام سلاح سيبراني. ودُمّر أكثر من 1000 جهاز طرد مركزي بواسطة ما عُرف بفيروس "ستوكسنت"، ما أدى إلى تأخير البرنامج لمدة عام أو أكثر.

لكن عملية "الألعاب الأولمبية" لم تكن حلاً سحرياً، إذ أعاد الإيرانيون بناء برنامجهم، وأضافوا آلافاً من أجهزة الطرد المركزي، ونقلوا جزءاً أكبر من جهودهم إلى أعماق الأرض.

وعندما تولى بينيت رئاسة الوزراء في إسرائيل عام 2021، صرح مسؤولون إسرائيليون بأنه صُدم من عدم استعداد إسرائيل لمهاجمة البرنامج الإيراني، فطلب إجراء تدريبات جديدة لمحاكاة الطيران لمسافات طويلة إلى إيران، وضخ موارد جديدة في التحضيرات.

ومع ذلك، لا تزال قدرة إسرائيل محدودة، إذ تعتمد على أسطول قديم من طائرات بوينج 707 للتزود بالوقود جواً، ولن تتمكن الولايات المتحدة من تسليم نماذج أحدث قادرة على حمل الوقود لمسافات أطول بكثير قبل سنوات. 

تصنيفات

قصص قد تهمك