"الخبرات القتالية" أبرز مكتسبات كوريا الشمالية من القتال في أوكرانيا

جنود من كوريا الجنوبية يقفون أمام شاشة في العاصمة سول تعرض تقريراً إخبارياً عن زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتن إلى كوريا الشمالية. 19 يونيو 2024 - Reuters
جنود من كوريا الجنوبية يقفون أمام شاشة في العاصمة سول تعرض تقريراً إخبارياً عن زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتن إلى كوريا الشمالية. 19 يونيو 2024 - Reuters
سول -ستيف برايس

يتواصل الجدل بشأن مشاركة جنود من كوريا الشمالية في الحرب الروسية الأوكرانية، بعدما بثت كييف لقطات مصورة تُظهر جنديين، قالت إنهما من كوريا الشمالية، وأُسرا في منطقة كورسك، وهو ما لم تعترف به موسكو أو بيونج يانج.

ولم تؤكد موسكو ولا بيونج يانج رسمياً أن القوات الكورية الشمالية تقاتل جنباً إلى جنب مع الروس. لكن الاستخبارات الكورية الجنوبية كانت تبلغ عن وجودهم منذ أكتوبر 2024، عندما كشفت وصول حوالي 1500 من القوات الخاصة الكورية الشمالية إلى مدينة فلاديفوستوك في أقصى شرق روسيا، في البداية للتدريب.

فيما زعمت وزارة الدفاع الأميركية "البنتاجون" بوجود ما بين 11 ألفاً و12 ألف جندي كوري شمالي في روسيا، حيث تقوم قوات موسكو بتدريبهم على تكتيكات المشاة، والعمل باستخدام الطائرات بدون طيار، وتكتيكات المدفعية، وتطهير الخنادق وما شابه ذلك.

وسلَّط خطاب أرسله زعيم كوريا الشمالية، كيم جونج أون، إلى نظيره الروسي فلاديمير بوتين، بمناسبة العام الجديد، الضوء على العلاقة الوثيقة بين البلدين، إذ احتوى على عبارة بدت إشارة إلى انخراط قواته في القتال إلى جانب الجيش الروسي، عندما أشار كيم إلى ما سماه "الرحلة ذات المغزى في 2024، والتي طورت العلاقة الودية التقليدية بين البلدين إلى علاقة استراتيجية وتعاونية، وإلى علاقة أصدقاء أقسموا اليمين".

وأعرب كيم، في الخطاب، عن استعداده لتصميم ودفع مشروعات جديدة لتحقيق قضية بناء "أمة قوية" في البلدين، وإحراز رفاهية وازدهار الشعبين من خلال الاعتماد على "الثقة الصادقة والدافئة"، وبالتالي تعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة.

وقال خبراء في الشأن الكوري لـ"الشرق"، إن انكشاف أمر مشاركة كوريا الشمالية في الحرب إلى جانب روسيا، أشبه برسالة مفادها أن "موسكو ليست وحيدة" في هذه المواجهة مع كييف التي يقف خلفها الغرب ممثلاً في حلف شمال الأطلسي "الناتو" بمنظومته العسكرية، مشيرين إلى أن بيونج يانج تحقق مكاسباً تتمثل في زيادة خبرتها القتالية وحصد عملة صعبة جرّاء المشاركة، بالإضافة إلى زيادة التعاون مع موسكو على كثير من الأصعدة.

12 ألف جندي في روسيا

يقدر تقرير صادر عن هيئة الاستخبارات الوطنية الكورية الجنوبية، أن نحو 12 ألف جندي من كوريا الشمالية موجودون في منطقة الصراع. وأفادت تقارير بأنه جرى نشرهم في منطقة كورسك الروسية التي استولت أوكرانيا على أجزاء منها، الصيف الماضي. وشكلت معاركها إحراجاً للجيش الروسي.

وأفاد التقرير الذي تلقته لجنة الاستخبارات في البرلمان الكوري، بأن نحو 300 جندي كوري شمالي، لقوا حتفهم، وأصيب ما يقرب من 2700 في الحرب، وهي أرقام كبيرة إن صحت، نظراً إلى الوقت القصير الذي انخرطت فيه هذه القوات في الحرب الروسية الأوكرانية.

وليس من المستبعد أن تكون الأرقام ارتفعت خلال يناير الماضي.

وأعرب ضابط كوري جنوبي متقاعد رفيع المستوى، عن مخاوف بلاده من مشاركة جارتها الشمالية في حرب أوكرانيا، وقال لـ"الشرق"، إن "الخوف يكمن في إمكانية انعكاس ذلك على كوريا الجنوبية من خلال اكتساب جارتها الشمالية خبرة من خوض معارك القرن الـ 21 وأدواتها، بما في ذلك الطائرات المسيّرة".

لكن الباحث في منتدى المحيط الهادئ الأميركي، ديلان موتين، يعتبر أن عدد القوات الكورية الشمالية المشاركة في الصراع، صغير نسبياً، مقارنة بحجم جيشي روسيا وكوريا الشمالية.

واعتبر أن فوائد كل جانب تتجاوز بكثير أعداد القوات المشاركة، مشيراً إلى واقع "وجود حليف على استعداد للقتال مع روسيا"، ما يعكس أنها "ليست وحدها".

وأضاف موتين: "بالنسبة لكوريا الشمالية، فإن الخبرة القتالية تستحق الخسائر البشرية".

حروب الجيل التالي

لم تخض قوات كوريا الشمالية، التي كانت مدعومة من الاتحاد السوفيتي، حرباً حقيقية منذ نهاية حربها ضد جارتها الجنوبية والولايات المتحدة، والتي استمرت 3 سنوات، قبل أن تنتهي في عام 1953.

وقال الفريق متقاعد بالجيش الكوري الجنوبي، تشون إن بوم، إن كوريا الشمالية لا تتعلم فقط كيف تخوض معركة من القرن الـ 21، بل تتعلم أيضاً كيف تخوض حروب من الجيل التالي في هذا القرن، و"هذه أخبار سيئة حقاً بالنسبة لنا".

وأضاف تشون، لـ"الشرق"، أن ساحات معارك أوكرانيا كانت الأولى في العالم التي شهدت استخداماً واسع النطاق للحرب بـ"الطائرات المسيرة"، بينما عدد قليل من الجيوش لديه خبرة في معارك حقيقية بها، مشيراً إلى أن قوات كوريا الشمالية تكبدت في قتال الطائرات المسيرة خسائر فادحة في وقت مبكر، لكنها تعمل الآن على تطوير طرق لمكافحتها.

غالباً ما توصف القوات المرسلة من كوريا الشمالية إلى روسيا، بأنها "قوات خاصة"، لكن تشون يوضح أن هذا المصطلح مُضلل بعض الشيء، مرجعاً السبب إلى أنه يعني في الغرب تلقي الجنود قدراً هائلاً من التدريب والاستثمار، أما في كوريا الشمالية فيعني أن "القوات أفضل جسدياً وأكثر تحفيزاً وخضعت لتدريب أفضل، ولكن ليس على المستوى الغربي"، ومع ذلك، أعرب عن اعتقاده أنهم "جنود جيدون، أفضل من الجندي الروسي متوسط (المستوى)".

موتين، الباحث في منتدى المحيط الهادئ الأميركي، رجح أن يكون سبب عدم إرسال كوريا الشمالية وحدات مدفعية إلى الحرب هو "صعوبة دمجها مع سلاسل القتال بالمدفعية الروسية، التي تستخدم الأقمار الصناعية والطائرات دون طيار لتحديد أهدافها".

وتوقع موتين أن تحصد بيونج يانج فوائد قتال الجنود الكوريّون الشماليون في أوكرانيا بعد سنوات، عقب ترقية من شاركوا في هذا القتال إلى مراتب أعلى في الجيش.

وحذر تشون، بلاده من الاستيقاظ على ما سماه "التهديد الجديد المتمثل في القوات الكورية الشمالية المُدربة على القتال"، مطالباً جيش بلاده بالالتزام بالعزيمة والموارد لمواجهتها، معتبراً أن ذلك يمكن أن يحدث من خلال تعزيز تحالفاتها أو الدبلوماسية الدولية، أو زيادة الاستعداد العسكري.

عملة صعبة وتكنولوجيا

وتتخوف كوريا الجنوبية في هذه الفترة من احتمال استغلال جارتها الشمالية الحرب بين روسيا وأوكرانيا في دفع مبيعات أسلحتها والتدريب العسكري لدول أخرى، إذ سبق أن أرسلت بيونج يانج قوات إلى صراعات أخرى في الماضي، من سوريا إلى فيتنام.

وبحساب بسيط، فإن كوريا الشمالية ستحصل سنوياً على ما يفوق 280 مليون دولار سنوياً عبارة عن 2000 دولار شهرياً راتباً لكل جندي مشارك في المعارك ضد أوكرانيا، في حال صحت التقارير الاستخبارية الكورية الجنوبية بخصوص عدد الجنود المنخرطين في الحرب إلى جانب روسيا، وحجم المقابل المادي الذي يتقاضاه كل جندي.

ومع ذلك، يقول أندريه لانكوف، وهو خبير روسي في الشؤون الكورية الشمالية، في ورقة بحثية لمعهد سيجونج، إنه من غير المرجح أن تشهد علاقة بيونج يانج وموسكو نمواً خارج القطاع العسكري، مرجعاً السبب إلى أن "الاقتصادين الكوري الشمالي والروسي غير متوافقين"، على عكس "وجود الكثير من التآزر بين الاقتصادين الكوري الشمالي والصيني".

من جانبه، وصف ديلان موتين، الزميل غير المقيم في مركز أبحاث منتدى المحيط الهادئ الأميركي، لـ"الشرق"، تحليل لانكوف لعدم التوافق بين اقتصاد روسيا وكوريا الشمالية في زمن السلم، بأنه صحيح، قائلاً إن "أفضل نتيجة لكوريا الجنوبية وحلفائها هي أن تنتهي الحرب في أوكرانيا، لكي تشعر موسكو أنه لا قيمة لتحالفها مع بيونج يانج".

ونبه موتين إلى أن كوريا الشمالية تلقت تكنولوجيا الدفاع الجوي والغواصات من روسيا، لافتاً إلى "إمكانية تحديث القوات الجوية الكورية الشمالية التي عفا عليها الزمن".

وسبق وأن تجول كيم جونج أون في مصنع طائرات عندما زار روسيا في سبتمبر 2023.

وتوقعت وكالة الاستخبارات الوطنية الكورية الجنوبية، أن يجري الزعيم الكوري الشمالي زيارة جديدة إلى الدولة الحليفة في النصف الأول من العام الجاري، من أجل الحصول على مكافآت عسكرية واقتصادية مقابل نشر القوات الكورية الشمالية.

سول تحاول استقطاب أسرى بيونج يانج

وبالعودة إلى الجنديين الكوريين الشماليين الأسيرين في أوكرانيا، قالت وكالة الاستخبارات الوطنية إنهما ينتميان إلى مكتب الاستطلاع العام، موضحة أنه على الرغم من أنهما لم يُعبّرا بعد عن استعدادهما للقدوم إلى كوريا الجنوبية، إلا أنها ستناقش بفعالية مع الحكومة الأوكرانية إذا ما كانا يرغبان في الانشقاق.

لكن جماعات حقوق إنسان حثت الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على عدم إعادة الجنديين الأسيرين إلى كوريا الشمالية.

وكشفت وسائل إعلام بعض تفاصيل استجواب الجنديين الأسيرين من قبل الاستخبارات الكورية الجنوبية والأوكرانية، إذ أجاب أحدهما عندما سئل عما يعرفه عن كوريا الجنوبية، بقوله: "أعرف فقط أنها أقل جبلية من الشمال".

وأكد جوه كيونج إيل، المنشق عن كوريا الشمالية ويعيش الآن في سول، في تصريحات لـ"الشرق"، أن شح المعلومات المتاحة للعامة في كوريا الشمالية عن الجنوب "أمر صحيح". 

وأوضح جوه، الذي انشق عن بلاده ووصل إلى كوريا الجنوبية في عام 2004، أنه "بصرف النظر عن القوات المتمركزة بالقرب من المنطقة منزوعة السلاح التي تفصل بين الكوريتين، فإن معظمهم لا يعرفون شيئاً عن الحياة في الجنوب".

وأضاف أن طبيعة الحياة في الجنوب، لا يتم تعليمها أو إخبار الكوريين الشماليين عنها، مشيراً إلى أنه انشق بعد رؤية البرامج التلفزيونية الكورية الجنوبية المُهربة إلى الشمال، وصدمه ما رآه من سيارات ومبانٍ.

وحذر جوه، من أنه بعد الكشف عن وجوه الجنديين فإن "أُسرهم في كوريا الشمالية ستعاني إذا انشقا إلى أوكرانيا أو كوريا الجنوبية".

وعلى الرغم من الأنباء التي تفيد بتكّبد بيونج يانج خسائر بشرية كبيرة، إلا أن التوقعات تشير إلى عزمها مكافأة العائدين.

كانت كوريا الشمالية صادقت، في نوفمبر الماضي، على معاهدة دفاع مشترك مع روسيا، ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ في اليوم نفسه، بحسب وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية الرسمية، ما يشير إلى تعزيز التعاون الأمن والعسكري بين البلدين، ولا سيما مع استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا.

جاء التصديق على الاتفاقية بعدما وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والزعيم الكوري الشمالي، خلال زيارة الأول إلى بيونج يانج، في يونيو، معاهدة الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، والتي تنص على تقديم المساعدة العسكرية الفورية إذا تعرض أي من الجانبي لهجوم.

وكان بوتين أعرب، في مقال نشرته وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية، قُبيل زيارته، عن تقديره الشديد لدعم كوريا الشمالية، لكن دون أن يصدر أي تصريح رسمي يؤكد مشاركة جنود كوريين شماليين في الحرب.

تصنيفات

قصص قد تهمك