قال مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون، إن هناك نقاشاً محتدماً في واشنطن، بشأن ما يجب فعله حيال "هيئة تحرير الشام" وزعيمها أحمد الشرع، المعروف بـ"أبو محمد الجولاني"، الذي أدرجته الولايات المتحدة على قائمة الإرهاب في عام 2013، وفق مجلة "بوليتيكو".
ووجّهت إطاحة "هيئة تحرير الشام" وفصائل مسلحة معارضة أخرى بنظام بشار الأسد ضربة قوية لإيران وروسيا، اللتين دعمتا نظام الأسد لتحقيق مكاسب جيوسياسية خاصة بهما، لكنها تطرح في الوقت نفسه تساؤلات بشأن تعامل واشنطن مع هذه المنظمة التي تعتبرها "إرهابية".
وقال أحد المسؤولين الحاليين لـ"بوليتيكو": "هناك صراع كبير لمعرفة ما إذا كان بإمكاننا شطب هيئة تحرير الشام من قائمة الإرهاب، وكيف ومتى".
وارتبط الجولاني (أحمد الشرع) بتنظيم "القاعدة" لسنوات، لكنه في عام 2016 أعلن فك ارتباطه بالتنظيم، وتغيير اسمه تنظيمه الخاص إلى "جبهة تحرير الشام" كقوة معتدلة لمعارضة الأسد.
وبموجب القانون الأميركي، يستطيع وزير الخارجية الأميركي، أن يُصنف مجموعة ما على أنها "منظمة إرهابية أجنبية"، إذا شاركت في نشاط إرهابي، وهددت أمن الولايات المتحدة. ويفتح تصنيف المنظمات الإرهابية الأجنبية FTOs باب الملاحقة الجنائية أمام أي منظمة وقادتها وأنصارها النشطين.
ويمكن للرئيس أن يقرر بشكل مباشر شطب منظمة ما من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية الأميركية، إذ يسمح القانون الأميركي لوزير الخارجية بإلغاء التصنيف في أي وقت.
ولكن مثل هذا القرار لا يأتي في كثير من الأحيان إلا بعد مداولات داخلية ومناقشات "مطولة" بين مسؤولي الأمن القومي، إذ لا يريد أيّ رئيس أن يُنظر إليه على أنه "يمنح الإرهابيين تصريحاً مجانياً برفع تصنيف FTOs قبل الأوان".
رسائل سياسية
وذكرت "بوليتيكو"، أن الأميركيين مقتنعين أن "نظام الأسد ديكتاتوري وحشي متورط في فظائع وجرائم حرب واسعة النطاق"، لكنهم يتساءلون أيضاً بشأن ما إذا كان الجولاني هو الزعيم الانتقالي المناسب.
وأضافت أن الإشارات الأولية التي بعثها الجولاني تبدو "مطمئنة"، فقد أعلنت "هيئة تحرير الشام"، تعاونها مع رئيس الوزراء السوري محمد الجلالي، لتشكيل حكومة انتقالية في ما يعتبر (حتى الآن) انتقالاً سلمياً نسبياً منذ الإطاحة بالأسد.
كما أعلنت الهيئة العفو عن جميع المجندين والجنود الاحتياطيين السوريين، ووعدت بأنها لن تجبر النساء على ارتداء ملابس معينة.
قلق إسرائيلي
ولكن العلامات المبكرة ليست كل شيء، إذ يشعر كبار المسؤولين الإسرائيليين بالقلق إزاء مرحلة ما بعد بشار الأسد.
ووصف سفير إسرائيل في واشنطن، مايكل هيرتسوج، سقوط الأسد، بأنه "ضربة قوية"، لأنه يحرم إيران من قناة لنقل الأسلحة إلى "حزب الله" و"حماس".
ولكن هيرتسوج حث واشنطن أيضاً على توخي الحذر. وقال خلال عطلة نهاية الأسبوع أثناء حديثه في منتدى ريجان للدفاع الوطني في كاليفورنيا: "لا يوجد أشخاص طيبون في هذه القصة، لأن لديك جهاديين.. لا نريد أن يضع الجهاديون أيديهم على قدرات استراتيجية مثل الأسلحة الكيميائية أو غيرها من الأسلحة الموجودة في سوريا. سيتعين علينا متابعتها عن كثب".
وقالت "بوليتيكو" إن هناك تشكك مماثل في واشنطن، وخاصة في الدوائر الجمهورية قبل عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض في يناير المقبل.
وقال جابرييل نورونها، المسؤول السابق في إدارة ترمب، والذي عمل في سياسة الشرق الأوسط: "تسعى التنظيمات والجماعات إلى الترويج لأفكار جذابة عندما تصل إلى السلطة، لأنها تشعر بالقلق من أن قبضتها على السلطة هشة، ثم بمجرد توطيدها للسلطة، تركز على تنفيذ أيديولوجيتها".
بدوره، قال ناثان سيلز، المبعوث السابق لوزارة الخارجية لمكافحة الإرهاب في إدارة ترمب: "يجب الحكم على الجولاني على مدار حياته المهنية وليس فقط ما فعله خلال الأشهر القليلة الماضية". وتابع: "عندما تنظر إلى سيرته الذاتية، فهي سيرة ذاتية إرهابية مطلية باللون الأزرق".
وأضاف سيلز: "يجب أن نكون جميعاً متشككين للغاية في قدرة هيئة تحرير الشام على نزع التطرف في لحظة النصر".
تقييم أوروبي
واتخذ كبار المسؤولين في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن حتى الآن نهج الانتظار والترقب، قائلين إنهم سيراقبون ما تفعله هيئة تحرير الشام للوفاء بوعودها المبكرة. ويبدو أن بريطانيا تفعل الشيء نفسه، إلى جانب الاتحاد الأوروبي.
وقال المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي أنور العوني: "مع تولي هيئة تحرير الشام مسؤوليات أكبر، سنحتاج إلى تقييم ليس فقط أقوالهم، بل وأفعالهم أيضاً".
ويلعب الجولاني و"هيئة تحرير الشام" دوراً رئيسياً في تشكيل حكومة سورية جديدة، لكن تصنيف الولايات المتحدة لـ"هيئة تحرير الشام" كـ"منظمة إرهابية" سيؤثر لا محال على كيفية خروج سوريا ما بعد الأسد الجديدة من العقوبات الغربية، وفق مجلة "بوليتيكو".
وذكرت "بوليتيكو" أن رؤساء الولايات المتحدة والمشرعين، يميلون إلى أن يكونوا أكثر دقة بشأن رفع العقوبات من فرضها نظراً للرد السياسي المحتمل.
وقال ديفيد مورتلوك، المسؤول الأميركي السابق الذي تعامل على نطاق واسع مع قضايا العقوبات: "من المرجح أن ينتظر الرئيس إشارات من النظام الجديد في سوريا قبل إجراء تغييرات على العقوبات، من أجل الحفاظ على النفوذ الذي توفره له العقوبات وتجنب مكافأة أي حكومة جديدة لها علاقات قوية بالجماعات الإرهابية".