"روسيا الأم".. تقديرات استخباراتية أميركية: بوتين لم يتراجع عن أهدافه في أوكرانيا

صورة من فيديو نشره الكرملين خلال زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمنطقة كورسك غربي روسيا. 12 مارس 2025 - @Krimlin
صورة من فيديو نشره الكرملين خلال زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمنطقة كورسك غربي روسيا. 12 مارس 2025 - @Krimlin
دبي -الشرق

أثارت تقارير استخباراتية أميركية "سرية"، بما في ذلك تقرير صدر في وقت سابق من الشهر الجاري، شكوكاً بشأن رغبة الرئيس الرّوسي فلاديمير بوتين في إنهاء حرب أوكرانيا، مشيرة إلى أن الرئيس الروسي "لم يحدّ عن هدفه المتمثل في الهيمنة على جاره الغربي"، حسبما نقلت "واشنطن بوست" عن مصادر مطلعة.

وذكر مصدر مطلع على التقرير، التي تم تقديمه إلى صناع القرار في إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، والمؤرّخ في 6 مارس الجاري، أن "بوتين لا يزال مُصمّماً على التمسك بزمام الأمور في أوكرانيا".

وذكرت الصحيفة الأميركية، أن هذه التقارير السّرية، "لا تهدف إلى تقييم دبلوماسية الرئيس ترمب عالية المخاطر لإنهاء حرب أوكرانيا المُستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات، أو احتمالات اقتراح وقف إطلاق النار لمدة 30 يوماً الذي اتفق عليه المسؤولون الأميركيون والأوكرانيون هذا الأسبوع. لكنها تُبرز المهمة الصعبة التي يواجهها ترمب وفريقه للأمن القومي، وتُثير تساؤلاً بشأن ما إذا كان البيت الأبيض يُسيء فهم رغبة بوتين في السعي للسلام".

وردّ بوتين، الخميس، بحذر، على اقتراح وقف إطلاق النار. وبينما لم يرفضه رفضاً قاطعاً، ألمح إلى أن موسكو قد تضع شروطاً على أي اتفاق. وتحدث الزعيم الروسي مُسبقاً عن اجتماع مُخطط له في موسكو مع مبعوث ترمب ستيف ويتكوف لمناقشة خطة وقف إطلاق النار.

في غضون ذلك، تُحرز القوات الروسية تقدماً ملحوظاً في طرد القوات الأوكرانية من شريط من الأراضي في مقاطعة كورسك الروسية، والتي كانت كييف تأمل في استخدامها كـ"ورقة مساومة إقليمية" في المفاوضات المنتظرة.

استعادة "روسيا الأم"

وقال بعض المسؤولين الأميركيين الحاليين والسابقين إن الزعيم الروسي، حتى لو وافق على هدنة مؤقتة، "سيستخدمها لإراحة قواته وتجهيزها مرة أخرى"، و"من المُرجح أن يُخالف شروط الاتفاق بإثارة استفزاز يُلقي باللوم فيه على أوكرانيا"، على حد وصفهم.

وقال مسؤولون آخرون، إن التقارير كانت أكثر حذراً بشأن شروط السلام، التي قد يقبلها بوتين. لكنهم أقروا بأنه لا يوجد ما يشير إلى تراجع بوتين عن مطلبه بضم أوكرانيا إلى فلك روسيا الأمني ​​والاقتصادي. وقال أحد المسؤولين: "لديه رغبة راسخة في استعادة روسيا الأم".

وقال يوجين رومر، المسؤول الاستخباراتي الأميركي السابق والخبير في الشؤون الروسية بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي: "لا أعتقد أن وقف إطلاق النار أو حتى الهدنة أو المعاهدة سينهي القصة". وأضاف: "هذه هي المواجهة الدائمة الجديدة بين روسيا وبقية أوروبا".

وقال محللون آخرون، إنهم يعتقدون أن "المحادثات قد تُسفر عن نتيجة إيجابية إذا أحسنت واشنطن وأوروبا إدارة أوراقهما".

وقال إريك سيراميلا، وهو أيضاً مسؤول استخباراتي أميركي سابق وخبير في الشؤون الروسية بمؤسسة كارنيجي: "لكي يتوقف بوتين عن القتال، عليه أن يعتقد أنه قادر على الفوز في المفاوضات". وتابع: "لكن هذا لا يعني أنه سيفوز".

واعتبر سيراميلا، في مقابلة مع "واشنطن بوست"، أن "مفتاح التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار ملائم ودائم يكمن في وضع ترتيبات أمنية لأوكرانيا تسمح لها بإعادة بناء قوتها العسكرية وردع أي هجوم متجدد".

في حين أنه من غير الواضح ما إذا كان ترمب قد أُطلع شخصياً على تقرير الاستخبارات الصادر في 6 مارس، قال المصدر المطلع إنه "من نوع التحليلات التي جرت العادة على إطلاع الرئيس عليها".

"تعنت بوتين"

وقال مصدر آخر مطلع على الأمر، إن بعض التقييمات الأميركية بشأن تعنت بوتين بدت وكأنها تُثير حفيظة ترمب. في الواقع، أثار ترمب ومساعدوه في الأيام الأخيرة احتمال فرض عقوبات جديدة صارمة على روسيا إذا رفضت الموافقة على إنهاء الحرب. لم يحددوا ماهية تلك العقوبات، مع أن ترمب قال، الأربعاء، إنها "قد تكون مدمّرة".

وقال المصدر: "الرئيس يريد بشدة التوصل إلى اتفاق. والروس لا يُظهرون أي بوادر تراجع. إنهم يُصعّدون مطالبهم".

وسيشمل اقتراح وقف إطلاق النار، الذي أُعلن عنه، الثلاثاء الماضي، بعد محادثات أميركية-أوكرانية في السعودية، وقفاً للقتال لمدة 30 يوماً لتجميد المواقع العسكرية على طول 1800 ميل من خطوط المواجهة. كان هذا أحدث تحول في سلسلة أسبوعين شهدتا شبه قطيعة في العلاقات بين واشنطن وكييف، عقب اجتماعٍ اتسم بالمواجهة في المكتب البيضاوي بين ترمب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

وقطع ترمب المساعدات العسكرية والاستخباراتية الأميركية عن أوكرانيا الأسبوع الماضي لحث زيلينسكي على الانخراط في محادثات سلام. وبمجرد التوصل إلى الاتفاق في السعودية، أعلنت واشنطن رفع الحظر المفروض على الأسلحة وتبادل المعلومات الاستخباراتية.

ورفض ترمب تقييم احتمالات التوصل إلى اتفاق مع بوتين. وقال للصحافيين، الأربعاء: "أعتقد أن الأمر منطقي بالنسبة لروسيا. لقد ناقشنا أيضاً مسألة الأراضي".

تسيطر روسيا، التي استولت على شبه جزيرة القرم وضمتها في عام 2014، قبل أن تشن غزواً شاملاً في عام 2022، على حوالي 20% من الأراضي الأوكرانية، وضمت أربع مقاطعات شرقية بالقرب من حدود روسيا.

ويقول المسؤولون الأوكرانيون إنهم يريدون استعادة كامل حدود البلاد التي كانت قائمة قبل عام 2014، على الرغم من أن العديد من المسؤولين والمحللين يستبعدون استعادة شبه جزيرة القرم بالدبلوماسية أو القوة.

ولم تتضح معالم أي تسوية إقليمية محتملة، فيما رفض وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، الشهر الماضي، رفضاً قاطعاً اقتراحاً فرنسياً بريطانياً بنشر قوات حفظ سلام أوروبية في أوكرانيا، لحماية أي اتفاق سلام.

وطوال فترة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، صرّح رؤساء أجهزة الاستخبارات الأميركية علناً بأنهم لم يروا أي مؤشر على تراجع الزعيم الروسي عن أهدافه في أوكرانيا، على الرغم من الانتكاسات العسكرية الكبيرة التي شهدتها البلاد في الأشهر التي أعقبت غزوها في فبراير 2022.

وصرّح بوتين علناً بأن شروطه لاتفاق السلام تشمل الحفاظ على السيطرة الكاملة على المقاطعات الأربع التي احتلتها روسيا في شرق أوكرانيا، والحفاظ على "جسر بري" بين روسيا وشبه جزيرة القرم، والاستيلاء على الأراضي التي تسيطر عليها أوكرانيا حالياً، مثل مدينتي خيرسون وزابوريزهيا. كما يريد بوتين أن تكون أوكرانيا مستقلة اسمياً، لكن خاضعة لموسكو، وفقاً لمسؤول أميركي سابق.

وقال المسؤول السابق، إن حسابات بوتين "قد تتغير إذا بدأ وضعه العسكري في التدهور. على الرغم من أن روسيا أكبر مساحةً وأكثر سكاناً من أوكرانيا، إلا أنها خسرت أكثر من 95 ألف جندي من جنودها خلال السنوات الثلاث الماضية، وفقاً لتحليل أجرته هيئة الإذاعة البريطانية BBC. وتشير بعض التقديرات إلى أن إجمالي الضحايا والجرحى يقارب 500 ألف.

"ضعف ترمب"

في غضون ذلك، قال مسؤول استخباراتي أوروبي، مستشهداً بمعلومات استخباراتية جُمعت خلال الشهر الماضي، إن المسؤولين في موسكو يعتقدون أن "ترمب ضعيف"، و"يفتقر إلى مجموعة أساسية من المبادئ، وقد يكون عرضة للتلاعب".

وقال المسؤول الاستخباراتي الأوروبي، إنه في حال التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، فمن المرجح أن تلجأ موسكو إلى "وسائل هجينة" أو غير عسكرية لتقويض أوكرانيا، كما فعلت في عام 2014 بعد غزو شبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا، وصولًا إلى الغزو الشامل في عام 2022.

وأضاف المسؤول أن "هذه الوسائل تشمل الإكراه الاقتصادي والدبلوماسي؛ والتغلغل في النخب الأوكرانية، ودوائر الأعمال، وأجهزة الأمن، والجيش؛ وممارسة النفوذ من خلال الكنيسة الروسية في أوكرانيا. لطالما صوّر قادة روسيا زيلينسكي على أنه دمية في يد الغرب، وسعوا إلى تقويض شرعيته".

تصنيفات

قصص قد تهمك