صدّق مجلس الشيوخ الأميركي على تعيين بيت هيجسيث وزيراً للدفاع بعد تصويت درامي، في انتصار كبير للرئيس دونالد ترمب، بعد أن واجه تعيين هيجسيث معارضة قوية من الديمقراطيين، وحتى بعض الجمهوريين، على خلفية تساؤلات بشأن خبرته وسلوكه.
وجاء التصديق على تعيين هيجسيث بعد تعادل في الأصوات 50 مقابل 50 في مجلس الشيوخ، لكن نائب الرئيس جي دي فانس، اضطر للتدخل وكسر التعادل، وحسم التصويت لصالحه، لينتهي الجدل بشأن مؤهلاته لقيادة البنتاجون وسط اتهامات بـ"الإفراط في الشرب"، وإظهار "سلوك عدواني" تجاه النساء، وفق وكالة "أسوشيتد برس".
وذكرت الوكالة الأميركية، السبت، أنه نادراً ما واجه مرشح لمنصب وزاري مخاوف واسعة النطاق بشأن مؤهلاته وسلوكه مثل هيجسيث، لا سيما في منصب رفيع المستوى على رأس الجيش الأميركي.
لكن مجلس الشيوخ الذي يقوده الجمهوريون كان عازماً على تأكيد هيجسيث، وهو مذيع سابق في شبكة FOX News، وأحد قدامى المحاربين، تعهد بإعادة "ثقافة المحارب"، ليكتمل بذلك كبار مسؤولي مجلس الأمن القومي للرئيس ترمب.
ترمب: "وزير دفاع عظيم"
من جانبه، قال ترمب وهو يستقل طائرة الرئاسة بعد تفقده للدمار الناجم عن الحرائق في كاليفورنيا: "لدينا وزير دفاع عظيم ونحن سعداء للغاية".
وقال ترمب إنه لا يهتم بمعارضة السيناتور ميتش ماكونيل، الزعيم الجمهوري السابق المؤثر، الذي انضم إلى اثنين من الجمهوريين الآخرين هما: السيناتور ليزا موركوفسكي من ألاسكا، والسيناتور سوزان كولينز من مين، في التصويت ضد هيجسيث، لأن "أهم ما في الأمر هو المكسب".
ووفقاً لـ"أسوشيتد برس" يعد تدخل نائب الرئيس لكسر التعادل، إجراء غير معتاد بالنسبة لمرشحي مجلس الوزراء، وخاصة وزراء الدفاع، الذين عادة ما يحظون بدعم أوسع من الحزبين.
وهذا التدخل يجعل هيجسيث أول مرشح لمنصب وزاري منذ فترة ولاية ترمب الأولى عام 2017 يحتاج إلى مساعدة من نائب الرئيس، عندما أدلى نائب الرئيس السابق مايك بنس بصوته لتأكيد تعيين بيتسي ديفوس وزيرة للتعليم.
كما أظهرت الخطوة لترمب أن ماكونيل، وهو رجل حزبي منذ فترة طويلة، على استعداد لمعارضة الرئيس حتى بعد التنحي عن قيادة الجمهوريين بالمجلس، وخاصة فيما يتعلق بقضايا الأمن القومي.
وحذّر ماكونيل، في بيان مطوّل، من أن من يقود البنتاجون يواجه "اختباراً يومياً مع تداعيات هائلة على أمن الشعب الأميركي ومصالحنا العالمية".
وقال ماكونيل: "السيد هيجسيث، فشل حتى الآن، في إثبات أنه سيجتاز هذا الاختبار. ولكن مع توليه منصبه، فإن عواقب الفشل مرتفعة كما كانت في أي وقت مضى"، مشيراً إلى أن "مجرد الرغبة في أن تكون (عامل تغيير) ليست كافية لمواجهة التحديات".
ضغوط على الجمهوريين
واعتبرت "أسوشيتد برس" أن قدرة مجلس الشيوخ على تأكيد تعيين هيجسيث على الرغم من سلسلة خطيرة من الاتهامات الموجهة إليه، تعطي مؤشراً على القوة السياسية لترمب وقدرته على الحصول على ما يريده من الكونجرس، الذي يقوده الحزب الجمهوري، وقوة تأثير الحروب الثقافية لتغذية أجندته في البيت الأبيض.
والأسبوع المقبل، سيواجه أعضاء مجلس الشيوخ خيارات أخرى لترمب خارج مجلس الوزراء، وبينهم كاش باتيل، حليف ترمب الذي نشر "قائمة أعداء"، المرشح لقيادة مدير لمكتب التحقيقات الفيدرالي FBI؛ وتولسي جابارد المرشحة لمنصب مديرة مكتب الاستخبارات الوطنية، وروبرت إف كينيدي جونيور، المناهض للقاحات، في وزارة الصحة والخدمات الإنسانية.
في تعليق على الخطوة، تساءل السيناتور جاك ريد من رود آيلاند، وهو أبرز عضو ديمقراطي في لجنة الخدمات المسلحة بمجلس الشيوخ: "هل بيت هيجسيث هو حقاً أفضل ما لدينا لنقدمه؟"، وحض زملائه على التفكير بجدية في تصويتهم، فيما عارض جميع الديمقراطيين تعيين هيجسيث.
بدوره، قال السيناتور الديمقراطي من ولاية كونيتيكت، كريس مورفي، إن هناك عدداً قليلاً من مرشحي ترمب "غير مؤهلين بشكل خطير ومؤسف مثل هيجسيث".
مع ذلك، واجه أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون، حملة ضغوط مكثفة من حلفاء ترمب لدعم هيجسيث، ووقفوا إلى جانب ترشيحه، مرددين ادعاءاته بشأن التعرّض لحملة "تشويه".
وأثارت تعليقات سابقة لهيجسيث بأن "النساء لا ينبغي أن يكون لهن دور في القتال العسكري"، قلقاً خاصاً، بما في ذلك من جانب مشرعات خدمن بأنفسهن في الجيش. ومنذ ذلك الحين، خفف من تلك الآراء عندما التقى بأعضاء مجلس الشيوخ خلال عملية التأكيد.
وقالت السيناتور موركوفسكي في بيان مطوّل قبل التصويت التجريبي على هيجسيث، إن سلوكه "يتناقض بشكل صارخ" مع ما هو متوقع من المؤسسة العسكرية، مضيفة: "ما زلت أشعر بالقلق إزاء الرسالة التي يرسلها تأكيد تعيين هيجسيث إلى النساء اللاتي يخدمن حالياً، وأولئك الطامحات للانضمام".
فيما قالت السيناتور كولينز، إنه بعد مناقشة مطولة مع هيجسيث، "لست مقتنعة بأن موقفه بشأن خدمة النساء في الأدوار القتالية قد تغير".
لكن إحدى الجمهوريات البارزات، وهي السيناتور جوني إيرنست من ولاية أيوا، وهي نفسها من المحاربين القدامى وناجية من الاعتداء الجنسي، تعرضت لانتقادات شديدة بسبب تشككها تجاه هيجسيث، وأعلنت في النهاية أنها ستدعمه.
سلسلة اتهامات وأزمة سلوك
أما هيجسيث نفسه فكان مشغولاً بإجراء مكالمات هاتفية، في وقت متأخر، الجمعة، لحشد الدعم لصالحه، بينما كان إقرار تعيينه مهدداً.
وهيجسيث الذي تخرج من جامعتي برينستون وهارفارد، يمثل يمثل جيلاً جديداً من المحاربين القدامى الذين بلغوا سن الرشد في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، ثم انتقل إلى العمل مقدم برامج في شبكة FOX News، ولم يكن معروفاً لدى كثيرين في الكونجرس حتى اختاره ترمب لشغل منصب وزير الدفاع.
واجه هيجسيث اتهامات بأنه "اعتدى جنسياً" على امرأة خلال مؤتمر للحزب الجمهوري في كاليفورنيا، على الرغم من أنه نفى هذه المزاعم وقال إن اللقاء كان بالتراضي. وفي وقت لاحق دفع تسوية 50 ألف دولار لتلك المرأة.
ومؤخرا، قالت شقيقة زوجة هيجسيث السابقة، في إفادة خطية إنه أساء معاملة زوجته الثانية إلى الحد الذي جعلها تخشى على سلامتها. ونفى هيجسيث هذا الادعاء، وفي إجراءات الطلاق، لم يزعم هيجسيث، ولا المرأة أنهما كانا ضحية للعنف الأسري.
وخلال جلسة تأكيد قاسية في المجلس، رفض هيجسيث مزاعم ارتكاب مخالفات واحدة تلو الأخرى، وتعهد بإحضار "ثقافة المحارب" إلى أعلى منصب في البنتاجون، كما وعد بعدم الشرب أثناء العمل حال تأكيد تعيينه.
ومن المقرر أن يقود هيجسيث مؤسسة تضم ما يقرب من 2.1 مليون من أفراد القوات المسلحة، ونحو 780 ألف مدني، وميزانيتها تبلغ 850 مليار دولار.