ألمحت دول وحكومات غربية إلى استعدادها للتواصل مع فصائل المعارضة المسلحة في سوريا، بقيادة "هيئة تحرير الشام" المُصنفة "منظمة إرهابية"، بعد الإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد.
وانضمت قطر إلى واشنطن وباريس وبرلين، في الإشارة إلى أنها قد تغير موقفها من "هيئة تحرير الشام"، المدرجة على "القائمة السوداء" لدى مجلس الأمن الدولي، بعد أيام من نجاح مقاتليها في دخول العاصمة دمشق.
جاء ذلك بعد تصريحات للرئيس الأميركي جو بايدن، بشأن تقييم تغيّر خطاب الجماعة مع سعيها إلى النأي بنفسها عن انتمائها السابق إلى تنظيم "القاعدة"، قائلاً: "مع توليهم مسؤولية أكبر، سنقيم ليس فقط أقوالهم، بل وأفعالهم".
ولم يكشف رد الفعل الفوري للرئيس المنتخب دونالد ترمب عن الكثير بشأن الكيفية التي قد تتطور بها سياسة إدارة المقبلة تجاه سوريا، باستثناء التصريح ببساطة بأنها "ليست معركتنا"، لكن إدارته ستضطر أيضاً إلى اتخاذ قرار بشأن كيفية التعامل مع سوريا.
الأمم المتحدة: الفصائل تبعث "برسائل جيدة"
أعرب مبعوث الأمم المتحدة لسوريا جير بيدرسن، الثلاثاء، عن اعتقاده بأن المجتمع الدولي سيعيد النظر في مسألة تصنيف "هيئة تحرير الشام" على أنها "منظمة إرهابية"، مشدداً على ضرورة وضع ترتيبات انتقالية "تشمل الجميع" في سوريا، وضرورة وقف إسرائيل للقصف ولتوغل داخل الأراضي السورية.
وأضاف: "مرت 9 سنوات على تصنيف هيئة تحرير الشام جماعة إرهابية، وتواصل هي وفصائل مسلحة أخرى منذ ذلك الحين إرسال رسائل جيدة ومطمئنة".
وأشار إلى أن "هيئة تحرير الشام"، هي الجماعة المهيمنة في دمشق حالياً لكنها "ليست الوحيدة".
واعتبر أن الفصائل المسلحة تنسق فيما بينها "بشكل جيد" في الوقت الراهن، مشدداً على أنه من المهم ألا نشهد صراعاً بينها.
ولفت إلى أن الصراع في شمال شرق البلاد لم ينته بعد، مضيفاً: "وردتنا رسائل طيبة من هيئة تحرير الشام وغيرها، ورأينا في حلب وحماة، أموراً مطمئنة بالميدان".
قطر: "مستعدون لأي دور"
المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية، ماجد الأنصاري أعلن الثلاثاء، أن بلاده مستعدة لأي دور يمكن أن يساهم بشكل إيجابي في سوريا، مشيراً إلى أن قنوات الاتصال مفتوحة مع الجميع.
وقال خلال مؤتمر صحافي: "جميع الأبواب وقنوات الاتصال مفتوحة مع كافة الأطراف، ونحن على اتصال مع جميع الأطراف على مختلف المستويات لتقديم يد العون والتشاور بشأن مستقبل سوريا".
وأضاف أنه من غير المقبول أن تستغل إسرائيل الوضع الراهن في سوريا وتنتهك سيادتها، مشدداً على ضرورة ألا يكون هناك أي تدخل أجنبي في سوريا.
وتابع الأنصاري: "رسالتنا لجميع السوريين هي أن سيادة سوريا ووحدة أراضيها تمثل الأولوية الآن".
ورداً على سؤال بشأن فرض عقوبات دولية على بعض الفصائل السورية، قال إن "قطر تأمل أن تتدفق المساعدات الدولية بحُرية إلى سوريا".
واشنطن: لا نستبعد التواصل
وفي واشنطن، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، الاثنين، إن الولايات المتحدة لا تستبعد التواصل مع "هيئة تحرير الشام"، فيما رفض التعليق بشأن سياسة واشنطن حول رفع العقوبات عن الهيئة.
وذكر وزير الخارجية أنتوني بلينكن أن الشعب السوري هو الذي يجب أن يختار مستقبله، مشيراً إلى أن التصريحات التي أدلى بها زعماء فصائل المعارضة السورية بشأن بناء حكم شامل هي "موضع ترحيب"، لكن المقياس الحقيقي سيكون في الإجراءات التي يتخذونها.
وأضاف الوزير الأميركي، خلال فعالية في واشنطن، أن "نهاية هذا النظام (بشار الأسد) هي هزيمة لكل من ساعده على (ممارساته) الهمجية وفساده، ولا سيما إيران و(جماعة) حزب الله وروسيا. لذا، فإن هذه اللحظة تمثل فرصة تاريخية، لكنها تحمل أيضاً مخاطر كبيرة".
استعداد ألماني فرنسي للتعاون
وأعلنت الحكومة الألمانية أن المستشار الألماني أولاف شولتز، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مستعدان للتعاون مع فصائل المعارضة السورية المسلحة التي أطاحت بالرئيس بشار الأسد، لكن بموجب شروط معينة.
وقالت الحكومة، في بيان صدر في ساعة متأخرة مساء الاثنين، بعد اتصال هاتفي بين قائدي أكبر قوتين في الاتحاد الأوروبي، إنهما رحبا برحيل الأسد الذي تسبب في "معاناة مروعة للشعب السوري وألحق أضراراً كبيرة ببلاده".
وأضافت: "(شولتز وماكرون) اتفقا على الاستعداد للتعاون مع الحكومة الجديدة وفقاً (لالتزامها) بحقوق الإنسان الأساسية وحماية الأقليات من الأديان والأعراق المختلفة"، مشيرة إلى أن شولتز وماكرون اتفقا على التعاون لتعزيز مشاركة الاتحاد الأوروبي في سوريا، بما في ذلك دعم عملية سياسية شاملة في سوريا.
وفي بريطانيا، قال وزير الخارجية ديفيد لامي تصريحات مشابهة، الاثنين، فيما أشار أحد المسؤولين البريطانيين إلى احتمال رفع حكومته تصنيف الجماعة "منظمة إرهابية" في ظروف معينة، وفق "نيويورك تايمز".
موسكو: "نقيم الوضع"
وقال السفير الروسي لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، للصحافيين بعد اجتماع لمجلس بشأن سوريا: "يتعين علينا أن ننتظر ونرى ونراقب... ونقيم كيف سيتطوّر الوضع".
وأشارت موسكو، التي تحتفظ بقواعد بحرية وجوية في سوريا، ومنحت الأسد حق اللجوء، إلى أنها "تفعل كل ما في وسعها للتواصل" مع حكام البلاد الجدد، وتأمين مواقعها العسكرية.
بدوره، قال السفير الصيني لدى الأمم المتحدة، فو كونج، بعد اجتماع المجلس إن "الوضع يحتاج إلى الاستقرار، ويجب أن تكون هناك عملية سياسية شاملة، كما يجب ألا تكون هناك عودة للقوى الإرهابية".
"أشباح الفوضى"
ويعقد السوريون آمالهم على انتقال "سلس نسبياً"، بعد أكثر من نصف قرن من حكم عائلة الأسد، ونحو 14 عاماً من الحرب الأهلية في دولة ذات أهمية استراتيجية، بحسب تقرير لصحيفة "فايننشيال تايمز".
وذكرت الصحيفة البريطانية أن الشرق الأوسط ما زال يعاني من "الفوضى"، التي أعقبت تغيير الأنظمة في بلدان مثل ليبيا والعراق، بعد الإطاحة بالأنظمة الحاكمة منذ فترة طويلة.
وأعربت عدة بلدان، سواء معارضة أو مؤيدة للأسد، عن قلقها من أن يؤدي سقوط النظام إلى مزيد من عدم الاستقرار في الدولة العربية الممزقة، وكذلك في المنطقة.
ويقود أحمد الشرع المعروف بـ"أبو محمد الجولاني"، البالغ من العمر 42 عاماً، "هيئة تحرير الشام"، وهي جماعة كانت ترتبط في بتنظيم "القاعدة"، وسيطرت على معظم محافظة إدلب في شمال غرب سوريا لسنوات. ورغم الانقسام ومحاولات اكتساب "شرعية دولية"، لا تزال الجماعة مصنفة "منظمة إرهابية" من قبل الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا وتركيا.
وشكل الجولاني تحالفاً مع مجموعة متنوعة من الفصائل المسلحة الأخرى، بعضها مدعوم من تركيا، تتبنى وجهات نظر "أكثر اعتدالاً"، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية .
وكانت مجموعته تستعد لهذا الهجوم لمدة عام، إذ دربت عناصرها وكذلك مسلحي الجماعات المتحالفة، وأصبحت مسلحة بشكل أفضل وأكثر تنظيما وانضباطاً، بحسب ما ذكره الجولاني، ومحللون للصحيفة.