تستضيف العاصمة البلجيكية بروكسل، الأربعاء، أول قمة من نوعها تجمع قادة دول مجلس التعاون الخليجي، وقادة دول الاتحاد الأوروبي، وهما منظومتان لهما قواسم مشتركة في المتشابهات والمختلفات أيضاً، بل وحتى الظروف الجيوسياسية في محيط كل منهما.
وفي هذه القمة التي تتوج علاقة استراتيجية وتاريخية، وشراكة بدأت منذ أكثر من ثلاثة عقود، تحمل كل منظومة إضافة إلى رؤيتها لتطوير تلك العلاقات، ملفاً ساخناً في محيطها، من شأنه أن يؤثر عليها، وبالتالي في أفق علاقاتها مع العالم دولاً ومنظمات إقليمية.
الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، جاسم البديوي، أكد لوكالة الأنباء العمانية، أن أحد مساري هذه القمة يتعلق "بالقضايا الإقليمية والدولية، وينتهج خلالها مجلس التعاون الخليجي سياسة واضحة وجليّة، وترتكز على القانون الدولي، وتشجع لغة الحوار والدبلوماسية وتخفيف التصعيد في المناطق التي تشهد اضطرابات ونزاعات".
وفي هذا السياق، يشار إلى ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من تصعيد في الحرب الدائرة في غزة ولبنان من قبل إسرائيل، وما يصحبها من تصعيد إيراني إسرائيلي متبادل يوتر المنطقة المحيطة بدول الخليج العربي التي تضع في ذات الوقت وفي كل محفل دولي، القضية الفلسطينية على أولوية اهتماماتها.
وعلى الصعيد الأوروبي، أكد الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي لمنطقة الخليج لويجي دي مايو، أهمية حضور الحرب الروسية الأوكرانية في مناقشات القمة المرتقبة، وهي قضية تمثل للجانب الأوروبي مصدر قلق من حرب تقع في محيطه الإقليمي كما هو حال التصعيد العسكري في المحيط الخليجي متمثلاً بأحداث الساحتين الفلسطينية واللبنانية والتصعيد الإسرائيلي الإيراني.
ففي تصريح لوكالة الأنباء العمانية، قال دي مايو أن "القمة ستناقش آخر تطورات الأحداث في منطقة الشرق الأوسط ومستجدات الأزمة الأوكرانية".
ومن مفارقات الملفين، أن دول الخليج العربية تتمتع بعلاقات جيدة مع روسيا التي تدخل مع الاتحاد الأوروبي في حالة حرب غير معلنة على خلفية حرب أوكرانيا، وفي المقابل، تتمتع دول الاتحاد الأوروبي بعلاقات جيدة مع إسرائيل طرف التوتر في محيط شركاءهم الخليجيين.
متشابهات وشراكات
وتجمع مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي، تشابهات على المستوى السياسي والاقتصادي والثقافي، لكل "تكتل" على حدة.
وبينما تعد دول الخليج أحد أهم مراكز الطاقة من النفط والغاز في العالم، وهو ما يهم الجانب الأوروبي، تمثل دول الاتحاد الأوربي شريكاً استراتيجياً لدول لخليج، إذ تستورد منه أنواع مختلفة من الصناعات بما فيها العسكرية والتكنولوجية، في وقت تسعى فيه الدول الخليجية لتوطين كثير من تلك الصناعات لديها، ما يؤهل الجانبين لعلاقة شراكات تكاملية.
ويوضح جاسم البديوي "أن هناك أرضية مشتركة تجمع الجانبين حيال العديد من القضايا والموضوعات الإقليمية والعالمية"، موضحاً أن المسار الأول للقمة المرتقبة يركز على "العلاقات الثنائية الخليجية الأوروبية، وتشمل أوجه عدّة، مثل مجالات التجارة والاستثمار والتعاون الأكاديمي وتفعيل التعاون في قطاعي الصحة والطاقة المتجددة وسبل تحرير تأشيرة الشنجن عن المواطن الخليجي، والتي يدرك الجانب الأوروبي أهمية ذلك في دفع التعاون الثنائي نحو آفاقٍ أرحب".
ويوافق البديوي في ذلك الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي لمنطقة الخليج بقوله إن "القمة ستُركّز على العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك في سياق الشراكة الاستراتيجية طويلة الأمد بين الجانبين، أبرزها قضية المناخ، حيث تبذل الدول الخليجية والأوروبية جهوداً حثيثة في هذا الجانب"، ونوّه إلى مساعي الدول الخليجية والأوروبية لتفعيل التعاون في مجال الطاقة المتجددة، مؤكداً أن الهدف الرئيس للقمة هو الارتقاء بمستوى التعاون والشراكة الاستراتيجية بين الجانبين الخليجي والأوروبي.
علاقات تاريخية
ويعود الاهتمام الخليجي بالعلاقات مع الاتحاد الأوروبي إلى العام 1987، وفي ديسمبر منه قرر المجلس الأعلى لدول المجلس في دورته الثامنة الموافقة على الدخول في مفاوضات رسمية مع الجماعة الأوروبية، بهدف الوصول إلى اتفاقية مبدئية بمثابة إطار للتعاون بين الجانبين.
وبحسب موقع مجلس تعاون دول الخليج، فوّض المجلس الأعلى المجلس الوزاري بالتفاوض مع الجماعة الأوربية والتوقيع النهائي على هذه الاتفاقية، وهو ما تم التوصل إليه في صيف العام التالي بالتوقيع على الاتفاقية الإطارية في 15 يونيو 1988، ومن ثم اعتمادها من المجلس الأعلى في دورته التاسعة (المنامة، ديسمبر 1988)، ودخلت حيز التنفيذ في بداية عام 1990.
كما قرر المجلس الأعلى في تلك الدورة تفويض المجلس الوزاري بإصدار التفويض اللازم للفريق التفاوضي للدخول في المفاوضات الرسمية مع الجماعة الأوروبية، بهدف الوصول إلى اتفاق تجاري بين الطرفين. وأصدر المجلس الوزاري في دورته الخامسة والثلاثين يونيو 1990، القرار الخاص بالدخول في مفاوضات تجارية رسمية مع الجماعة الأوربية، وتفويض الفريق التفاوضي بالدخول في هذه المفاوضات، وفق عدد من التوجيهات التي تم اعتمادها.
وعلى مدى العقود الثلاثة منذ توقيع الاتفاقية، عُقدت اجتماعات عدّة بين الجانبين على المستويات الوزارية ومستويات اللجان المشتركة لتأتي القمة المرتقبة الأربعاء تتويجاً لما توصلت إليه تلك الاجتماعات والتعاونات.