مع انطلاق الحراك الجنوبي السلمي في اليمن عام 2007، بدأت "حرب الجدران" في مدينة عدن تأخذ شكلاً مغايراً بين السلطات اليمنية الأمنية ونشطاء الحراك الجنوبي، من خلال الكتابات التي كانوا يخطونها على الجدران، إذ لجأت قوات الأمن إلى تكليف شركة خاصة مهمتها محو تلك الشعارات التي كانت تنتشر بكثرة في أرجاء المدينة لتحتل اللوحات الإعلانية الخاصة والمباني الحكومية.
مساحات للتعبير
كان الحراك الجنوبي حينها حراكاً شعبياً وله الكثير من الأنصار، فعجزت السلطات آنذاك عن مجاراته من حيث تدوين الشعارات والكتابات على الجدران؛ إذ لم يترك لها واجهة ولا جداراً ولا لوحة إعلانية خالية من بصماته. استخدم ناشطو الحراك كل هذه الفضاءات لتدوين شعاراتهم المنادية باستعادة دولة الجنوب التي كانت مستقلة حتى عام 1990، قبل أن تدخل في وحدة اندماجية مع جارتها الجمهورية العربية اليمنية، وحدة سرعان ما أصابها التفكك بعد 4 سنوات فقط من التوقيع عليها، لتنتهي بحرب بين الشطرين انتصر فيها الشمال بقيادة الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح.
في عام 2012، استعانت السلطات المحلية في كل من محافظتي عدن وحضرموت بمؤسسات المجتمع المدني، ومهمتها رسم لوحات تعبيرية وجمالية لا تحمل شعارات سياسية، في محاولة منها لشغل أكبر مساحة من الجدران والواجهات البارزة في المدينة، غير أن تلك الخطة فشلت في ظل استهداف نشطاء الحراك الجنوبي للحملة التي اعتبروها محاولة جديدة لمنعهم من التعبير عن آرائهم السياسية، في ظل افتقارهم لوسائل إعلام موازية.
وفي خضم تلك الحرب، كان لتنظيمي "القاعدة" و"داعش" حضورهما، فجدران مدينة جعار في محافظة أبين، على سبيل المثال، والتي اتخذتها "القاعدة" عاصمة لها إبان سيطرتها على المدينة في عام 2011، تشهد على ذلك، إذ كان التنظيم يكلف عناصره كتابة الأحاديث المُحرِّضة على الجهاد، والمُمِّجدة لقائد التنظيم أسامة بن لادن، على جدران المدينة واللوحات الإعلانية. وعمد التنظيم أيضاً إلى مسح الوجوه التي تظهر فيها فتيات في لوحات الإعلانات،باعتبار أن ذلك "حرام".
الناشط في الحراك الجنوبي، مؤمن السقاف، الذي كان يقود فريقاً من شباب الحراك، استذكر " تلك الحرب الإعلانية على الجدران، وقال لـ"الشرق" إنها "لم تتوقف في الجنوب حتى اليوم، إنما تغيّرت أدواتها بتغير الوقائع على الأرض، وأضحت صور الشهداء والقيادات الجنوبية تتصدر الواجهة".
شعارات غير سياسية
ومع تراكم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في اليمن، وجد سائقو سيارات الأجرة وحافلات النقل الصغيرة زجاج مركباتهم مكاناً مناسباً للتعبير عن معاناتهم وتطلعاتهم، وشكر آبائهم ومن أحسن إليهم، وعبّروا عن ذلك بكتابات وشعارات بارزة. ومن هذه العبارات: "الباص مش حقي (ليس لي)، (الباص ملك ست الحبايب)".
واحد ممن يستخدمون هذه العبارات، سائق باص الأجرة نشوان،يعتقد أن غالبية السائقين لا يحبذون الشعارات السياسية، حفاظاً على زبائنهم وتجنباً للخوض في جدل بسبب تلك الشعارات، لذلك فهم يعبّرون عن معاناتهم اليومية بعبارات مثل انقطاع الكهرباء، وغلاء الأسعار، والتي لا توقعهم في مشكلات مع أي طرف سياسي.
خسائر بالجملة
مسؤول الدعايات الخارجية في مؤسسة "ماس" للدعاية والإعلان عادل علوي، يقدّر حجم خسائر الشركة بفعل التجاذبات السياسية في اليمن، وتعدّي الأطراف على اللوحات الإعلانية التابعة للشركة، بأكثر من 600 مليون ريال يمني (ما يعادل 2.4 مليون دولار أميركي) في العام الواحد.
ويشير علوي إلى أن الشركة "تدفع تعويضات للمؤسسات المعلنة التي تتعرض إعلاناتها للإتلاف أو الانتزاع أو الحجب بصور، أو شعارات تقوم الأطراف السياسية بتعليقها عنوة"، ويبدي أسفه لكونها أغلقت أبوابها نهائياً بسبب الخسائر الكبيرة التي تكبدتها.
جزء من الصراع
مسؤول العلاقات العامة في محافظة عدن، غسان الشعيبي قال لـ"الشرق" إن "حرب الجدران، هي جزء من الصراع القائم في اليمن، وهو صراع له امتداداته وليس وليد اليوم". وأِشار إلى أن النظام اليمني السابق تعامل بقسوة مع نشطاء الحراك الجنوبي، الذين لجؤوا إلى الجدران للتعبير عن مطالبهم السياسية، بعد إغلاق الصحف التي كانت تتعاطف معهم كصحيفة "الأيام" و"الطريق" و"صوت العمال".