"أنتيفا".. قصة حركة مناهضة للفاشية يتهمها ترامب بـ"الإرهاب"

أحد أعضاء جماعة "أنتيفا" يحمل لافتة ضد "التفوق الأبيض" خلال احتجاجات سابقة - AFP
أحد أعضاء جماعة "أنتيفا" يحمل لافتة ضد "التفوق الأبيض" خلال احتجاجات سابقة - AFP
دبي- عزيز عليلو

عادت الحركة اليسارية السرية المناهضة للفاشية "أنتيفا" إلى دائرة الضوء مجدداً، بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عزمه تصنيفها "منظمة إرهابية"، بزعم انخراطها في الاحتجاجات العنيفة التي تشهدها أميركا على خلفية "قضية مينيابوليس".

ويتهم الرئيس دونالد ترامب الحركة بقيادة الاحتجاجات العنيفة التي تشهدها مختلف الولايات الأميركية، رفضاً للعنصرية بعد وفاة جورج فلويد، وهو مواطن أميركي من أصل إفريقي ظهر في مقطع مصور وهو يحاول بصعوبة التنفس، بينما كان شرطي أبيض يجثو بركبته على عنقه في مدينة مينيابوليس قبل أن يفارق الحياة.

المتظاهرون في سياتل يتظاهرون ضد وحشية الشرطة في وفاة جورج فلويد - AFP
الشرطة تستعمل الغاز المسيل للدموع لتفرقة المتظاهرين في سياتل بالولايات المتحدة - AFP

تهديدات مع وقف التنفيذ

وكتب ترامب في تغريدة على تويتر، الأحد "إن الولايات المتحدة الأميركية ستصنّف "أنتيفا" منظمة إرهابية". ورغم أن الرئيس ينفذ معظم تهديداته، إذ أقدم الخميس الماضي على توقيع أمر تنفيذي يستهدف مواقع التواصل الاجتماعي بعد يوم من التهديد بذلك، فإن تصنيف "أنتيفا" منظمة إرهابية قد لا يكون ممكناً من الناحية العملية، وفقاً لوسائل الإعلام الأميركية.

ووفقاً لوكالة "بلومبيرغ" الأميركية، فإنه بينما تم تحديد الإرهاب المحلي في قانون "باتريوت"، ليكون بإمكان أجهزة إنفاذ القانون استغلال التصنيف لتعزيز سلطاتها للتحقيق مع أعضاء الجماعات الإرهابية المحلية. ولا توجد منظمات إرهابية محلية مصنّفة وفقاً لهذا القانون بالولايات المتحدة حتى الآن.

وقالت "بلومبيرغ" إنه لا يوجد أيضاً قانون واضح لتجريم الدعم المقدم لمنظمات إرهابية محلية، على خلاف الجماعات المصنّفة منظمات إرهابية الخارجية.

"نيويورك تايمز" بدورها قالت إن القانون الوحيد الذي يمكن استخدامه لتنفيذ التهديد هو "قانون الإرهاب الداخلي" الذي تقدم به نواب ديمقراطيون إلى الكونغرس في 2019، دون أن تتم المصادقة عليه.

"أنتيفا".. حركة "أشباح" 

ما يزيد من صعوبة تنفيذ دونالد ترامب تهديداته، وفق "نيويورك تايمز"، كون "أنتيفا" حركة احتجاجية سرّية وليست "منظمة" بالمفهوم الذي قصده ترامب. وأفادت الصحيفة أنه يستحيل معرفة عدد الأفراد الذين يعتبرون أنفسهم من أعضاء الحركة، إذ لا تتوفر على مقر، وليس لها قائد. 

الوسيلة الوحيدة التي يعرّف بها أتباع الحركة عن انتمائهم هي طريقة لباسهم وأسلوب مشاركتهم في الاحتجاجات، وفقاً لمارك بريي، محاضر التاريخ في دارتمث كوليدج ومؤلف كتاب "Antifa: The Anti-Fascist Handbook"، الذي يعتبر أحد المراجع العلمية القليلة حول تاريخ الحركة.

عناصر
عناصر "أنتيفا" في مسيرة للمطالبة بحرية التعبير في العاصمة الأميركية واشنطن، يوم 6 يوليو 2019 - AFP

وقال مارك بريي في تصريحات لـ"نيويورك تايمز" إن أعضاء الحركة "يعتمدون أساليب قريبة إلى تلك التي تعتمدها الجماعات الأناركية (الفوضية)، إذ يرتدون ملابس سوداء ويضعون الأقنعة على وجوههم."

وأضاف أن حركة "أنتيفا" والجماعات الأناركية يؤمنون تقريباً بالإيديولوجيا نفسها، إذ "ينتقد كل منهما الرأسمالية ويطالبون بحل هيكلة السلطة، ومن ضمنها قوات الأمن".

ترامب وراء بروزها

وبرزت حركة "أنتفيا"، التي ظهرت أول مرة في القارة الأوروبية قبل عقود، في الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة، تزامناً مع صعود دونالد ترامب إلى السلطة في 2017.

ومنذ 2017، انخرطت الحركة في عدد من الفعاليات الاحتجاجية في مختلف ولايات أميركا. أولها كان يوم تنصيب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة يوم 20 يناير 2020، إذ قادت الحركة احتجاجات عنيفة في العاصمة واشنطن، تخللتها أعمال تخريب وتدمير للممتلكات وإشعال للنيران.

دونالد ترامب وزوجته في مراسيم حفل تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة يوم 20 يناير 2017 - AFP
دونالد ترامب وزوجته خلال مراسم حفل تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة يوم 20 يناير 2017 - AFP

وظهرت الحركة مجدداً في غشت 2017، حين انخرطت في مواجهات عنيفة مع تجمع نظمه القوميون البيض (حركة يمينية) في مدينة "شارلوتسفيل" بولاية فرجينيا. وقام أعضاء الحركة بإغلاق منافذ حديقة "إيمانسيبيشن"، لمنع اليمينيين من دخول الحديقة، حيث كانوا ينوون التظاهر، وهو ما أسفر عن اشتباكات عنيفة، حيث أقدم بعض أعضاء "أنتيفا" على رش مواد كيميائية على خصومهم، وفقاً لمجلة "ذا نيويوركر".

عناصر من حركة
عناصر من حركة "أنتيفا" يرشون مواد كيميائية على عناصر الشرطة في مدينة "شارلوتسفيل" بولاية فرجينيا - AFP

وأثار تدخل "أنتيفا" غضب النشطاء اليمينيين الذين أطلقوا في الشهر نفسه عريضة إلكترونية موجهة إلى البيت الأبيض من أجل تصنيف "أنتيفا" جماعة إرهابية. وحصلت العريضة على أكثر من 100 ألف توقيع، وفقاً لقناة فوكس نيوز الأميركية.

ميلاد من رحم معركة تاريخية

ووفقاً لكتاب "أنتيفا: دليل مناهضة الفاشية-Antifa: The Anti-Fascist Handbook"، تأسست الحركة بشكل عفوي بعد معركة "كايبل سترييت" الشهيرة في بريطانيا يوم 4 أكتوبر 1939.

ونشبت المعركة بعد وقوف عشرات الآلاف من المحتجين الاشتراكيين وعمال الموانئ الإيرلنديين والشيوعيين والأرناكيين متحدين للدفاع عن شرق لندن، التي كان ينوي السيطرة عليها أوزوالد موزلي، مؤسس اتحاد الفاشيين البريطاني، الذي كان يقود ميليشيا فاشية تابعة للحزب تُدعى "القمصان السود".

ماكس ليفيتاس، ناشط شيوعي من إيرلندا شارك في معركة
ماكس ليفيتاس، ناشط شيوعي من إيرلندا شارك في معركة "كايبل ستريت"، بجانب لوحة جدارية شرق لندن تخلّد المعركة - Reuters

ويذكر الأكاديمي مارك برييي، مؤلف كتاب "أنتيفا: دليل مناهضة الفاشية"، أن المحتجين تمكنوا من هزيمة موزلي و3 آلاف من عناصر ميليشيا "القمصان السود" التي كانت ترافقه، إضافة إلى نحو 6 آلاف عنصر من الشرطة الذين كانوا في صف موزلي. ويضيف في كتابه الذي يعد أهم مرجع عن الحركة اليسارية، أن المحتجين تمكنوا من طرد موزلي وأتباعه عن طريق تفجير القنابل المصنوعة يدوياً، وإشعال النار في شاحنات لمحاصرتهم في الشوارع، وقذفهم بالحجارة والزجاجات المشتعلة.

ويتابع مارك بريي في كتابه أن اتحاد الجماعات الاحتجاجية المتفرقة في تلك المعركة ومقاومتهم للفاشية بتلك الوسائل العنيفة شكلت ميلاد أسطورة "الأنتيفا"، كفكرة إيديولوجية تحارب الفاشية بالعنف، مضيفاً أنها انتشرت بعد ذلك في مختلف أنحاء أوروبا، قبل أن تصل فيما بعد إلى الولايات المتحدة الأميركية.

لكن "نيويورك تايمز" أفادت أن كلمة "أنتيفا" استخدمت لأول مرة في عام 1946، وفقاً لقاموس "ميريام وبستر" البريطاني، الذي يقول إن الكلمة استلهمت من عبارة ألمانية تشير إلى معارضة النازية.