توغل إسرائيل في جنوب لبنان.. محاولات "إعادة التشكيل" تصطدم بأفخاخ عسكرية وطبيعة جبلية

جنود إسرائيليون خلال عملية التوغل البري في جنوب لبنان. 13 أكتوبر 2024 - Reuters
جنود إسرائيليون خلال عملية التوغل البري في جنوب لبنان. 13 أكتوبر 2024 - Reuters
دبي -الشرق

بالقرب من النقطة التي تلتقي فيها حدود إسرائيل ولبنان على ساحل البحر الأبيض المتوسط، كان الجنود الإسرائيليون يقومون بدورية في غابة عندما رصدوا شيئًا غريباً، بقعة صغيرة من الطلاء الأخضر على شجرة، قال الضباط الإسرائيليون، إنه واحد من مئات المخابئ التي بناها "حزب الله" على طول الحدود للتحضير لتوغل في إسرائيل، حسبما نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال".

وداخل المخبأ، كانت هناك أحذية قتالية وملابس عسكرية وجهاز صغير للحصول على الكهرباء من الطاقة الشمسية، ومتفجرات تتألف من ثمانية ألغام مترابطة قال الضباط الإسرائيليون لـ"وول ستريت جورنال"، إنه يمكن استخدامها لتفجير الجدار الحدودي ليتمكن مقاتلو "حزب الله" من المرور عبره.

وخلال الأسبوعين الماضيين، وبعد أن أرسلت إسرائيل قواتها بأعداد كبيرة إلى لبنان لأول مرة منذ 18 عاماً، تستكشف القوات الإسرائيلية الغابات الجبلية والقرى المهجورة، حيث تشارك في مواجهات مباشرة مع مقاتلي "حزب الله"، وتتعرض أحياناً إلى كمائن، تودي بحياة عدد من جنودها وتصيب آخرين. 

مسؤولون إسرائيليون، أشاروا إلى أن هدفهم من التوغل في جنوب لبنان، هو العثور على المخابئ والبنية التحتية العسكرية التي طورها "حزب الله" على مدى سنوات، عديدة لتسهيل مناوراته البرية في شمال إسرائيل وتدميرها. 

ويصف المسؤولون الإسرائيليون العملية، بأنها تقتصر على إزالة التهديد الحدودي، وبالتالي السماح لعشرات الآلاف من الإسرائيليين الذين تم إجلاؤهم من شمال إسرائيل بالعودة إلى ديارهم.

وأضاف مسؤول إسرائيلي: "الأمر يتعلق بالشعور بالأمن. نحن بحاجة إلى إظهار لمواطنينا أننا ندمر البنية التحتية بالقرب من الحدود".

إعادة تشكيل جنوب لبنان

وفي هذه العملية، تقول "وول ستريت جورنال"، إن الجيش الإسرائيلي يعيد تشكيل جنوب لبنان على الحدود، عبر فتح طرق جديدة إلى سفوح الجبال لتستخدمها القوات الإسرائيلية، كما يهدم المنازل التي يقول إنها كانت تستخدم من قبل "حزب الله".

وقد نزح عشرات الآلاف من جنوب لبنان، ولقي أكثر من 2100 شخص مصرعهم منذ بدأت إسرائيل و"حزب الله" في تبادل الضربات على جانبي الحدود في أكتوبر 2023.

واعتبرت الصحيفة أن الهجوم البري الإسرائيلي على لبنان، عملية مختلفة تمام الاختلاف وأكثر خطورة من "تفجيرات البيجر" وأجهزة الاتصال اللاسلكية، وحملة الاستهداف والغارات الجوية التي سبقتها.

وأوضحت "وول ستريت جورنال" أن المواجهات الأخيرة عبارة عن "اتصال مباشر بالعدو" في ساحة معركة جبلية، أمضى "حزب الله" سنوات في الإعداد لها.

وكانت العمليات البرية الإسرائيلية السابقة في لبنان، تهدف أيضاً إلى أن تكون ضيقة النطاق، ولكن غزوها في عام 1982 تحول إلى احتلال دام 18 عاماً، في حين انتهت حملة عام 2006 بطريق مسدود، حسب الصحيفة.

وفي حديث مع "وول ستريت جورنال"، قال داني سيترينوفيتش، المسؤول السابق في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية والزميل الحالي في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب: "في الحملة البرية، تعرف من أين ستبدأ، ولكنك لا تعرف أين ستنتهي".

كمين في ثاني أيام العملية

بعدما كانت فرقة من قوات الكوماندوز الإسرائيلية، قد عبرت الحدود في الظلام، واجتاحت قرية كفركلا بحثاً عن مخابئ وأسلحة لـ"حزب الله". وبمجرد شروق الشمس، أصابهم انفجار. وبعد ذلك، فتح مقاتلو "حزب الله" المتمركزون في مواقع محصنة، النار من اتجاهات متعددة باستخدام بنادق وصواريخ مضادة للدبابات. وسقطت قذيفة هاون عيار 60 ملليمتراً في وسط الفريق.

وقدمت الطائرات بدون طيار والمدفعية الإسرائيلية الدعم للجنود، بينما كانوا يقاتلون لاستعادة القتلى ونقل الجرحى تحت نيران كثيفة. وعندما انقشع الدخان، كان ستة جنود على الأقل قد لقوا حتفهم، بما في ذلك جندي من وحدة متخصصة في حرب الأنفاق.

وقال مسؤول عسكري إسرائيلي "إنها معركة ليلية تطورت إلى معركة نهارية، تشكل تحدياً عملياً، مع عدو محصن أطلق النار من عدة اتجاهات". وأضاف "نحن نتعلم من الحادث".

وقال الجيش الإسرائيلي، إن 25 جندياً أصيبوا في كمين آخر، الأحد الماضي. وقالت الجماعة المسلحة، إن القوات كانت تدخل راميا، وهي قرية تقع في منطقة الحدود الوسطى حيث بدأت إسرائيل عملياتها في أواخر الأسبوع الماضي، عندما ضربها "حزب الله" بعبوة ناسفة أعقبها وابل من النيران وأسلحة متوسطة المدى مثل الصواريخ المضادة للدبابات.

وقال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي، إن دبابة فرت من الهجوم انتهى بها الأمر بالرجوع إلى قاعدة لقوات حفظ السلام تابعة للأمم المتحدة (اليونيفيل) قبل إطلاق طلقات دخانية للمساعدة في إجلاء الجنود، وهو الحادث الذي أثار انتقادات من قوات حفظ السلام.

وتزعم إسرائيل أنها قتلت مئات من مقاتلي "حزب الله". ولم ترد الجماعة اللبنانية على طلب التعليق على الأرقام، لكنها أعلنت أن المواجهات على جانبي الحدود أودت بحياة 500 من مقاتليها على مدار العام الماضي، إلا أنها توقفت عن إعطاء تحديثات بعد التوغل الإسرائيلي الأخير.

لحظات من الهدوء النسبي

وفي الغابات الواقعة غرب اللبونة، حيث عثرت القوات الإسرائيلية على مخبأ لـ"حزب الله"، تحركت قوات المشاة الإسرائيلية في مجموعات صغيرة على طرق ترابية جديدة حفرتها الجرافات العسكرية في سفح الجبل. وانتظرت بضع دبابات على الجانب الآخر من جدار حدودي تم اختراقه. ووسط الأشجار، استراح جنود الاحتياط الإسرائيليون على حصائر رغوية، بينما كان بعضهم يأكل البطيخ، حسبما ذكرت الصحيفة.

وقال رائد إسرائيلي كان يقاتل داخل لبنان: "معظم المقاومة التي واجهناها لم تكن وجهاً لوجه، ولكن من خلال المتفجرات التي خلفناها والكثير من نيران الهاون والصواريخ"، وأضاف موضحاً: "لا يمكن أن يكونوا هدفاً من الجو، لأنهم في مخابئ تحت الأرض مغطاة بالأشجار والتراب".

وجلبت إسرائيل المزيد من الفرق إلى القتال كل بضعة أيام لتوسيع الجبهة على طول الحدود. وقال مسؤولون عسكريون إسرائيليون، إن آلاف الجنود يشاركون في الحملة، ويتحركون داخل وخارج لبنان يومياً.

ويقول المسؤولون الإسرائيليون، إنهم أعادوا بالفعل شاحنات محملة بالأسلحة إلى إسرائيل، بما في ذلك العديد من الصواريخ الروسية والصينية المتقدمة المضادة للدبابات.

وقد استخدم "حزب الله" هذه الأسلحة الموجهة بالليزر لمهاجمة المناطق العسكرية والمدنية الإسرائيلية عبر الحدود. ويقول الجيش الإسرائيلي إنه عثر أيضاً على العديد من الأنفاق ودمرها، بما في ذلك نفق عبر الحدود من لبنان إلى إسرائيل.

وبدأت إسرائيل العملية البرية من منطقة المطلة، أقصى مدينة في شمال إسرائيل، والمحاطة بلبنان من ثلاث جهات والتي تعد الأكثر تضرراً من هجمات "حزب الله" على مدى العام الماضي.

ومن هناك، وسعت إسرائيل حملتها ببطء في اتجاه الغرب، وفي كل مرة جلبت فرقة جديدة لتولي المسؤولية عن المنطقة. وقالت ميري إيسين، نائبة رئيس فيلق الاستخبارات القتالية السابق في الجيش الإسرائيلي، إن هذا يسمح لكل فرقة بالتركيز على إتقان التعامل مع التضاريس.

استهداف "حزب الله"

ودخلت القوات الإسرائيلية 8 قرى لبنانية على الأقل، جميعها على بعد ميل واحد من الحدود، وفقاً لتصريحات إسرائيل و"حزب الله" وتحديد موقع الجنود الإسرائيليين الذي أجرته شركة Le Beck، وهي شركة استشارية استخباراتية. وقال مسؤولون أمنيون إسرائيليون إنهم لم يواجهوا مدنيين بعد، حيث فر معظمهم من القصف الإسرائيلي العنيف قبل أشهر.

وقال ضباط إسرائيليون، إن الجنود اقتلعوا مساحات من الأشجار والشجيرات على طول الحدود أثناء بحثهم عن المخابئ وإزالة الغطاء عن مقاتلي "حزب الله"، مشيرين إلى أنهم يستخدمون الجرافات والانفجارات المتحكم فيها لهدم المباني، بما في ذلك منازل المدنيين، حيث يجدون مخابئ تحت الأرض أو أنفاقاً يقولون إنها جزء من تحصينات "حزب الله".

وتُظهر مقاطع الفيديو والصور الفضائية الأخيرة أضراراً جسيمة في بعض القرى منذ بدء التوغل البري الإسرائيلي. وأظهرت لقطات من طائرات مسيرة، نشرها مراسلون إسرائيليون في 7 أكتوبر الجاري، أجزاء من قرية على الحدود اللبنانية في حالة خراب، بما في ذلك مسجد. وتُركت بقايا بعض المباني في أكوام مرتبة، مما يشير إلى أنها هُدمت من خلال عمليات هدم متحكم فيها.

وتُظهِر صور الأقمار الصناعية من Planet Labs في قرية مارون الراس المجاورة أن حديقة تسمى "حديقة إيران"، والتي تضم نسخة طبق الأصل من قبة الصخرة في القدس، قد هُدِمت بشكل كبير. وكانت المنطقة الواقعة على المشارف الشرقية للقرية موقعاً رمزياً زاره كبار المسؤولين الإيرانيين، حيث أشادوا بمعركة "حزب الله" مع إسرائيل.

وقال الجيش الإسرائيلي، إن جنوده سيطروا على قاعدة تحت الأرض لـ"حزب الله" في محيط القرية. وأظهرت صور الأقمار الاصطناعية للقرية أيضاً، أنه في الأماكن التي كانت توجد بها مبانٍ قبل أيام، توجد الآن مسارات ترابية جديدة وضعتها إسرائيل.

تصنيفات

قصص قد تهمك